النفس

کد ثب علمی:۱۵۲۲-۶۱۰-۳۴۹۰۴۰۴۰۱۷-۲۷۶۲

النفس من کتاب الشفاء

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۵

مقدّمه التحقیق‏

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‏ الحمد للّه الذی خلق ملکه على مثال ملکوته، و أسّس ملکوته على مثال جبروته، لیستدلّ بملکه على ملکوته، و بملکوته على جبروته.

و الصّلوه و السلام على ممدّ الهمم رسوله الخاتم، و آله الموازین القسط أئمّه الأمم، و من سلکوا نهجهم الهادین الى الطریق الأمم.

و بعد فلا یخفى على من لم یهمل نفسه و لم ینسها أن معرفه النفس هى السبیل الى معرفه الواجب تعالى شأنه، و الطریق إلى الإیقان بالمعاد المفضى الى تحصیل السعاده الأبدیّه، فهى أفضل المعارف و أنفعها. قوله سبحانه: وَ لا تَکُونُوا کَالَّذِینَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُونَ.

قال الوصیّ الإمام أمیر المؤمنین على- علیه السلام-: «لا تجهل نفسک فان الجاهل معرفه نفسه جاهل بکل شی‏ء».

و قال علیه السلام: «من عرف نفسه فقد انتهى إلى غایه کل معرفه و علم».

و قال علیه السلام: «من لم یعرف نفسه بعد عن سبیل النجاه و خبط فی الضلال و الجهالات».

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۶

و قال علیه السلام: «معرفه النفس انفع المعارف».

و قال علیه السلام: «من عرف نفسه عرف ربّه».

و قد اعتنى اساطین العلم من قدیم الدهر بتصنیف الصحف النوریه فی معرفه النفس الانسانیه، و قد عددنا عده منها فى مفتتح کتابنا الفارسی فی معرفه النفس الموسوم ب «گنجینه گوهر روان». و من تلک الصحف الکریمه کتاب نفس الشفاء للشیخ الرئیس- رضوان اللّه علیه- و قد قرأناه عند شیخنا الأعظم و استاذنا الأکرم العلامه الشعرانى- قدس سرّه الشریف- (سنه ۱۳۸۰ ه ق ۱۳۴۰ ه ش).

و بعد ذلک بذلنا الجدّ و الجهد فی تصحیحه و تدریسه و التعلیق علیه. و قد رزقنا اللّه المفیض الوهّاب و مهیّئ الأسباب و مسبّبها، عده نسخ من الشفاء مخطوطه و مطبوعه مصحّحه من مشایخ العلم و اساطین الحکمه، و هذا السفر القویم الموشح بتعلیقاتنا علیه قد صحّحناه بالعرض علیها، و نهدیه إلى النفوس المستعده للاعتلاء إلى ذرى معارج المعارف. و نسأل اللّه العصمه و السداد، و أن یجعله ذخرا لیوم المعاد.

و ترى فی آخر الکتاب نماذج من تصاویر بعض صفحات نسخنا المذکوره الموجوده فى مکتبتنا. دعویهم فیها سبحانک اللّهم و تحیّتهم فیها سلام و آخر دعویهم أن الحمد لله رب العالمین.

۲۹/ ۳/ ۱۳۷۵ ه ش- غره الصفر ۱۴۱۷ ه ق- قم.

حسن حسن زاده الآملى.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۷

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‏

الفن السادس من الطبیعیات‏

قد استوفینا فى الفن الأول الکلام على الأمور العامّه فى الطبیعیات، ثم تلوناه بالفن الثانى فى معرفه الاجرام و السماء و العالم و الصور «۱» و الحرکات الأولى فى عالم الطبیعه، و حققنا أحوال الأجسام التى لا تفسد و التى تفسد، ثم تلوناه بالکلام على الکون و الفساد و أسطقساتها، ثم تلوناه بالکلام على أفعال الکیفیات الأولى و انفعالاتها و الأمزجه المتولده منها.

و بقى لنا أن نتکلم على الأمور الکائنه، فکانت الجمادات و ما لا حس له و لا حرکه إرادیه أقدمها و أقربها تکوّنا من العناصر، فتکلّمنا فیها فى‏

______________________________
(۱)- فى معرفه الاجرام و الصور و الحرکات الأولى (کما فى نسختین مقروتین مصححتین من الشفاء). و نسخه اخرى مصحّحه أیضا فى غایه الجوده مطابقه لما فى الکتاب اعنى:

«فى معرفه الاجرام السماء و العالم و الصور و الحرکات الاولى».

فالسماء و العالم بیان للاجرام کما قال فى اول الفن الثانى ص ۱۵۹، فى السماء و العالم. و الاجرام السماویه من التصحیحات الخبالیه الخیالیه. ثم العباره فى طبع مصر هکذا: «فى معرفه السماء و العالم و الاجرام و الصور …» و هى حسنه ان لم تکن بالتصحیح القیاسى.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۸

الفن الخامس.

و بقى لنا من العلم الطبیعى النظر فى أمور النباتات و الحیوانات لما کانت النباتات و الحیوانات متجوهره الذوات عن صوره هى النفس و ماده هى الجسم و الأعضاء، و کان أولى ما یکون علما بالشى‏ء هو ما یکون من جهه صورته، رأینا أن نتکلم أولا فى النفس، و لم نر أن ننثر «۱» علم النفس فنتکلم أولا فى النفس النباتیه و النبات، ثم فى النفس الحیوانیه و الحیوان، ثم فى النفس الإنسانیه و الإنسان. و إنما لم نفعل ذلک لسببین:

أحدهما أن هذا التنثیر مما یوعّر «۲» ضبط علم النفس المناسب بعضه لبعض.

و الثانى أن النبات یشارک الحیوان فى النفس التى لها فعل النمو و التغذیه و التولید. و یجب لا محاله أن ینفصل عنه‏ «۳» بقوى نفسانیه تخص جنسه ثم تخص أنواعه. و الذى یمکننا أن نتکلم علیه من أمر نفس النبات هو ما یشارک فیه الحیوان. و لسنا نشعر کثیر شعور بالفصول المنوعه لهذا المعنى الجنسى فى النبات؛ و إذا کان الأمر کذلک لم تکن نسبه هذا القسم من النظر إلى أنه کلام فى النبات أولى منه إلى أنه کلام فى الحیوان؛ إذ کانت نسبه الحیوان إلى هذه النفس نسبه النبات إلیها «۴» و کذلک أیضا حال‏

______________________________
(۱)- فى ثلاث نسخ مصحّحه من الشفاء جائت العباره «نبتّر» من التبتیر بمعنى التقطیع، و کذا قوله الآتى: «إن هذا التبتیر». و فى هذه النسخه جاءت العباره «ننثّر» و «التنثیر» بالنون و الثاء المثلثه من التفریق مقابل التنظیم. و المآل واحد.

(۲)- اى یصعب.

(۳)- اى ینفصل الحیوان عن النبات.

(۴)- و لا یختص هذا النوع من النظر بالنبات بل هذا النوع من النظر مشترک بین الحیوان و النبات.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۹

النفس الحیوانیه بالقیاس إلى الإنسان و الحیوانات الأخر.

و إذ کنا إنما نرید أن نتکلم فى النفس الحیوانیه و النباتیه من حیث هى مشترکه، و کان لا علم بالمخصص إلا بعد العلم بالمشترک، و کنا قلیلى الاشتغال بالفصول الذاتیه لنفس نفس و لنبات نبات و لحیوان حیوان لتعذر ذلک علینا. فکان‏ «۱» الأولى أن نتکلم فى النفس فى کتاب واحد، ثم إن أمکننا أن نتکلم فى النبات و الحیوان کلاما مخصصا فعلنا. و أکثر ما یمکننا من ذلک یکون متعلقا بأبدانها و بخواص من أفعالها البدنیه، فلأن نقدّم تعرّف أمر النفس و نؤخّر تعرّف أمر البدن أهدى سبیلا «۲» فى التعلیم من أن نقدّم تعرّف أمر البدن و نؤخّر تعرّف أمر النفس. فإن معونه معرفه أمر النفس فى معرفه الأحوال البدنیه أکثر من معونه معرفه البدن فى معرفه الأحوال النفسانیه. على أن کل واحد منهما یعین على الآخر، و لیس أحد الطرفین بضرورى التقدیم، إلا أنا آثرنا أن نقدّم الکلام فى النفس لما أملیناه من العذر «۳»، فمن شاء أن یغیّر هذا الترتیب فعل بلا مناقشه لنا معه.

و هذا هو الفن السادس، ثم نتلوه فى الفن السابع بالنظر فى أحوال النبات، و فى الفن الثامن بالنظر فى أحوال الحیوان. و هناک نختم العلم الطبیعى، و نتلوه بالعلم الریاضى فى فنون أربعه، ثم نتلو ذلک کله بالعلم الإلهى، و نردفه شیئا من علم الأخلاق، و نختم کتابنا هذا به.

______________________________
(۱)- جواب «و اذ کنا».

(۲)- لانّ العلم بالشى‏ء من جهه صورته اهدى سبیلا من العلم بذلک الشى‏ء من جهه مادّته.

(۳)- من انّ الاولى بالعلم بالشى‏ء هو ما یکون من جهه صورته.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۱

المقاله الأولى‏

خمسه فصول:

الفصل الأول: فى اثبات النفس و تحدیدها من حیث هى نفس.

الفصل الثانى: فى ذکر ماقاله القدماء فى النفس فى جوهرها و نقضه.

الفصل الثالث: فى أنّ النفس داخله فى مقوله الجوهر.

الفصل الرابع: فى تبیین أنّ اختلاف أفاعیل النفس لاختلاف قواها.

الفصل الخامس: فى تعدید قوى النفس على سبیل التصنیف.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۳

الفصل الاول فى إثبات النفس و تحدیدها من حیث هى نفس‏

نقول: إن أول ما یجب أن نتکلم فیه إثبات وجود الشى‏ء الذى یسمى نفسا، ثم نتکلم فیما یتبع ذلک فنقول: إنا قد نشاهد أجساما تحسّ و تتحرّک بالإراده، بل نشاهد أجساما تغتذى و تنمو و تولّد المثل و لیس ذلک لها لجسمیتها، فبقى أن تکون فى ذواتها مبادئ لذلک غیر جسمیتها، و الشى‏ء الذى تصدر عنه هذه الأفعال. و بالجمله کل ما یکون مبدأ لصدور أفاعیل لیست على و تیره واحده «۱» عادمه للإراده، فإنا نسمّیه نفسا. و هذه اللفظه اسم لهذا الشى‏ء، لا من حیث هو جوهره، و لکن من جهه إضافه مّا له، أى من جهه ما هو مبدأ لهذه الأفاعیل، و نحن نطلب جوهره و المقوله التى یقع فیها من بعد. ولکنا الآن إنما أثبتنا وجود شى‏ء هو مبدأ لما ذکرنا، و أثبتنا وجود شى‏ء من جهه مّا له عرض مّا و نحتاج أن نتوصّل من‏

______________________________
(۱)- و فى تعلیقه نسخه: فانه اذا کان آثاره على و تیره واحده و عادمه للاراده فهو صوره معدنیه لا یسمى نفسا بل المبدأ اما ان یصدر عنه آثاره على و تیره واحده مع الاراده فهذا المبدأ هو النفس الفلکى او یصدر عنه آثار مختلفه مع الاراده فالمبدأ هو النفس الحیوانى او یصدر عنه آثار مختلفه مع عدم الاراده فالمبدأ هو النفس النباتى.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۴

هذا العارض الذى له إلى أن نحقّق ذاته لنعرف ماهیته، کأنّا قد عرفنا أن لشى‏ء یتحرک محرکا مّا. و لسنا نعلم من ذلک أن ذات هذا المحرک ما هو.

فنقول: إذا کانت الأشیاء، التى یرى أن النفس موجوده لها، أجساما، و إنما یتم وجودها من حیث هى نبات و حیوان لوجود هذا الشى‏ء لها، فهذا الشى‏ء جزء من قوامها. و أجزاء القوام کما علمت فى مواضع هى قسمان: جزء یکون به الشى‏ء هو ما هو بالفعل، و جزء یکون به الشى‏ء هو ما هو بالقوه، إذ هو بمنزله الموضوع؛ فإن کانت النفس من القسم الثانى‏ «۱»، و لا شک أن البدن من ذلک القسم، فالحیوان و النبات لا یتم حیوانا و لا نباتا بالبدن و لا بالنفس‏ «۲» فیحتاج إلى کمال آخر هو المبدأ بالفعل لما قلنا. فذلک هو النفس و هو الذى کلامنا فیه، بل ینبغى أن تکون النفس هو ما به یکون النبات و الحیوان بالفعل نباتا و حیوانا. فإن کان جسما أیضا، فالجسم صورته ماقلنا «۳»؛ و إن کان جسما بصوره مّا، فلا یکون هو من حیث هو جسم ذلک المبدأ، بل یکون کونه مبدأ من جهه تلک الصوره، و یکون صدور تلک الأحوال عن تلک الصوره بذاتها. و إن کان بتوسط هذا الجسم، فیکون المبدأ الأول تلک الصوره، و یکون أول‏

______________________________
(۱)- و فى تعلیقه نسخه: اى یکون الشى‏ء ما بالقوه.

(۲)- قوله و لا بالنفس یعنى بها النفس المفروض فى قوله فإن کانت النفس من القسم الثانى أى یکون الشى‏ء بالقوه. و لا یخفى علیک ان الحیوان و النبات لا یتمّ حیوانا و لا نباتا بهذه النفس المفروضه التى هى بالقوه بعد، و لذا قال: «فیحتاج الى کمال آخر هو المبدأ بالفعل لما قلنا». و معنى قوله: «لما قلنا» هو ما قال آنفا: «و انما یتم وجودها- اى وجود الاجسام- من حیث هى نبات و حیوان لوجود هذا الشى‏ء لها». و هو الشى‏ء الذى یصدر عنه هذه الافعال من التغذیه و التنمیه و التولید.

(۳)- فى تعلیقه نسخه: من انّ هذه الاثار لیست للجسمیه بل لها مبدأ غیر الجسمیه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۵

فعله بوساطه هذا الجسم، و یکون هذا الجسم جزءا من جسم الحیوان، لکنه أول جزء یتعلق به المبدأ، و لیس هو بما هو جسم إلا من جمله الموضوع. فتبیّن أن ذات النفس لیس بجسم، بل هو جزء للحیوان و النبات، هو صوره أو کالصوره أو کالکمال.

فنقول الآن: إن النفس یصح أن یقال لها بالقیاس إلى ما یصدر عنها من الأفعال قوه «۱».

و کذلک یجوز أن یقال لها بالقیاس إلى ما یقبلها من‏ «۲» الصور المحسوسه و المعقوله على معنى آخر قوه.

و یصح أن یقال أیضا لها بالقیاس إلى الماده التى تحلها فیجتمع منهما «۳» جوهر نباتى أو حیوانى صوره.

و یصح أن یقال لها أیضا بالقیاس إلى استکمال الجنس بها نوعا محصلا فى الأنواع العالیه أو السافله کمال، لأن طبیعه الجنس تکون ناقصه غیر محدوده ما لم تحصّلها طبیعه الفصل البسیط «۴» أو غیر البسیط «۵» منضافا إلیها؛ فإذا انضاف کمل النّوع. فالفصل کمال النوع بما

______________________________
(۱)- لا القوه بالمعنى القابل للفعل، بل القوه بمعنى المبدأ للفعل.

(۲)- قوله- قدس سره-: «بالقیاس الى ما یقبلها» فان قابل الصور المحسوسه النفس الحیوانیه، و قابل الصور المعقوله النفس المجرده و هو معنى آخر غیر الاول. و اعلم انّ القول بقبول النفس غیر مقبول فى الحکمه المتعالیه لانه مبنى على انّ النفس تنفعل من صور المحسوسات و المعقولات، و اما الحکمه المتعالیه فحاکمه بانّ النفس تنشى‏ء الصور فى مرحله، و اخرى على النحو الذى فوق الانشاء على ما هو مقرر فى محله و معلوم لاهله.

(۳)- اى من النفس و الماده.

(۴)- و فى تعلیقه نسخه: کالناطق بالنسبه الى الحیوان.

(۵)- کالحساس و المتحرّک بالاراده بالنسبه الى الحیوان.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۶

هو نوع و لیس لکل نوع فصل بسیط «۱»، قد علمت هذا، بل إنما هو للأنواع المرکبه الذوات من ماده و صوره، و الصوره منها هو الفصل البسیط لما هو کماله.

ثم کل صوره کمال‏ «۲»، و لیس کل کمال صوره، فإن الملک کمال المدینه، و الربّان کمال السفینه، و لیسا بصورتین للمدینه و السفینه، فما کان من الکمال مفارق الذات لم یکن بالحقیقه صوره للماده و فى الماده.

فإن الصوره التى هى فى الماده هى الصوره المنطبعه فیها القائمه بها، اللهم إلا أن یصطلح فیقال لکمال النوع صوره النوع. و بالحقیقه فإنه قد استقر الاصطلاح على أن یکون الشى‏ء بالقیاس إلى الماده صوره، و بالقیاس إلى الجمله غایه و کمالا، و بالقیاس إلى التحریک مبدأ فاعلیا و قوه محرکه.

و إذا کان الأمر کذلک فالصوره تقتضى نسبه إلى شى‏ء بعید من ذات الجوهر «۳» الحاصل منها، و إلى شى‏ء «۴» یکون الجوهر الحاصل هو ما

______________________________
(۱)- قوله: «و لیس لکل نوع فصل بسیط» الفصل البسیط هو الفصل الاشتقاقى المنطقى و فى تعلیقه نسخه من الشفاء فى المقام ما افاد من قوله: «فیه دلاله على انّ ما له فصل عقلى فله صوره خارجیه، و ان الجنس و الفصل یکونان للمرکبات الخارجیه من الماده و الصوره و قد صرّح بهذا فى عدّه مواضع من کتاب التعلیقات» انتهى کلام ذلک المحشى.

(۲)- قوله- قدس سره-: «ثم کل صوره کمال» اقول هذا شروع فى بیان امرین الاول منهما بیان ترجیح الکمال على الصوره فى تعریف النفس. و الثانى منهما بیان ترجیح الکمال على القوه فى ذلک التعریف. و هذا یبیّن فى قوله الآتى: «و ایضا إذا قلنا انّ النفس کمال فهو اولى من ان نقول قوه».

(۳)- اى النوع.

(۴)- اى الماده.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۷

هو به‏ «۱» بالقوه، و إلى شى‏ء لا تنسب الأفاعیل إلیه، و ذلک الشى‏ء «۲» هو الماده لأنها صوره باعتبار وجودها للماده.

و الکمال یقتضى نسبه إلى الشى‏ء التام الذى عنه تصدر الأفاعیل لأنه کمال بحسب اعتباره للنوع‏ «۳». فبین من هذا أنا إذا قلنا فى تعریف النفس إنها کمال‏ «۴» کان أدل على معناها، و کان أیضا یتضمن جمیع أنواع النفس من جمیع وجوهها «۵»، و لا تشذ النفس المفارقه للماده عنه.

و أیضا إذا قلنا: إن النفس کمال فهو أولى من أن نقول: قوه، و ذلک لأن الأمور الصادره عن النفس منها ما هى من باب الحرکه، و منها ما هى من باب الإحساس و الإدراک، و الإدراک بالحرى أن یکون لها لا بما لها قوه هى مبدأ فعل، بل مبدأ قبول. و التحریک بالحرى أن یکون لها لا بما لها قوه هى مبدأ قبول، بل مبدأ فعل، و لیس أن ینسب إلیها أحد الأمرین بأنها قوه

______________________________
(۱)- متعلق بقوله: «یکون». و الضمیر راجع الى «الشى‏ء».

(۲)- بیان للاشیاء الثلاثه.

(۳)- قال الفخر فى المباحث المشرقیه: «ان المقیس الى النوع اولى لان فى الدلاله على النوع دلاله على الماده لکونها جزءا منه من غیر عکس و لانّ النوع اقرب الى الطبیعه الجنسیه من الماده». المباحث المشرقیه ج ۲ ص ۲۳۲.

(۴)- قوله: «انها کمال» قال العلامه الحلى فى شرح التجرید: «و قد عرّفوا النفس بالکمال دون الصوره لان النفس الانسانیه غیر حاله فى البدن فلیست صوره له و هى کمال له.» کشف المراد ص ۱۸۲.

اقول: بیانه- قدس سره- على ممشى المشاء تمام. و أما على مبنى الحکمه المتعالیه الرصین فالنفس الحیوانیه ایضا غیر حالّه. فراجع الفصل الثانى من الباب الثانى من نفس الاسفار (ج ۴ ص ۹ ط ۱- ج ۸ ص ۴۲ ط ۲) حیث یقول: فصل فى بیان تجرد النفس الحیوانیه و علیه براهین کثیره فتبصّر.

(۵)- فى تعلیقه نسخه: اى سواء کانت مجرده او منطبعه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۸

علیه أولى من الآخر. فإن قیل لها: قوه، و عنى به الأمران جمیعا کان ذلک باشتراک الاسم. و إن قیل: قوه، و اقتصر على أحد الوجهین، عرض من ذلک‏ «۱» ماقلنا.

و شى‏ء آخر و هو أنه لا یتضمن الدلاله على ذات النفس من حیث هى نفس مطلقا، بل من جهه «۲» دون جهه. و قد بینا فى الکتب المنطقیه أن ذلک غیرجید و لا صواب.

ثم إذا قلنا: کمال، اشتمل على المعنیین. فإن النفس من جهه القوه «۳» التى یستکمل بها إدراک الحیوان کمال، و من جهه القوه التى تصدر عنها أفاعیل الحیوان أیضا کمال، و النفس المفارقه کمال، و النفس التى لا تفارق کمال.

لکنا إذا قلنا: کمال، لم یعلم من ذلک بعد أنها جوهر، أو أن لیست بجوهر لأنّ معنى الکمال هو الشى‏ء الذى بوجوده یصیر الحیوان بالفعل حیوانا و النبات بالفعل نباتا، و هذا لا یفهم عنه بعد أنّ ذلک جوهر أو لیس بجوهر.

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: من عدم الاولویه.

(۲)- مثل الفعل او الانفعال.

(۳)- قال شارح المقاصد: ان القوه لفظ مشترک بین مبدأ الفعل کالتحریک و مبدأ القبول و الانفعال کالاحساس و کلاهما معتبر فى النفس، و فى الاقتصار على احدهما مع انه اخلال بما هو مدلول النفس استعمال للمشترک فى التعریف، شرح المقاصد ج ۳ ص ۳۰۲. قال الامام فلان القوه اسم لها من حیث انها مبدأ الافعال، و الکمال اسم لها من هذه الجهه و من حیث انها مکمله للنوع و ما یعرّف الشى‏ء من جمیع جهاته أولى مما یعرّفه من بعض جهاته، فیظهر أن الکمال هو الذى یجب ان یوضع فى حد النفس مکان الجنس. راجع الأسفار الأربعه ج ۸ ص ۹ ط ۲. و المباحث المشرقیه ج ۲ ص ۲۳۳.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۹

لکنا نقول: إنه لا شک لنا فى أن هذا الشى‏ء لیس بجوهر بالمعنى الذى یکون به الموضوع جوهرا، و لا أیضا بالمعنى الذى یکون به المرکب جوهرا. فأما جوهر بمعنى الصوره فلینظر فیه.

فإن قال قائل: إنى أقول للنفس جوهر و أعنى به الصوره، و لست أعنى به معنى أعم من الصوره، بل معنى أنه جوهر معنى أنه صوره، و هذا مما قاله خلق منهم‏ «۱»، فلا یکون معه موضع بحث و اختلاف ألبته.

فیکون معنى قوله: إن النفس جوهر، أنها صوره؛ بل یکون قوله:

الصوره جوهر، کقوله الصوره صوره أو هیئه و الإنسان إنسان أو بشر، و یکون هذیانا من الکلام.

و إن عنى بالصوره «۲» ما لیس فى موضوع ألبته، أى لا یوجد بوجه من الوجوه قائما فى الشى‏ء الذى سمیناه لک موضوعا ألبته، فلا یکون کل کمال جوهرا. فإن کثیرا من الکمالات‏ «۳» هى فى موضوع لا محاله، و إن کان ذلک الکثیر بالقیاس إلى المرکب، و من حیث کونه فیه لیس فى موضوع، فإن کونه جزءا منه لا یمنعه أن یکون فى موضوع، و کونه فیه لا کالشى‏ء فى الموضوع لا یجعله جوهرا، کما ظن بعضهم. لأنه لم یکن الجوهر ما لا یکون بالقیاس إلى شى‏ء على أنه فى موضوع حتى یکون الشى‏ء من جهه ما لیس فى هذا الشى‏ء على أنه فى موضوع جوهرا، بل‏

______________________________
(۱)- قوله: «خلق منهم» هذا الخلق هم القائلون بانّ النفس الانسانیه من الاجسام اللطیفه فضلا عن النفس الحیوانیه و النباتیه.

(۲)- فى تعلیقه نسخه: اى على تقدیر ان النفس جوهر بمعنى الصوره.

(۳)- فى تعلیقه نسخه: کالسواد و الکتابه و غیرهما فإنها کمالات اولیه للمرکب منها و من الموضوع کالسواد للأسود بما هو أسود و الکتابه للکاتب بما هو کاتب.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۲۰

إنما یکون جوهرا إذا لم یکن و لا فى شى‏ء من الأشیاء على أنه فى موضوع. و هذا المعنى لا یدفع کونه فى شى‏ء مّا موجودا لا فى موضوع، فإن ذلک لیس له بالقیاس إلى کل شى‏ء، حتى إذا قیس إلى شى‏ء یکون فیه لا کما یوجد الشى‏ء فى موضوع صار جوهرا؛ و إن کان بالقیاس إلى شى‏ء آخر بحیث یکون عرضا، بل هو اعتبار له فى ذاته. فإن الشى‏ء إذا تأملت ذاته و نظرت إلیها فلم یوجد لها موضوع ألبته کانت فى نفسها جوهرا، و إن وجدت فى ألف شى‏ء لا فى موضوع بعد أن توجد فى شى‏ء واحد على نحو وجود الشى‏ء فى الموضوع فهى فى نفسها عرض. و لیس إذا لم یکن عرضا فى شى‏ء فهو جوهر فیه، فیجوز أن یکون الشى‏ء لا عرضا فى الشى‏ء «۱» و لا جوهرا فى الشى‏ء، کما أن الشى‏ء یجوز أن لا یکون واحدا فى شى‏ء و لا کثیرا «۲»، لکنه فى نفسه واحد أو کثیر. و لیس الجوهرى و الجوهر واحدا، و لا العرض بمعنى العرضى‏ «۳» الذى فى إیساغوجى هو العرض الذى فى قاطیغوریاس‏ «۴». و قد بینا هذه الأشیاء لک فى صناعه المنطق.

فبین أن النفس لا یزیل عرضیتها کونها فى المرکب کجزء «۵»، بل یجب‏

______________________________
(۱)- کالسواد بالنسبه الى الاسود.

(۲)- و فى تعلیقه نسخه: اى کما ان زیدا لیس واحدا فى السماء و لا کثیرا فیها و ان کان فى نفسه و حیّزه واحدا.

(۳)- اى العرض العام و الخاص من الکلّیات الخمس.

(۴)- و فى تعلیقه نسخه: اى المقولات العشر کالحال فى الموضوع مثل المشى و الضحک.

(۵)- قال فى الاسفار: «فعلم ان کون النفس کمالا للجسم و الجسم جوهر او کونها جزءا للمرکب لا عرضا قائما بالمرکب لا یستلزم جوهریتها بل یحتمل ان یکون نفس ما قائمه بالموضوع و هى مع ذلک یکون جزءا للمرکب. و یحتمل ان لا یکون فى موضوع فیکون‏

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۲۱

أن تکون فى نفسها لا فى موضوع ألبته، و قد علمت ما الموضوع.

فإن کان کل نفس موجوده لا فى موضوع، فکل نفس جوهر، و إن کانت نفس مّا قائمه بذاتها و البواقى کل واحد منها فى هیولى و لیست فى موضوع فکل نفس جوهر، و إن کانت نفس مّا قائمه فى موضوع و هى مع ذلک جزء من المرکب فهى عرض، و جمیع هذا کمال. فلم یتبین لنا بعد أن النفس جوهر أو لیست بجوهر من وضعنا أنها کمال. و غلط من ظن أن هذا یکفیه فى أن یجعلها جوهرا کالصوره.

فنقول: إنا إذا عرفنا أن النفس کمال بأى بیان و تفصیل فصلنا الکمال، لم یکن بعد عرفنا النفس و ماهیتها، بل عرفناها من حیث هى نفس؛ و اسم النفس لیس یقع علیها من حیث جوهرها، بل من حیث هى مدبره للأبدان و مقبسه إلیها. فلذلک یؤخذ البدن فى حدها، کما یؤخذ مثلا البناء فى حد البانى، و إن کان لا یؤخذ فى حده من حیث هو إنسان.

و لذلک صار النظر فى النفس من العلم الطبیعى، لأن النظر فى النفس من حیث هى نفس نظر فیها من حیث لها علاقه بالماده و الحرکه، بل یجب أن نفرد لتعرّفنا ذات النفس بحثا آخر. و لو کنّا عرفنا بهذا ذات النفس، لما أشکل علینا و قوعها فى أى مقوله تقع فیها. فإن من عرف و فهم ذات الشى‏ء فعرض على نفسه طبیعه أمر ذاتى له لم یشکل علیه وجوده له، کما أوضحناه فى المنطق.

لکن الکمال على وجهین: کمال أول، و کمال ثان. فالکمال الأول‏

______________________________
– جوهرا فلم یتبیّن بعد من مفهوم کون النفس کمالا انّ ذلک الکمال جوهر او عرض».

الاسفار الاربعه ج ۴ ص ۵ ط ۱- ج ۸ ص ۲۵ ط ۲.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۲۲

هو الذى یصیر به النوع نوعا بالفعل کالشکل للسیف. و الکمال الثانى هو أمر من الأمور التى تتبع وجود نوع الشى‏ء من أفعاله و انفعالاته، کالقطع للسیف، و کالتمییز و الرویّه و الإحساس و الحرکه للإنسان. فإن هذه کمالات لا محاله للنوع، لکن لیست أوّلیّه، فإنه لیس یحتاج النوع فى أن یصیر هو ما هو بالفعل إلى حصول هذه الأشیاء له بالفعل، بل إذا حصل له مبدأ هذه الأشیاء بالفعل حتى صار له هذه الأشیاء بالقوه بعد ما لم تکن بالقوه إلا بقوه بعیده تحتاج إلى أن یحصل قبلها شى‏ء حتى تصیر بالحقیقه بالقوه صار حینئذ الحیوان حیوانا بالفعل. فالنفس کمال أول.

و لأن الکمال کمال للشى‏ء، فالنفس کمال الشى‏ء، و هذا الشى‏ء هو الجسم، و یجب أن یؤخذ الجسم بالمعنى الجنسى‏ «۱» لا بالمعنى المادى‏ «۲»، کما علمت فى صناعه البرهان. و لیس هذا الجسم الذى النفس کماله کل جسم، فإنها لیست کمال الجسم الصناعى کالسریر و الکرسى و غیرهما، بل کمال الجسم الطبیعى. و لا کل جسم طبیعى، فلیست النفس کمال نار و لا أرض و لا هواء، بل هى فى عالمنا کمال جسم طبیعى تصدر عنه کمالاته الثانیه بآلات یستعین بها فى أفعال الحیاه التى أولها التغذى و النمو. فالنفس التى نحدّها هى کمال أول لجسم طبیعى آلى له أن یفعل أفعال الحیاه.

لکنه قد یتشکک فى هذا الموضوع بأشیاء، من ذلک أن لقائل أن یقول: إن هذا الحد لا یتناول النفس الفلکیه فإنها تفعل بلا آلات. و إن ترکتم ذکر الآلات و اقتصرتم على ذکر الحیاه لم یغنکم ذلک شیئا، فإن‏

______________________________
(۱)- اى لا بشرط.

(۲)- اى بشرط لا.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۲۳

الحیاه التى لها لیس هو التغذى و النمو، و لا أیضا الحس. و أنتم تعنون بالحیاه التى فى الحد هذا، و إن عنیتم بالحیاه ما للنفس الفلکیه من الإدراک مثلا و التصور العقلى أو التحریک لغایه إرادیه، أخرجتم النبات من جمله ما یکون له نفس. و أیضا إن کان التغذى حیاه فلم لا تسمون النبات حیوانا.

و أیضا لقائل أن یقول: ما الذى أحوجکم إلى أن تثبتوا نفسا و لم لم یکفکم أن تقولوا: إن الحیاه نفسها هى هذا الکمال فتکون الحیاه هى المعنى الذى یصدر عنه ما تنسبون صدوره إلى النفس.

فلنشرع فى جواب واحد واحد من ذلک وحله، فنقول: أما الأجسام السماویه فإن فیها مذهبین: مذهب من یرى أن کل کوکب یجتمع منه و من عده کرات قد دبّرت بحرکته جمله جسم کحیوان واحد، فتکون حینئذ کل واحده من الکرات یتم فعلها بعده أجزاء ذوات حرکات، فتکون هى کالآلات. و هذا القول لا یستمر فى کل الکرات‏ «۱». و مذهب من یرى أن کل کره فلها فى نفسها حیاه مفرده، و خصوصا ویرى جسما تاسعا، ذلک الجسم واحد بالفعل لا کثره فیه. فهؤلاء یجب أن یروا أن اسم النفس إذا وقع على النفس الفلکیه و على النفس النباتیه فإنما یقع بالاشتراک‏ «۲»، و أن هذا الحد إنما هو للنفس الموجوده للمرکبات، و إنه إذا احتیل حتى تشترک الحیوانات‏ «۳» و الفلک فى معنى اسم النفس، خرج‏

______________________________
(۱)- و فى تعلیقه: بل فى غیر الفلک الاطلس.

(۲)- اى اللفظى.

(۳)- و فى تعلیقه نسخه: و انما خصّها بالذکر لوجود الحد المشترک بین النفس الفلکیه و الحیوانیه و هو مبدأ فعل ما بالقصد و النبات لا قصد له.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۲۴

معنى النبات من تلک الجمله. على أن هذه الحیله صعبه، و ذلک لأن الحیوانات و الفلک لا تشترک فى معنى اسم الحیاه و لا فى معنى اسم النطق أیضا لأن النطق الذى هاهنا یقع على وجود نفس لها العقلان الهیولانیان‏ «۱»، و لیس هذا مما یصح هناک على ما یرى. فإن العقل هناک عقل بالفعل، و العقل بالفعل غیر مقوم للنفس الکائنه جزء حد للناطق‏ «۲».

و کذلک الحس هاهنا یقع على القوه التى تدرک بها المحسوسات على سبیل قبول أمثلتها و الانفعال منها، و لیس هذا أیضا مما یصح هناک على ما یرى.

ثم إن اجتهد فجعل النفس کمالا أول لما هو متحرک بالإراده و مدرک من الأجسام حتى تدخل فیه الحیوانات و النفس الفلکیه، خرج النبات من تلک الجمله. و هذا هو القول المحصل.

و أما أمر الحیاه و النفس فحل الشک فى ذلک على ما نقول له: إنه قد صح أن الأجسام یجب أن یکون فیها مبدأ للأحوال المعلومه المنسوبه إلى الحیاه بالفعل. فإن سمّى مسمّ هذا المبدأ حیاه لم تکن معه مناقشه.

و أما المفهوم عند الجمهور من لفظه الحیاه المقوله على الحیوان فهو أمران: أحدهما کون النوع موجودا فیه مبدأ تصدر تلک الأحوال عنه، أو کون الجسم بحیث یصح صدور تلک الأفعال عنه. فأما الأول فمعلوم أنه لیس معنى النفس بوجه من الوجوه‏ «۳». و أما الثانى فیدل على معنى أیضا

______________________________
(۱)- اى العقل الهیولانى و العقل بالملکه.

(۲)- و فى تعلیقه نسخه: یعنى ان النفس التى هى جزء من حد الناطق فى قولنا الناطق نفس ذات نطق لیس مقوّمها العقل بالفعل بل القدر المشترک بینه و بین العقل بالقوه و الا لم یکن الانسان ناطقا فى مرتبه العقل الهیولانى.

(۳)- و فى تعلیقه نسخه: لانه لیس المفهوم من کون الجسم ذا مبدأ هو المفهوم من ذلک المبدأ.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۲۵

غیر معنى النفس.

و ذلک لأن کون الشى‏ء بحیث یصح أن یصدر عنه شى‏ء أو یوصف بصفه یکون على وجهین: أحدهما أن یکون فى الوجود شى‏ء غیر ذلک الکون نفسه یصدر عنه ما یصدر مثل کون السفینه، بحیث تصدر عنه المنافع السفینیه. و ذلک مما یحتاج إلى الربان حتى یکون هذا الکون، و الربان و هذا الکون لیس شیئا واحدا بالموضوع. و الثانى أن لا یکون شى‏ء غیر هذا الکون فى الموضوع مثل کون الجسم بحیث یصدر عنه الإحراق عند من یجعل نفس هذا الکون الحراره، حتى یکون وجود الحراره فى الحسم هو وجود هذا الکون، و کذلک وجود النفس وجود هذا الکون‏ «۱» على ظاهر الأمر.

إلا أن ذلک فى النفس لا یستقیم، فلیس المفهوم من هذا الکون و من النفس شیئا واحدا، و کیف لا یکون کذلک و المفهوم من الکون الموصوف لا یمنع أن یسبقه بالذات کمال و مبدأ، ثم للجسم هذا الکون. و المفهوم من الکمال الأول الذى رسمناه یمنع أن یسبقه بالذات کمال آخر، لأن الکمال الأول لیس له مبدأ و کمال أول فلیس إذن المفهوم من الحیاه و النفس واحدا إذا عنینا بالحیاه ما یفهم الجمهور و إن عنینا بالحیاه أن تکون لفظه مرادفه للنفس فى الدلاله على الکمال الأول لم نناقش، و تکون الحیاه اسما لما کنا وراء إثباته من هذا الکمال الأول.

فقد عرفنا الآن معنى الاسم الذى یقع على الشى‏ء الذى سمى نفسا بإضافه له.

______________________________
(۱)- و فى تعلیقه: اى کون الجسم بحیث یصدر عنه تلک الافعال‏

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۲۶

فبالحرى أن نشتغل بإدراک ماهیه هذا الشى‏ء الذى صار بالاعتبار المقول نفسا «۱».

و یجب أن نشیر فى هذا الموضع إلى إثبات وجود النفس التى لنا إثباتا على سبیل التنبیه و التذکیر إشاره شدیده الموقع عند من له قوه على ملاحظه الحق نفسه من غیر احتیاج إلى تثقیفه‏ «۲» و قرع‏ «۳» عصاه و صرفه عن المغلطات.

فنقول: یجب أن یتوهم الواحد منا کأنه خلق دفعه و خلق کاملا «۴»، لکنه حجب بصره عن مشاهده الخارجات، و خلق یهوى‏ «۵» فى هواء أو خلاء هویّا لا یصدمه فیه قوام الهواء صدما مّا یحوج إلى أن یحسّس، و فرّق بین أعضائه‏ «۶» فلم تتلاق و لم تتماس، ثم یتأمل أنه هل یثبت وجود ذاته و لا یشک فى إثباته لذاته موجودا و لا یثبت مع ذلک طرفا من أعضائه و لا باطنا من أحشائه و لا قلبا و لا دماغا و لا شیئا من الأشیاء من خارج.

______________________________
(۱)- و فى تعلیقه. اى باعتبار اضافته الى البدن یقال له نفس.

(۲)- ثقف ککرم و فرح: صار حاذقا.

(۳)- قال الجوهرى فى الصحاح: «و قولهم: «ان العصا قرعت لذى الحلم»، اى انّ الحلیم اذا نبّه انتبه و اصله انّ حکما من حکام العرب عاش حتى اهتر- اى صار خرفا- فقال لا بنته اذا انکرت من فهمى شیئا عند الحکم فاقرعى لى المجّن بالعصا لارتدع» الصحاح ج ۴ ص ۱۲۶۱ ماده «قرع». و فى القاموس: «لما طعن عامر فى السنّ او بلغ ثلاثمأه سنه انکر من عقله شیئا فقال لبنیه اذا رأیتمونى خرجت من کلامى و اخذت فى غیره فاقرعوا لى المجّن بالعصاء» القاموس المحیط ج ۳ ص ۶۶ ماده «قرع».

(۴)- سیأتى هذا الدلیل فى الفصل السابع من المقاله الخامسه من هذا الفن السادس.

(۵)- اى یسقط فى الهواء کانّه معلق فیه.

(۶)- و فى تعلیقه: اى یکون منفرجه الاعضاء بحیث لا تتلامس اعضائه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۲۷

فإن قیل: انّ، المشعور به هو المزاج.

فالجواب: انّ المزاج لا یدرک الا بالانفعال و المنفعل عنه غیر المنفعل‏ «۱»، بل کان یثبت ذاته و لا یثبت لها طولا و لا عرضا و لا عمقا، و لو أنه أمکنه فى تلک الحاله أن یتخیل یدا أو عضوا آخر لم یتخیله جزءا من ذاته و لا شرطا فى ذاته، و أنت تعلم أن المثبت غیر الذى لم یثبت و المقرّ به غیر الذى لم یقرّبه، فإذن للذات التى اثبت وجودها خاصیه لها على أنها هو بعینه غیر جسمه و أعضائه التى لم تثبت، فإذن المتنبّه له سبیل إلى أن یتنبه على وجود النفس بکونه شیئا غیر الجسم بل غیر جسم، و أنه عارف به مستشعر له، فإن کان ذاهلا عنه یحتاج إلى أن یقرع عصاه.

______________________________
(۱)- هذه الزیاده- من قوله: «فان قیل» … إلى قوله: «غیر المنفعل»- توجد فى نسختین من الشفاء مخطوطتین عندنا. و الشیخ یقول فى آخر الفصل الآتى: «و اما الذین جعلوا النفس مزاجا فقد علم مما سلف بطلان هذا القول». و لم یسلف بطلانه الّا فى هذا الموضع من هذه الزیاده.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۲۸

الفصل الثانى فى ذکر ما قاله القدماء فى النفس وجوهرها و نقضه‏

فنقول: قد اختلف الأوائل فى ذلک لأنهم اختلفوا فى المسالک إلیه، فمنهم من سلک إلى علم النفس من جهه الحرکه، و منهم من سلک إلیه من جهه الإدراک، و منهم من جمع بین المسلکین، و منهم من سلک طریق الحیاه غیر مفصله «۱».

فمن سلک منهم جهه الحرکه، فقد کان تخیل عنده أن التحریک لا یصدر إلا عن محرک، و أن المحرک الأول یکون لا محاله متحرکا بذاته‏ «۲»، و کانت النفس محرکه أولیه، إلیها یتراقى التحریک من الأعضاء و العضل و الأعصاب، فجعل النفس متحرکه لذاتها، و جعلها لذلک جوهرا غیر مائت، معتقدا أن ما یتحرک لذاته لا یجوز أن یموت. قال: و لذلک ما، کانت الأجسام السماویه لیست تفسد و السبب فیه دوام حرکتها.

فمنهم من منع أن تکون النفس جسما فجعلها جوهرا غیر جسم متحرکا لذاته و منهم من جعلها جسما و طلب الجسم المتحرک بذاته.

______________________________
(۱)- اى ملخّصه.

(۲)- فى تعلیقه نسخه: لانه ظن ان المحرک یجوز ان یتحرک و ان لم یتحرک لا یجوز ان یحرک.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۲۹

فمنهم من جعل ما کان من الأجرام‏ «۱» التى لا تتجزأ کرّیا لیسهل دوام حرکته، و زعم أن الحیوان یستنشق ذلک بالتنفس، و أن التنفس غذاء للنفس، و أن النفس تستبقى به النفس بإدخال بدل ما یخرج من ذلک الجنس من الهباء التى هى الأجرام التى لا تتجزأ التى هى المبادئ و أنها متحرکه بذاتها، کما یرى من حرکه الهباء دائما فى الجو، فلذلک صلحت لأن تحرّک غیرها.

و منهم من قال: إنها لیست هى النفس، بل إن محرکها هو النفس و هى فیها، و تدخل البدن بدخولها.

و منهم من جعل النفس نارا و رأى أن النار دائمه الحرکه.

و أما من سلک طریق الإدراک:

فمنهم من رأى أن الشى‏ء إنما یدرک ما سواه لأنه متقدم علیه و مبدأ له‏ «۲»، فوجب أن تکون النفس‏ «۳» مبدأ، فجعلها من الجنس الذى کان یراه المبدأ: إما نارا، أو هواء، أو أرضا، أو ماء. و مال بعضهم إلى القول بالماء لشده رطوبه النطفه التى هى مبدأ التکون و بعضهم جعلها جسما بخاریا، إذ کان یرى أن البخار مبدأ الأشیاء على حسب المذاهب التى عرفتها «۴»، و کل هؤلاء کان یقول: إن النفس إنما تعرف الأشیاء کلها لأنها من جوهر المبدأ لجمیعها. و کذلک من رأى أن المبادئ هى الأعداد، فإنه‏

______________________________
(۱)- اى الاجزاء الصغار الصلبه.

(۲)- اى عله له.

(۳)- لکونها مدرکه.

(۴)- الفصل الثانى من الفن الثالث من هذا الکتاب ص ۱۸۸ من الطبعه الحجریه فى اقتصاص المذاهب. و الثالث منه ص ۱۹۱ فى نقضها و البحث عن مذهب البخار فى ص ۱۸۹ و نقضه فى ص ۱۹۲ فراجع.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۳۰

جعل النفس عددا.

و منهم من رأى أن الشى‏ء إنما یدرک ما هو شبیهه و أن المدرک بالفعل شبیه المدرک بالفعل فجعل النفس مرکبه «۱» من الأشیاء التى یراها عناصر «۲»، و هذا هو قول انباذقلس، فإنه قد جعل النفس مرکبه من العناصر الاربعه و من الغلبه و المحبه «۳»، و قال: إنما تدرک النفس کل شى‏ء شبهه فیها.

و أما الذین جمعوا الأمرین فکالذین قالوا: إن النفس عدد متحرک لذاته، فهى عدد لأنها مدرکه «۴» و هى متحرکه لذاتها، لأنها محرکه أولیه.

و أما الذین اعتبروا أمر الحیاه «۵» غیر ملخص:

______________________________
(۱)- لان مدرکات النفس مرکبه منها

(۲)- فى تعلیقه نسخه: اى یعتقدها اصولا للکون و البقاء فى العالم فیشمل الغلبه و المحبه فالکون منوط بالعناصر الاربعه و البقاء و بدفع المنافر و جذب الملائم و هما منوطان بالغلبه و المحبه فتدبّر.

(۳)- قوله: من الغلبه و المحبه، المحبه بمعنى الباعثه للترکیب. و الغلبه بمعنى الحافظه للترکیب کما فى تعلیقه مخطوطه من الأسفار (ج ۴ ص ۵۹) عندنا. و قال المتأله السبزوارى فى تعلیقته على الاسفار فى المقام ما هذا لفظه: أى یتخذها أصولا للکون و البقاء فى العالم فیشمل الغلبه و المحبه فالکون منوط بالعناصر الاربعه و البقاء بدفع المنافر و جذب الملائم و هما منوطان بالغلبه و المحبه. و قد مضى الکلام فى المحبه و الغلبه فى الفصل الخامس من الفن الثالث ص ۱۹۸.

و فى تعلیقه نسخه: من الغلبه و المحبه اى من الغضب و الشهوه کذا قال المحقق اللاهیجى.

(۴)- و فى تعلیقه نسخه: أى النفس مدرکه و کل مدرک یجب أن یکون مبدأ لمدرکه و المبدأ هو العدد، فیجب أن یکون النفس عددا.

(۵)- و فى تعلیقه نسخه: اى هولاء لما وصلوا الى معرفه النفس من مسلک الحیاه فجعلوها من سنخ الحیاه و مقوماتها و لوازمها و معداتها و ممداتها.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۳۱

فمنهم من قال: إن النفس حراره غریزیه لأن الحیاه بها.

و منهم من قال بل بروده و أن النّفس مشتقه من النّفس و النّفس هو الشى‏ء المبرد و لهذا ما، یتبرد بالاستنشاق لیحفظ جوهر النفس.

و منهم من قال بل النفس هو الدم؛ لأنه إذا سفح الدم بطلت الحیاه.

و منهم من قال بل النفس مزاج لأن المزاج ما دام ثابتا لم تتغیر صحه الحیاه.

و منهم من قال بل النفس تألیف و نسبه بین العناصر و ذلک لأنا نعلم أن تألیفا مّا یحتاج إلیه حتّى یکوّن من العناصر حیوان، و لأن النفس تألیف فلذلک تمیل إلى المؤلفات من النغم و الاراییح و الطعوم و تلتذبها.

و من الناس من ظن أن النفس هو الإله- تعالى عما یقوله الملحدون- و أنه یکون فى کل شى‏ء بحسبه فیکون فى شى‏ء طبعا و فى شى‏ء نفسا و فى شى‏ء عقلا سبحانه و تعالى عما یشرکون.

فهذه هى المذاهب المنسوبه إلى القدماء الأقدمین فى أمر النفس‏ «۱»، و کلها باطله.

فأما الذین تعلقوا بالحرکه فأول ما یلزمهم من المحال أنهم نسوا

______________________________
(۱)- قال صدر المتألهین فى الاسفار- بعد نقل هذه الاقول-: «اقول: نقض ظواهر هذه الاقوال و ابطالها فى غایه السهوله بعد ان ثبت ان النفس جوهر مفارق الذات عن الاجسام، و کل من له ادنى بضاعه فى الحکمه یعلم ان النفس جوهر شریف لیس من نوع الاجسام الدنیه کالنار و الهواء و الماء و الارض و لا من باب النسب و التألیفات. کیف یذهب على الحکماء السابقین کانباذقلس و غیره أن یجهلوا ما یعلمه من له أدنى معرفه فى علم النفس و أحوالها فان التأویل و التعدیل لکلامهم أولى من النقض و الجرح».

فشرع فى التأویل و من أراد الإطلاع على التأویلات فلیرجع الى الاسفار ج ۴ ص ۵۹ ط ۱ ج ۸ ص ۲۴۴ ط ۲.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۳۲

السکون‏ «۱»، فإن کانت النفس تحرّک بأن تتحرّک فکان لا محاله تحرّکها عله للتحریک، فلم یخل تسکینها إما أن یصدر عنها و هى متحرکه بحالها فتکون نسبه تحرکها بذاتها إلى التسکین و التحریک واحده. فلم یمکن أن یقال: إنها تحرک بأن تتحرک‏ «۲»، و قد فرضوا ذلک. أو یصدر عنها و قد سکنت، فلا تکون متحرکه بذاتها.

و أیضا فقد عرفت مما سلف أنه لا متحرک إلا من محرک و أنه لیس شى‏ء متحرکا من ذاته فلا تکون النفس شیئا متحرکا من ذاته.

و ایضا فإن هذه الحرکه لا یخلو إما أن تکون مکانیه أو کمیه أو کیفیه أو غیر ذلک‏ «۳». فإن کانت مکانیه فلا یخلو إما أن تکون طبیعیه أو قسریه أو نفسانیه، فإن کانت طبیعیه فتکون إلى جهه واحده لا محاله، فیکون تحریک النفس إلى جهه واحده فقط. و إن کانت قسریه فلا تکون متحرکه بذاتها، و لا یکون أیضا تحریکها بذاتها، بل الأولى أن یکون القاسر هو المبدأ الأول و أن یکون هو النفس. و إن کانت نفسانیه فالنفس قبل النفس‏ «۴» و تکون لا محاله بإراده فتکون إما

______________________________
(۱)- قوله: انهم نسوا السکون، هکذا فى جمیع النسخ المخطوطه عندنا و بعضها مصحّحه بالعرض و المقابله و القرائه غایه الاتقان. و نسوا من: «ن- س- ى» ناقص یائى. إلا أن صدر المتألهین نقل عباره الشیخ فى الاسفار (ج ۴ ص ۶۲ ط ۱- ص ۲۵۵ ج ۸ ط ۲) هکذا: «انهم نسبوا السکون الى النفس» بالباء و زیاده «الى النفس»، و نسخ الاسفار التى عندنا متفقه ایضا فى ذلک. و الظاهر بل المتیقن انّ عباره الاسفار محرّفه فتدبر.

(۲)- و فى تعلیقه نسخه: فکونها عله للحرکه لا یکون عله لکونها متحرکه، و یصلح ان یقال ان النفس تسکن فیجب ان تکون ساکنه.

(۳)- اى وضعیه.

(۴)- لانّ المحرک قبل المتحرک.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۳۳

واحده لا تختلف، فیکون تحریکها على تلک الجهه الواحده، أو تکون مختلفه فتکون بینها کما علمت سکونات لا محاله، فلا تکون متحرکه لذاتها.

و أما الحرکه من جهه الکم فأبعد شى‏ء من النفس، ثم لا یکون شى‏ء متحرکا من جهه الکم بذاته، بل لدخول‏ «۱» داخل علیه أو استحاله فى ذاته.

و أما الحرکه على سبیل الاستحاله فإما أن تکون حرکه فى کونها نفسا «۲» فتکون النفس إذا حرکت لا تکون نفسا، و إما حرکه فى عرض من الأعراض لا فى کونها نفسا، فأول ذلک أن لا یکون تحرکها، من نحو تحریکها، بل تکون ساکنه فى المکان حین تتحرّک فى المکان. و الثانى أن الاستحاله فى الأعراض غایتها حصول ذلک العرض، و إذا حصل فقد وقفت الاستحاله.

و أیضا فقد تبین لک أن النفس لا ینبغى أن تکون جسما و المحرک الذى‏

______________________________
(۱)- فان کان بدخول الداخل فهى الحرکه الاغتذائیه او السّمن و ان کان بالاستحاله فهى الحرکه التخلخلیه او التکاثفیه و ان کان بخروج شى‏ء فهى الذبولیه و الهزالیه.

(۲)- اقول: العباره منقوله فى الاسفار (ص ۶۳ من ج ۴ ط ۱- ص ۲۵۶ ج ۸ ط ۲) هکذا:

«عن کونها نفسا»- اى جائت کلمه عن مکان فى- و نسخ الاسفار من المخطوطات و المطبوعات المصحّحه جدّا عندنا کلها متفقه فى ذلک و اما نسخ الشفاء التى عندنا فهى مطبقه على فى. و بعضها مصحح غایه التصحیح بالقرائه و المقابله و الإجازه. کما ان بعض نسخ اسفارنا ایضا کذلک. الا ان واحده من نسخه الشفاء جعلت کلمه عن اصلا و فى فوقها کلمه فى نسخه بدلا عنها. و عباره الکتاب على کلمه عن ظاهره المعنى و لا غبار علیها. و اما معناها على کلمه فى فهو ان النفس اذا حرکت فى کونها نفسا الخ فمعناه انها لم تکن قبل الحرکه نفسا. و ان لم تخل عن تکلف فتبصر.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۳۴

یحرک فى المکان بأن یتحرک نحو ما یحرک فهو جسم لا محاله فلو کان للنفس الحرکه و الانتقال لکان یجوز أن تفارق بدنا ثم تعود إلیه. و هؤلاء یجعلون مثل النفس مثل زیبق یجعل فى بعض الأجسام، فإذا ترجرج تحرک ذلک الجسم و یدفعون أن تکون الحرکه حرکه اختیاریه.

و أیضا فقد علمت أن القول بالهباء «۱» هذر باطل، و علمت أیضا أن القول بوحده المبدأ الأسطقسى جزاف.

ثم من المحال ما قالوه من أن الشى‏ء یجب أن یکون مبدأ حتى یعلم ماوراءه، فإنا نعلم و ندرک بأنفسنا أشیاء لسنا بمبادئ لها.

و أما إثبات ذلک من طریق من ظن أن المبدأ أحد الأسطقسات، فهو أنا نعلم أشیاء لیست الأسطقسات بوجه من الوجوه مبدأ لها، و لا هى مبدأ للأسطقسات و هو أن کل شى‏ء إما أن یکون حاصلا فى الوجود و إما أن لا یکون، و أن الأشیاء المساویه لشى‏ء واحد متساویه. فهذه الأشیاء لا یجوز أن یقال: إن النار و الماء و غیر ذلک مبادئ لها فنعلمها بها، و لا بالعکس.

و أیضا إما أن تکون معرفه النفس بما هى مبدأ له إنما تتناول عین ذلک المبدأ، أو تتناول الأشیاء التى تحدث عن المبدأ و لیست هى المبدأ، أو تکون بکلیهما. فإن کانت إنما تتناول ذلک المبدأ أو تتناول کلیهما، و کان العالم بالشى‏ء یجب أن یکون مبدأ له فتکون النفس أیضا مبدأ للمبدأ و ایضا مبدأ لذاتها، لأنها تعلم ذاتها، و إن کانت لیس تعلم المبدأ، و لکن تعلم‏

______________________________
(۱)- بالهباءات باطل کما فى اکثر النسخ، بالهباءات هذر باطل بالذال المعجمه کما فى بعضها. و الهباء: الأجزاء التى لا تتجزّأ.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۳۵

الأحوال و التغیرات التى تلحقه. فمن الذى یحکم‏ «۱» بأن الماء و النار أو أحد هذه مبدأ.

و أما الذین جعلوا الإدراک بالعددیه فقالوا لأن المبدأ لکل شى‏ء عدد، بل قالوا ماهیه کل شى‏ء عدد، وحدّه عدد، و هؤلاء و إن کنا قد دللنا على بطلان رأیهم فى المبدأ فى موضع أخر، و سندلّ فى صناعه الفلسفه الأولى‏ «۲» أیضا على استحاله رأیهم هذا و ما أشبهه، فإن مذهبهم هاهنا نزیّفه من حیث النظر الخاص بالنفس، و ذلک بأن ننظر و نتأمل هل النفس إنما تکون نفسا بأنها عدد معین کأربعه أو خمسه، أو بأنها مثلا زوج أو فرد أو شى‏ء أعم من عدد معین.

فإن کانت النفس إنما هى ما هى بأنها عدد معین، فما یقولون فى الحیوان المخرز «۳» الذى إذا قطع تحرک کل جزء منه و أحسّ، و إذا أحسّ فلا محاله هناک تخیل مّا «۴»، و کذلک کل جزء منه یأخذ فى الهرب إلى جهه و تلک الحرکه من تخیل ما لا محاله. و معلوم أن الجزءین یتحرکان عن قوتین فیهما، و أن کل واحد منهما أقل من العدد الذى کان فى الجمله، و إنما کان النفس عندهم العدد الذى فى الجمله لا غیر، فیکون هذان الجزءان یتحرکان لا عن نفس و هذا محال، بل فى کل واحد منهما نفس من نوع نفس الآخر، فنفس مثل هذا الحیوان واحده بالفعل، متکثره

______________________________
(۱)- کما فى جمیع النسخ التى عندنا. و ذلک لأن الحکم فرع ادراک الطرفین فاذا لم یدرک احدهما فکیف یحکم على شی‏ء بشی‏ء.

(۲)- ج ۲ ص ۷۰- ط ۱.

(۳)- المخرز کمعظّم: کل طائر على جناحیه نمنمه أى نقش.

(۴)- اى فاعل بالقصد، اذ لیس عن طبع و الّا لما اختلفت، و لا عن قسر لعدم القاسر فهو عن التخیل و القصد.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۳۶

بالقوه تکثرا إلى النفوس.

و إنما تفسد فى الحیوان المخرز نفساه‏ «۱» و لا تفسد فى النبات، لأن النبات قد شاعت فیه الآله الأولیه لاستبقاء فعل النفس و لا کذلک فى الحیوان المخرز، بل بعض بدن الحیوان المخرز لا مبدأ فیه لاستبقاء المزاج الملائم للنفس. و فى بعضه الآخر ذلک المبدأ، و لکنه یحتاج فى استبقائه ذلک إلى صحبه من القسم الآخر، فیکون بدنه متعلق الأجزاء بعضها ببعض فى التعاون على حفظ المزاج.

فإن لم تکن النفس عددا بعینه، بل کانت عددا له کیفیه مّا و صوره فیشبه أن تکون فى بدن واحد نفوس کثیره. فإنک تعلم أن فى کثیر من الأزواج أزواجا و فى کثیر من الأفراد أفرادا، و فى کثیر من المربعات مربعات، و کذلک سائر الاعتبارات.

و أیضا فإن الوحدات المجتمعه فى العدد إما أن یکون لها وضع‏ «۲»، أو لا یکون لها وضع، فإن کان لها وضع فهى نقط، و إن کانت نقطا فإما أن تکون نفسا لأنها عده «۳» تلک النقط أو لا تکون کذلک، بل لأنها قوه أو کیفیه أو غیر ذلک. لکنهم جعلوا الطبیعه النفسیه مجرد عددیه، فیکون العدد الموجود للنقط طبیعه النفس، فیکون کل جسم إذا فرض فیه ذلک العدد من النقط ذا نفس، فکل جسم لک أن تفرض فیه کم نقطه شئت، فیکون کل جسم من شأنه أن یصیر ذا نفس لفرض النقط فیه.

______________________________
(۱)- بعد مهله و فى بعضها بلا مهله فان بعض الحیوان یموت بلا مهله بعد الجزو القطع و فى بعضها یبقى قلیلا ثم یموت.

(۲)- فى تعلیقه نسخه: اى قابل للاشاره الحسیه.

(۳)- عدد، نسخه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۳۷

و إن کانت عددا لا وضع له، و إنما هى‏ «۱» آحاد متفرقه، فبماذا تفرقت‏ «۲» و لیس لها مواد مختلفه و لا قرن بها صفات اخر و فصول أخرى و إنما تتکثر الأشیاء المتشابهه فى المواد المختلفه. فإن کان لها مواد مختلفه فهى ذوات وضع و لها أبدان شتى.

ثم فى الحالین‏ «۳» جمیعا کیف ارتبطت هذه الوحدات أو النقط معا، لأنه إن کان ارتباطها بعضها ببعض و التئامها للطبیعه الوحدیه و النقطیه، فیجب أن تکون الوحدات و النقطات مهروله إلى الاجتماع من أى موضع کانت، و إن کان لجامع فیها جمع واحده منها إلى الأخرى و ضامّ ضمّ بعضها إلى بعض حتى ارتبطت و هو یحفظها مرتبطه، فذلک الشى‏ء أولى أن یکون نفسا.

و أما الذین قالوا إن النفس مرکبه من المبادئ حتى یصح أن تعرف المبادئ و غیر المبادئ بما فیها منها، و إنه انّما یعرف کل شى‏ء بشبهه فیه، فقد یلزمهم أن تکون النفس لا تعرف الأشیاء التى تحدث عن المبادئ مخالفه لطبیعتها. فإن الاجتماع قد یحدث هیئات فى المبادئ و صورا لا توجد فیها مثل العظمیه و اللحمیه و الإنسانیه و الفرسیه و غیر ذلک، فیجب أن تکون هذه الأشیاء مجهوله للنفس، إذ لیس فیها هذه الأشیاء، بل إنما فیها أجزاء المبادئ فقط، فإن جعل فى تألیف النفس إنسانا و فرسا و فیلا، کما فیه نار و أرض و غلبه و محبه، و قال إن فیها هذه الأشیاء، فقد ارتکب العظیم.

______________________________
(۱) و (۲)- اى النفس.

(۳)- فى تعلیقه نسخه: اى الوضع و عدم الوضع.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۳۸

ثم إن کان فى النفس إنسان، ففى النفس نفس، ففیه مره أخرى إنسان و فیل، و یذهب ذلک إلى غیر النهایه «۱». و قد یشنّع علیه من جهه أخرى هى أنه یجب على هذا الوضع أن یکون الله تعالى إما غیر عالم بالأشیاء و إما مرکبا من الأشیاء، و کلاهما کفر، و مع ذلک یجب أن یکون غیر عالم بالغلبه، لأنه لا غلبه فیه. فإن الغلبه توجب التفریق و الفساد فیما تکون فیه، فیکون الله تعالى غیر تام العلم بالمبادئ، و هذا شنیع و کفر.

ثم یلزم من هذا أن تکون الأرض أیضا عالمه بالأرض؛ و الماء بالماء، و أن تکون الأرض لا تعلم الماء، و الماء لا یعلم الأرض، و یکون الحار عالما بالحار غیر عالم بالبارد.

و یجب أن تکون الأعضاء التى فیها أرضیه کثیره شدیده الإحساس بالأرض و لیست هى کذلک، بل هى غیر حساسه لا بالأرض و لا بغیرها، و ذلک کالظفر و العظم. و لأن ینفعل الشى‏ء و یتأثر عن ضده، أولى من أن یتأثر عن شکله‏ «۲». و أنت تعلم أن الإحساس تأثر مّا و انفعال مّا و «۳» یجب أن لا تکون هاهنا قوه واحده تدرک الأضداد فیکون السواد و البیاض لیس یدرکان بحاسه واحده، بل یدرک البیاض بجزء من البصر هو أبیض، و السواد بجزء منه هو أسود، و لأن الألوان لها ترکیبات بلانهایه، فیجب‏

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: قوله: «و یذهب الى غیر النهایه» لان المفروض انّ فى نفس الانسانى یکون جمیع الاشیاء، ففى النفس یکون على هذا الفرض الانسان و للانسان الحاصل فى النفس ایضا نفس و فى هذه النفس ایضا انسان و له نفس و فى هذه النفس الثالثه ایضا جمیع الاشیاء و من الأشیاء الانسان فیحصل نفس رابعه و هکذا الى غیر النهایه.

(۲)- أى عن مشاکله.

(۳)- الواو حالیه، اى و الحال یجب أن لا تکون على هذا الوضع هاهنا قوّه ….

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۳۹

أن یکون قد أعدّ للبصر أجزاء بلانهایه مختلفه الألوان.

و إن کان لا حقیقه للوسائط، و ما هو إلا مزج الضدین بزیاده و نقصان من غیر اختلاف آخر، فیجب أن یکون مدرک البیاض یدرک البیاض صرفا، و مدرک السواد یدرک السواد صرفا، إذ لا یمکن أن یدرک غیره، فیجب أن لا تشکل علینا بسائط الممتزج و لا تتخیل إلینا الوسائط التى لا یظهر فیها بیاض و سواد بالفعل.

و کذلک یجب أن یدرک المثلث بالمثلث، و المربّع بالمربّع، و المدوّر بالمدوّر، و الأشکال الأخرى التى لا نهایه لها، و الأعداد أیضا بأمثالها، فتکون فى الحاسّه أشکال بلا نهایه، و هذا کله محال. و أنت تعلم أن الشى‏ء الواحد یکفى فى أن یکون عیارا للأضداد تعرف به، کالمسطره المستقیمه یعرف بها المستقیم و المنحنى جمیعا، و أنه لا یجب أن یعلم کل شى‏ء بشى‏ء خاص.

و أما الذین جعلوا النفس جسما یتحرک بحرکته المستدیره التى تتحرک على الأشیاء لتدرک بها الأشیاء، فسنوضح بعد فساد قولهم حین یتبیّن أن الإدراک العقلى لا یجوز أن یکون بجسم.

و أما الذین جعلوا النفس مزاجا فقد علم مما سلف بطلان هذا القول‏ «۱» و على أنه لیس کل ما یفسد بفساده الحیاه یکون نفسا، فإن کثیرا من الأشیاء و الأعضاء و الأخلاط و غیر ذلک بهذه الصفه. و لیس بمنکر أن یکون شى‏ء «۲» لا بد منه حتى تکون للنفس علاقه بالبدن، و لا یوجب ذلک‏

______________________________
(۱)- فقد علم فى آخر الفصل الاول ص ۲۷ من قوله: فان قیل المشعور به هو المزاج الخ.

(۲)- اى المزاج فى ما نحن فیه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۴۰

أن یکون ذلک الشى‏ء نفسا.

و بهذا یعلم خطأ من ظن أن النفس دم، فکیف یکون الدم محرّکا و حسّاسا.

و الذى قال: إن النفس تألیف فقد جعل النفس نسبه معقوله بین الأشیاء، و کیف تکون النسبه بین الأضداد محرکا و مدرکا و التألیف یحتاج إلى مؤلف لا محاله، فذلک المؤلف أولى أن یکون هو النفس.

و هو الذى إذا فارق وجب انتقاض التألیف. ثم سیتضح فى خلال ما نعرفه من أمر النفس بطلان جمیع هذه الأقاویل بوجوه أخرى. فیجب الآن أن نکون نحن وراء طلب طبیعه النفس. و قد قیل فى مناقضه هذه الآراء أقاویل لیست بالواجبه و لا اللازمه و إنما ترکناها لذلک.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۴۱

الفصل الثالث فى أنّ النفس داخله فى مقوله الجوهر

فنقول نحن إنک تعرف مما تقدم لک أن النفس لیست بجسم، فإن ثبت لک أن نفسا مّا یصح لها الانفراد بقوام ذاتها، لم یقع لک شک فى أنها جوهر «۱» و هذا إنما یثبت لک فى بعض ما یقال له نفس. و أما غیره مثل النفس النباتیه و النفس الحیوانیه، فإن ذلک لا یثبت لک فیه.

لکن الماده «۲» القریبه لوجود هذه الأنفس‏ «۳» فیها إنما هى ما هى بمزاج خاص و هیئه خاصه، و إنما تبقى بذلک المزاج الخاص بالفعل موجودا مادام فیها النفس. و النفس هى التى تجعلها بذلک المزاج، فإن النفس هى لا محاله عله لتکوّن النبات و الحیوان على المزاج الذى لهما إذ کانت النفس هى مبدأ التولید و التربیه کما قلنا: فیکون الموضوع القریب للنفس مستحیلا أن یکون هو ما هو بالفعل إلا بالنفس، و تکون النفس عله لکونه کذلک.

______________________________
(۱)- فى انها جوهره، نسخه.

(۲)- هذا بیان الاستدلال على کون النفوس الحیوانیه و النباتیه جوهرا لا عرضا.

(۳)- اى الانفس التى لا تثبت لک انها جوهر کالنباتیه و الحیوانیه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۴۲

و لا یجوز أن یقال: إن الموضوع‏ «۱» القریب حصل على طباعه موجودا لسبب غیر النفس، ثم لحقته النفس لحوق ما لا قسط له بعد ذلک فى حفظه و تقویمه و تربیته، کالحال فى أعراض یتّبع وجودها وجود الموضوع لها اتباعا ضروریا، و لا تکون مقومه لموضوعها بالفعل. و أما النفس فإنها مقومه لموضوعها القریب موجده إیاه بالفعل، کما تعلم الحال فى هذا إذا تکلّمنا فى الحیوان.

و أمّا الموضوع البعید «۲» فبینه و بین النفس صور أخرى تقومه. و إذا فارقت النفس وجب ضروره أن یکون فراقها یحدث لغالب‏ «۳». صیّر الموضوع لحاله أخرى‏ «۴»، و أحدث فیه صوره جمادیه، کالمقابله للصوره المزاجیه الموافقه للنفس و لتلک الصور «۵». فالماده التى للنفس لا تبقى بعد النفس على نوعها ألبته، بل إما أن یبطل نوعها وجوهرها الذى به کان موضوعا للنفس، أو تخلف النفس فیها صوره تستبقى الماده بالفعل على طبیعتها، فلا یکون ذلک الجسم الطبیعى کما کان، بل تکوّن له صوره و أعراض أخرى، و یکون أیضا قد تبدّل بعض أجزائها و فارق مع تغیر الکل‏

______________________________
(۱)- اى البدن.

(۲)- فى تعلیقه نسخه: کما لماده المنى.

(۳)- کنایه عن جسم مباین للنفس و فى مجمع البحرین ج ۲ ص ۱۳۴ ماده «غلب»: «الغلب الغلاظ یقال شجره غلبا اى غلیظه».

(۴)- فراقها یحدث بغالب صیر الموضوع بحاله اخرى. کما فى نسخه مصحّحه مقروه عندنا. یعنى ان یحدث من الاحداث و کلمه صیر فى «صیر الموضوع» منصوب على المفعولیه لقوله «یحدث». فهى مصدر لا فعل. اى یحدث ذلک الفراق بغالب کمرض او ضربه او قطع صیر الموضوع بحاله اخرى اى صیروره الموضوع بحاله اخرى و سیاق العباره و المطلب یصدّق هذه القرائه.

(۵)- فى تعلیقه نسخه: اى الصور التى بین الموضوع البعید و بین النفس.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۴۳

فى الجوهر، فلا تکون هناک ماده محفوظه الذات بعد مفارقه النفس هى کانت موضوعه للنفس، و الآن هى موضوعه لغیرها. فإذن لیس وجود النفس فى الجسم کوجود العرض فى الموضوع. فالنفس إذن جوهر لأنها صوره لا فى موضوع.

لکن لقائل أن یقول: لنسلم أن النفس النباتیه هذه صورتها، فإنها عله لقوام مادتها القریبه؛ و أما النفس الحیوانیه فیشبه أن تکون النباتیه تقوّم مادتها ثم تلزم‏ «۱» هذه النفس الحیوانیه إیاها، فتکون الحیوانیه متحصله الوجود فى ماده تقومت بذاتها، و هى عله لقوام هذه التى حلّتها أعنى الحیوانیه، فلا تکون الحیوانیه لا قائمه فى موضوع.

فنقول فى جواب ذلک: إن النفس النباتیه بما هى نفس نباتیه لا یجب عنها إلا جسم متغذ مطلقا، و لا النفس النباتیه مطلقه لها وجود إلا وجود معنى جنسى، و ذلک فى الوهم فقط؛ و أما الموجود فى الأعیان فهو أنواعها.

و الذى یجب أن یقال: إن النفس النباتیه سبب واحد و له شى‏ء أیضا عام کلى غیر محصل، و هو الجسم المتغذى النامى المطلق الجنسى غیر المنوّع.

و أما الجسم ذو آلات الحس و التمییز و الحرکه الإرادیه، فلیس مصدره عن النفس النباتیه بما هى نفس نباتیه، بل بما ینضم إلیها فصل آخر تصیر به طبیعه أخرى، و لا یکون ذلک إلا أن تصیر نفسا حیوانیه.

بل یحب أن نبتدى‏ء فنزید هذا شرحا.

______________________________
(۱)- یلزم اتباع، نسخه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۴۴

فنقول: إن النفس النباتیه.

إما أن یعنى به النفس النوعیه التى تخص النبات دون الحیوان، أو یعنى بها المعنى العام الذى یعم النفس النباتیه و الحیوانیه من جهه ما تغذى و تولّد و تنمى، فإن هذا قد یسمى نفسا نباتیه، و هذا مجاز من القول، فإن النفس النباتیه لا تکون إلا فى النبات، و لکن المعنى الذى یعم نفس النبات و الحیوان یکون فى الحیوانات کما یکون فى النبات و وجوده، کما یوجد المعنى العام فى الأشیاء.

و إما أن یعنى بها القوه من قوى النفس الحیوانیه التى تصدر عنها أفعال التغذیه و التربیه و التولید.

فإن عنى بها النفس النباتیه التى هى بالقیاس إلى النفس الفاعله للغذاء نوعیه، فذلک یکون فى النبات لا غیر، لیس فى الحیوان.

و إن عنى بها المعنى العام فیجب أن ینسب إلیها معنى عام لا معنى خاص، فإن الصانع العام هو الذى ینسب إلیه المصنوع العام، و الصانع النوعى کالنجار هو الذى ینسب إلیه المصنوع النوعى، و الصانع المعین هو الذى ینسب إلیه المصنوع المعین. فهذا شى‏ء قد مرلک تحقیقه. فالذى ینسب إلى النفس النباتیه العامه من أمر الجسم أنه نام عام، و أما أنه نام بحیث أنه یصلح لقبول الحس أو لا یصلح فلیس ینسب ذلک إلى النفس النباتیه من حیث هى عامه، و لا هذا المعنى یتبعه.

و أما القسم الثالث‏ «۱» فیستحیل أن یکون على ما یظن من أن القوه النباتیه

______________________________
(۱)- و فى تعلیقه نسخه: و هو الذى قال «و اما ان یعنى به القوه من قوى النفس الحیوانیه التى تصدر عنها افعال التغذیه و التربیه و التولید».

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۴۵

تأتى وحدها فتفعل بدنا حیوانیا و لو کان المنفرد بالتدبیر تلک القوه لکانت تتمّم جسما نباتیا، و لیس کذلک، بل إنما کانت تتمّم جسما حیوانیا بآلات الحس و الحرکه، فتکون هى قوه لنفس‏ «۱» لتلک النفس قوى أخرى. و هذه القوه من قواها تتصرف على المثال الذى یؤدى إلى استعداد الآله للکمالات الثانیه التى لتلک النفس التى هذه قوتها و تلک النفس هى الحیوانیه.

و یتضح من بعد أن النفس واحده، و أن هذه قوى تنبعث عنها فى الأعضاء، و یتأخر فعل بعضها و یتقدم بحسب‏ «۲» استعداد الآله. فالنفس التى لکل حیوان هى جامعه أسطقسات بدنه، و مؤلّفتها و مرکّبتها على نحو یصلح معه أن یکون بدنا لها، و هى حافظه لهذا البدن على النظام الذى ینبغى، فلا تستولى علیه المغیرات الخارجه ما دامت النفس موجوده فیه و لو لا ذلک لما بقیت على صحتها.

و لاستیلاء النفس علیها «۳» ما یعرض من قوه القوه النامیه وضعفها عند استشعار النفس قضایا تکرهها أو تحبها کراهه و محبه لیست ببدنیه ألبته، و ذلک عند ما یکون الوارد على النفس تصدیقا مّا، و لیس ذلک مما یؤثر فى البدن بما هو اعتقاد، بل یتبع ذلک الاعتقاد انفعال من سرور أو غم‏ «۴»،

______________________________
(۱)- قوله: فتکون هى قوه لنفس الخ، اى فتکون القوه النباتیه قوه لنفس، یعنى بناء على الشق الثالث و هو ان یعنى بالنفس النباتیه القوه من قوى النفس الحیوانیه. فتکون النباتیه قوه لنفس اى لنفس حیوانیه لتلک النفس قوى اخرى و هذه القوه النباتیه من قواها ایضا، تتصرف تلک النفس على المثال الخ. و قوله التى هذه قوتها یعنى ان هذه القوه النباتیه قوه تلک النفس الحیوانیه.

(۲)- متعلق بقوله تنبعث.

(۳)- و فى تعلیقه نسخه: اى على تلک القوه النباتیه و الحیوانیه.

(۴)- کلّیات قانون- ص ۱۹۵- ط ناصرى. فصل ۶ نمط ۳ اشارات.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۴۶

و ذلک أیضا من المدرکات النفسانیه، و لیس مما یعرض للبدن بما هو بدن فیؤثّر ذلک فى القوه النامیه الغاذیه حتى یحدث فیها من العارض الذى یعرض للنفس أولا- و لیکن الفرح النطقى- شده و نفاذا «۱» فى فعلها، و من العارض المضاد لذلک- و لیکن الغم النطقى الذى لا ألم بدنىّ فیه- ضعفا و عجزا حتى یفسد فعلها، و ربما انتقض المزاج به انتقاضا.

و کل ذلک مما یقنعک فى أن النفس جامعه لقوى الإدراک و استعمال الغذاء، و هى واحده لها، لیست هذه منفرده عن تلک‏ «۲».

فبیّن أن النفس هى مکمّله البدن الذى هى فیه، و حافظته على نظامه الذى الأولى به أن یتمیّز و یتفرّق، إذ کل جزء من أجزاء البدن یستحق مکانا آخر و یتسوجب مفارقه لقرینه، و إنما یحفظه على ما هو علیه شى‏ء خارج عن طبیعته، و ذلک الشى‏ء هو النفس فى الحیوان.

فالنفس إذن کمال لموضوع، ذلک الموضوع یتقوّم به، و هو أیضا مکمّل النوع و صانعه، فإن الأشیاء المختلفه الأنفس تصیر بها مختلفه الأنواع، و یکون تغایرها بالنوع لا بالشخص. فالنفس إذن لیست من الأعراض التى لا تختلف بها الأنواع، و لا یکون لها مدخل فى تقویم الموضوع. فالنفس إذن کمال کالجوهر لا کالعرض، و لیس یلزم هذا أن یکون مفارقا أو غیر مفارق. فإنه لیس کل جوهر بمفارق، فلا الهیولى بمفارقه و لا الصوره، و قد علمت أنت أن الأمر کذلک، فلندلّ الآن دلاله مّا مختصره على قوى النفس و أفعالها ثم نتبعها بالاستقصاء.

______________________________
(۱)- مفعول لقوله یحدث.

(۲)- و فى تعلیقه نسخه: اى لیست قوه التغذیه منفرده عن قوه الادراک.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۴۷

الفصل الرابع فى تبیین أنّ اختلاف أفاعیل النفس لاختلاف قواها «۱»

نقول: إن للنفس أفعالا تختلف على وجوه:

فیختلف بعضها بالشده و الضعف، و بعضها بالسرعه و البطء. فإن الظن اعتقاد مّا یخالف الیقین بالتأکید و الشده، و الحدس یخالف التلقین التفکّر (خ ل) بسرعه الفهم.

و قد تختلف أیضا بالعدم و الملکه، مثل أن الشک یخالف الرأى، فإن الشک عدم اعتقاد من طرفى النقیض، و الرأى اعتقاد أحد طرفى النقیض؛ و مثل التحریک و التسکین.

و قد تختلف بالنسبه إلى أمور متضاده مثل الإحساس بالأبیض و الإحساس بالأسود و إدراک الحلو و إدراک المر.

و قد تختلف بالجنس مثل إدراک اللون و إدراک الطعم، بل مثل الإدراک و التحریک.

و غرضنا الآن أن نعرف القوى التى تصدر عنها هذه الأفاعیل،

______________________________
(۱)- راجع ص ۱۲ ج ۴ من الاسفار و ص ۲۳۹ ج ۲ من المباحث المشرقیه للفخر الرازى.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۴۸

و أنه هل یجب أن تکون لکل نوع من الفعل قوه تخصه أو لا یجب ذلک.

فنقول: أما الأفعال المختلفه بالشده و الضعف فإن مبدأها قوه واحده، لکنها تاره تکون أتم فعلا، و تاره تکون أنقص فعلا. و لو کان النقصان یقتضى أن تکون هناک للأنقص قوه غیر القوه التى للأتم، لوجب أن یکون عدد القوى بحسب عدد مراتب النقصان و الزیاده التى لا تکاد تتناهى، بل القوه الواحده یعرض لها تاره أن تفعل الفعل أشد و أضعف بحسب الاختیار، و تاره بحسب مؤاتاه الآلات، و تاره بحسب عوائق‏ «۱» من خارج أن تکون أو لا تکون و أن تقل أو تکثر.

فأمّا الفعل و عدمه فقد سلف لک فى الأقاویل الکلیه أن مبدأ ذلک قوه واحد.

و أما اختلاف أفعالها التى من باب الملکه بالجنس کالإدراک و التحریک أو کإدراک و إدراک، فذلک مما بالحرى أن یفحص عنه فاحص، فینظر مثلا هل القوى المدرکه کلها قوه واحده، إلا أن لها إدراکات مّا بذاتها هى العقلیات، و إدراکات مّا بآلات مختلفه بسبب اختلاف الآلات. فإن کانت العقلیات و الحسیات مثلا لقوتین، فهل الحسیات کلها التى تتخیل من باطن و التى تدرک فى الظاهر لقوه واحده، فان کانت التى فى الباطن لقوه أو لقوى، فهل التى فى الظاهر لقوه واحده تفعل فى آلات مختلفه أفعالا مختلفه. فإنه لیس بممتنع أن تکون قوه واحده تدرک أشیاء مختلفه الأجناس و الأنواع، کما هو مشهور من‏

______________________________
(۱)- و فى تعلیقه نسخه: اى العوائق فى الفعل و الترک.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۴۹

حال العقل عند العلماء و مشهور من حال الخیال عندهم، بل کما أن المحسوسات المشترکه «۱» التى زعموا أنها العظم و العدد و الحرکه و السکون و الشکل قد تحسّ بکل واحده من الحواس أو بعده منها و إن کانت بوساطه محسوس آخر.

ثم هل قوه التحریک هى قوه الإدراک، و لم لا یمکن ذلک. و هل قوه الشهوه بعینها هى قوه الغضب، فإذا صادفت اللذه انفعلت على نحو، و إن صادفت الأذى انفعلت على نحو آخر، بل هل الغاذیه و النامیه و المولده شى‏ء من هذه القوى، و إن لم تکن فهل هى قوه واحده، حتى إذا کان الشى‏ء لم یتم بصوره حرّکت الغذاء إلى أقطاره على هیئه و شکل، فإذا استکمل حرّکت ذلک التحریک بعینه. إلا أن الشکل قد تم فلا یحدث شکل آخر، و العظم قد بلغ مبلغا لا تفى القوه بأن تورد من الغذاء فیه أکثر مما یتحلل منه فتقف. و هناک یفصل من الغذاء فضل یصلح للتولید لتنفذه إلى أعضاء التولید، کما تنفذ الغذاء إلیها لتغذوها به، لکنه یفصل عما

______________________________
(۱)- قوله المحسوسات المشترکه. سیأتى کلامه فى ذلک فى آخر الفصل الثامن من المقاله الثالثه: فهذه هى المحسوسات التى تسمى مشترکه، اذ قد تشترک فیها عده من الحواس الخ. و کذا فى الفصل الثانى عشر من الباب الثالث فى الابصار من المباحث المشرقیه للفخر الرازى ص ۳۱۹ ج ۲. فى المحسوسات المشترکه. و الغرض فى عنوان البحث عن المحسوسات المشترکه ان العظم و العدد و الحرکه و اخواتها مما لا تکون من الملموسات و المذوقات و المشمومات و المسموعات و المبصرات تشترک فى ادراکها الحواس الظاهره او تشترک فى ادراکها عده من الحواس فلا تحتاج فى الاحساس الى قوه اخرى کما توهم بعض الناس انه لا بد من حس آخر غیر هذه الخمسه لادراک تلک الأمور المعدوده فتبصر و ارجع الى الفصل الثانى عشر و هو الفصل الاخیر من الباب الرابع من نفس الاسفار (ص ۴۹ ج ۴). و الى ص ۱۲۳ من نفس ارسطو.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۵۰

تحتاج إلیه أعضاء التولید من الغذاء فضل یصلح لباب آخر، فتصرفه تلک القوه بعینها إلیه، کما تفعل بفضول کثیره من الأعضاء، ثم تعجز هذه القوه فى آخر الحیاه عن إیراد بدل ما یتحلّل مساویا لما یتحلّل، فیکون ذبول. فلم تفرض قوه نامیه و لا تفرض قوه مذبله، و اختلاف الأفعال لیس یدل على اختلاف القوى، فإن القوه الواحده بعینها تفعل الأضداد، بل القوه الواحده تحرک بإرادات مختلفه حرکات مختلفه، بل القوه الواحده قد تفعل فى مواد مختلفه أفاعیل مختلفه.

فهذه شکوک یجب أن یکون حلها مهیئا عندنا، حتى یمکننا أن ننتقل و نثبت قوى النفس؛ و أن نثبت أن عددها کذا «۱»، و أنّ بعضها مخالف للبعض، فإن الحق عندنا هذا.

فنقول: أما أولا، فإن القوه من حیث هى قوه بالذات و أوّلا، هى قوه على أمر مّا و یستحیل أن تکون مبدأ لشى‏ء آخر غیره، فانّه من حیث هو قوه علیه مبدأ له، فإن کان مبدأ لشى‏ء آخر فلیس هو من حیث هو مبدأ لذلک الأول فى ذاته. فالقوى من حیث هى قوى إنما تکون مبادئ لأفعال معینه بالقصد الأول.

لکنه قد یجوز أن تکون القوه مبدأ لأفعال کثیره بالقصد الثانى، بأن تکون تلک کالفروع، فلا تکون مبدأ لها أوّلا، مثل أن الإبصار أنّما هو قوه أولا على إدراک الکیفیه التى بها یکون الجسم بحیث إذا توسّط بین جسم قابل للضوء و بین المضى‏ء لم یفعل المضى‏ء فیه الإضاءه، و هذا هو اللون، و اللون یکون بیاضا و سوادا.

______________________________
(۱)- الاسفار، ط ۱، ج ۴- ص ۱۲؛ و المباحث المشرقیه، ط ۱، ج ۲، ص ۲۳۹.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۵۱

و أیضا القوه المتخیله هى التى تستثبت صور الأمور المادیه من حیث هى مادیه مجرده عن الماده نوعا من التجرید غیر بالغ، کما نذکره بعد. ثم یعرض أن یکون ذلک لونا أو طعما أو عظما أو صوتا أو غیر ذلک. و القوه العاقله هى التى تستثبت صور الأمور من حیث هى بریّه عن الماده و علائقها، ثم یتفق أن یکون ذلک شکلا، و یتفق أن یکون عددا.

و قد یجوز أن تکون القوه معدّه نحو فعل بعینه، لکنها تحتاج إلى أمر آخر ینضم إلیها حینئذ، حتى یصیر لها ما بالقوه حاصلا بالفعل، فإن لم یکن ذلک الأمر لم تفعل، فیکون مثل هذه القوه تاره مبدأ للفعل بالفعل و تاره غیر مبدأ له بالفعل، بل بالقوه، مثل القوه المحرکه فإنها إذا صح الإجماع من القوه الشوقیه بسبب داع من التخیل أو المعقول إلى التحریک حرّکت لا محاله، فإن لم یصح لم تحرّک.

و لیس یصدر عن قوه محرکه واحده بآله واحده إلا حرکه واحده، إذ الحرکات الکثیره لکثره آلات الحرکه التى هى العضل فینا و فى کلّ عضله قوه محرکه جزئیه لا تحرّک إلا حرکه بعینها.

و قد تکون القوه الواحده أیضا یختلف تأثیرها بحسب القوابل المختلفه أو الآلات المختلفه، و هذا ظاهر.

فنقول الآن: إن أول أقسام أفعال النفس ثلاثه:

أفعال یشترک فیها الحیوان و النبات کالتغذیه و التربیه «۱» و التولید.

و أفعال تشترک فیها الحیوانات أکثرها أو جلّها و لا حظّ فیها للنبات مثل الإحساس و التخیل و الحرکه الإرادیه.

______________________________
(۱)- التربیه اشاره الى النموّ.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۵۲

و أفعال تختص بالناس مثل تعقل المعقولات‏ «۱» و استنباط الصنائع‏ «۲» و الرویّه فى الکائنات و التفرقه بین الجمیل و القبیح.

فلو کانت القوى النفسانیه واحده و کانت الأفعال النباتیه تصدر عن القوه التى تصدر عنها الحیوانیه صدورا أولیا لکان عدم الأجسام النباتیه و أعضاء الحیوان التى تغذى و لا تحس مما هو صلب‏ «۳» أو لیّن للإحساس إما أن یکون بسبب عدم القوه، أو بسبب أن الماده لیست تنفعل عنها.

و محال أن یقال: إن الماده لیست تنفعل عن الحر و البرد و لا تتأثر عنهما و عن الطعوم القویه و الروائح القویه، فإنها تنفعل عنها، فبقى أن یکون ذلک بسبب عدم القوه الفعاله لذلک‏ «۴»، و «۵» قد وجدت القوه الغاذیه، فإذن القوتان مختلفتان.

و أیضا فإن تحریک النفس لا یخلو إما أن یکون على سبیل نقل مطلق و کل جسم قابل للنقل مطلقا، و إما أن یکون لنقل على سبیل قبض و بسط، و فى أجسامنا أعضاء هى أقبل لذلک‏ «۶» من العضل و فیها حیاه للتغذى، و لیس یمکن تحریکها. فالسبب فى ذلک لیس من جهتها «۷»، بل من جهه فقدانها للقوه المحرکه.

______________________________
(۱)- اشاره الى القوه النظریه.

(۲)- اشاره الى القوه العملیه.

(۳)- فى تعلیقه نسخه: کالعظام و الرباطات التى تربط بین المفاصل. و للاحساس متعلق بقوله عدم الأجسام.

(۴)- فى تعلیقه نسخه: اى للاحساس.

(۵)- حالیه.

(۶)- اى للقبض أو البسط.

(۷)- اى من جهه تلک الاعضاء بل من جهه فقدان تلک الاعضاء للقوه المحرکه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۵۳

و کذلک بعض الأعصاب تنفذ فیها قوه الحس فقط دون الحرکه، و بعض الأعصاب تنفذ فیها قوه الحرکه و لا تتفاضل بشى‏ء یعتد به، بل قد یوجد ما یشاکل ما ینفذ فیه الحس و یزید علیه فى الکیف و ینقص، و قد تنفذ فیه قوه الحرکه، و قد یوجد ما هو کذلک و لیس تنفذ فیه قوه الحس.

و کذلک یمکنک أن تعلم أن العین لیست دون اللسان فى أن تنفعل عن الطعوم المجاوره، و لا تحس العین بالطعم من حیث هو مذوق؛ لست أقول من حیث هو کیفیه و لا بالصوت.

و أما القوه الإنسان فسنبین من أمرها أنها مبرّئه الذات عن الانطباع فى الماده، و نبیّن أن جمیع الأفعال المنسوبه إلى الحیوان یحتاج فیها إلى آله. فإذن الحواس و التخیلات لقوه أخرى مادیه غیر القوه المحرکه و إن کانت تفیض عنها. و قوى الحرکه أیضا متعلقه من وجه، کما سنبین، بقوى الحسن و التخیل. فإذا فهمت هذا و ما أعطیناک من الأصول سهل علیک أن تعرف فرقان ما بین القوى التى نحن فى ترتیبها و تعدیدها، و تعلم أن کل قوه لها فعل أوّلى فلا تشارک قوه أخرى لها فعل أوّلى مخالف لفعلها الأوّلى.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۵۴

الفصل الخامس فى تعدید قوى النفس‏ «۱» على سبیل التصنیف‏ «۲»

______________________________
(۱)- راجع ص ۱۱ ج ۴ من الاسفار و ص ۳۱ منه (- ج ۸ ص ۵۳ و ۱۲۹ ط ۲)

(۲)- قوله: على سبیل التصنیف، لا یخفى علیک ان تلک القوى لیست اصنافا على معنى الصنف الحقیقى ایضا. و لذا عبر المحقق الطوسى فى شرحه على الاشارات بقوله فکانّها اصناف، فالصنف بمعناه الاوسع من ذلک کالقسم و الشأن و نحوهما. و للمحقق آقا حسین الخوانسارى فى تعلیقاته على الاشارات کلام آخر فى المقام و هو ان التصنیف بمعنى المصادره و الوضع، و ان شئت تفصیل ذلک فارجع الى تعلیقاته علیها.

و قال الشیخ فى الفصل العاشر من النمط الثالث من الاشارات: «و اما نظیر هذا التفصیل فى قوى النفس الانسانیه على سبیل التصنیف فهو ان النفس الانسانیه التى لها ان تعقل جوهر له قوى و کمالات». و قال المحقق الطوسى فى شرحه: «یرید ذکر القوى التى یختص الانسان بها و انما قال «على سبیل التصنیف» لان القوى الحیوانیه المذکوره کانت متباینه بالذوات لکونها مبادئ افعال مختلفه فکان تفصیلها على سبیل التنویع و هذه غیر متباینه بالذوات لکونها متعلقه بذات واحده مجرده انما هى تختلف بحسب الاعتبارات التى هى بالقیاس الى تلک الذات عوارض فکانها اصناف» شرح الاشارات ج ۲ ص ۳۵۱، ط دفتر نشر کتاب.

و قال بهمنیار فى التحصیل: «فصل فى تعدید القوى النفسانیه على سبیل التصنیف و معنى التصنیف هو ما لا یتمیز بالمقومات بل بالعوارض و هاهنا فانّ النفوس الثلاث اصناف لا انواع للنفس الانسانیه مثلا. و قد بان انّ النفس الانسانى تنقسم انقساما ثلاثه: النفس النباتیه، و النفس الحیوانیه، و النفس الانسانیه». و قال صدر المتألهین فى سفر النفس من الاسفار: «فصل فى الاشاره الى تعدید القوى النفسانیه و ما دونها على‏

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۵۵

لنعدّ الآن قوى النفس عدّا على سبیل الوضع‏ «۱»، ثم لنشتغل ببیان حال کل قوه فنقول: القوى النفسانیه تنقسم بالقسمه الأولى أقساما ثلاثه:

أحدها النفس النباتیه، و هى الکمال الأول لجسم طبیعى آلى من جهه ما یتولد و ینمى و یغتذى، و الغذاء جسم من شأنه أن یتشبه بطبیعه الجسم الذى قیل إنه غذاء له فیزید فیه مقدار ما یتحلّل أو أکثر أو أقل.

و الثانى النفس الحیوانیه، و هى الکمال الأول لجسم طبیعى آلى من جهه ما یدرک الجزئیات و یتحرک بالإراده.

و الثالث النفس الإنسانیه، و هى کمال أول لجسم طبیعى آلى من جهه ما ینسب إلیه أنه یفعل الأفاعیل الکائنه بالاختیار الفکرى و الاستنباط بالرأى، و من جهه ما یدرک الأمور الکلیه.

و لو لا العاده لکان الأحسن أن یجعل کل أول شرط «۲» مذکورا فى رسم الثانى إن أردنا أن نرسم النفس لا القوه النفسانیه التى للنفس بحسب ذلک الفعل. فإن الکمال مأخوذ فى حد النفس لا فى حد قوى النفس.

و أنت ستعلم الفرق بین النفس الحیوانیه و بین قوه الإدراک و التحریک،

______________________________
– سبیل التصنیف و معنى التصنیف هاهنا ان هذه القوى لا یتمیز بعضها عن بعض بفصول ذاتیه کما فى الانواع النباتیه و الحیوانیه بل امتیازها بعوارض انسانیه من تقدم بعضها على بعض و استخدام بعضها قبل بعض» اسفار ج ۴ ص ۳۱ ط ۱- ج ۸ ص ۱۲۹ ط ۲.

(۱)- قوله: على سبیل الوضع، أى على سبیل المصادره و الوضع اى الاصول الموضوعه من دون استعمال حجه و برهان. نحو قوله فى عنوان الفصل الثانى من المقاله الأولى من الطبیعات (ص ۵): «فى تعدید المبادى للطبیعیات على سبیل المصادره و الوضع» فهذا الفصل کالذى قبله کالفهرس لمطالب کتاب النفس. و سیبیّنها و یفصّلها فى المقاله الثانیه إلى آخر کتاب النفس. فتبصّر.

(۲)- اى النبات یجعل شرطا للنفس الحیوانى، و الحیوانى شرطا للنفس الانسانى.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۵۶

و بین النفس الناطقه و بین القوه على الأمور المذکوره من التمیّز و غیره.

فإن أردت الاستقصاء فالصواب أن تجعل النباتیه جنسا للحیوانیه، و الحیوانیه جنسا للإنسانیه «۱»، و تأخذ الأعم فى حد الأخص. و لکنک إذا التفت إلى النفس من حیث القوى الخاصه لها فى حیوانیتها و إنسانیتها، فربما قنعت بما ذکرناه.

و للنفس النباتیه قوى ثلاث:

الغاذیه و هى قوه تحیل جسما غیر الجسم الذى هى فیه إلى مشاکله الجسم الذى هى فیه فتلصقه به بدل ما یتحلل عنه.

و القوه المنمیه و هى قوه تزید فى الجسم الذى هى فیه بالجسم المتشبه به زیاده متناسبه فى أقطاره طولا و عرضا و عمقا لیبلغ به کمال النشوء.

و القوه المولده و «۲» هى قوه تأخذ من الجسم الذى هى فیه جزءا «۳» هو شبیهه بالقوه فتفعل فیه باستمداد أجسام أخرى تتشبه به من التخلیق و التمزیج ما یصیّره شبیها به بالفعل.

و للنفس الحیوانیه بالقسمه الأولى قوتان: محرکه، و مدرکه.

و المحرکه على قسمین: إما محرکه بأنها باعثه على الحرکه، و إما محرکه بأنها فاعله:

______________________________
(۱)- فیقال کمال نباتى و کمال حیوانى.

(۲)- فى تعلیقه نسخه: أما المولده فهى قوتان: إحداهما ما یجعل فضله الهضم الرابع منیّا و هذه القوه فعلها فى الأنثیین لانّ ذلک الام یصیر منیّا فیهما. و ثانیهما ما یهیؤ کل جزء من المنى الحاصل من الذکر و الأنثى فى الرحم لعضو مخصوص بأن یجعل بعضه مستعدا للعظمیّه و بعضه للعصبیّه مثلا. و فعل هذه القوه إنما یکون حال کون المنى فى الرحم لتصادف ذلک فعل القوه المصوره.

(۳)- أى ماده کالبذر.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۵۷

و المحرکه على أنها باعثه هى القوه النزوعیه الشوقیه، و هى القوه التى إذا ارتسمت فى التخیل الذى سنذکره بعد صوره مطلوبه أو مهروب عنها بعثت القوه المحرکه «۱» الأخرى التى نذکرها على التحریک، و لها شعبتان:

شعبه تسمى قوه شهوانیه و هى قوه تبعث على تحریک تقرب به من الأشیاء المتخیله ضروریه کانت أو نافعه طلبا للذه. و شعبه تسمى غضبیه و هى قوه تبعث على تحریک تدفع به الشى‏ء المتخیل ضارا أو مفسدا طلبا للغلبه.

و أما القوه المحرکه على أنها فاعله فهى قوه تنبعث فى الأعصاب و العضلات من شأنها أن تشنج العضلات فتجذب‏ «۲» الأوتار «۳» و الرباطات المتصله بالأعضاء إلى نحو جهه المبدأ «۴» أو ترخیها «۵» أو تمدها طولا، فتصیر الأوتار و الرباطات إلى خلاف جهه المبدأ.

و أما القوه المدرکه فتنقسم قسمین: منها قوه تدرک من خارج، و منها قوه تدرک من داخل.

______________________________
(۱)- أى فاعل الحرکه.

(۲)- لجذب الملائم.

(۳)- فى تعلیقه نسخه: الاوتار هى اجسام تنبت من اطراف اللحم من العضل شبیهه بالعصب فیلاقى الاعضاء المتحرکه فتاره تجذبها بانجذابها و تاره ترخیها بارخائها.

و الرباط هى اجسام شبیهه بالعصب فى البیاض و اللیانه تاتى من العظم الى العظم توصل بین طرفى العظم من المفاصل کرباطات الزندین او بین اعضاء آخر کالرباط الذى یربط العصب باللیف و قد یخص هذا باسم العقب و لیس لشى‏ء من الروابط حس لئلا یتاذى بکثره ما یلزم من الحرکه.

(۴)- اى الدماغ فسّر بهمنیار فى التحصیل المبدأ بالقلب حیث قال: «فهى التى تجذب الاوتار و الرباطات المتصله بالاعضاء الى نحو جهه المبدأ و هو القلب او ترخیها».

ص ۸۱۸.

(۵)- لدفع المنافر.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۵۸

فالمدرکه من خارج هى الحواس الخمس أو الثمانى‏ «۱»:

فمنها البصر و هى قوه مرتبه فى العصبه المجوفه تدرک صوره ما ینطبع فى الرطوبه الجلیدیه من أشباح الأجسام ذوات اللون المتأدیه فى الأجسام‏ «۲» الشفافه بالفعل إلى سطوح الأجسام الصقیله.

و منها السمع و هى قوه مرتّبه فى العصبه المتفرقه فى سطح الصماخ تدرک صوره ما یتأدى إلیها من تموّج الهواء المنضغط بین قارع و مقروع مقاوم له انضغاطا بعنف یحدث منه صوت فیتأدى تموّجه إلى الهواء المحصور الراکد فى تجویف الصماخ، و یحرّکه بشکل حرکته، و تماس أمواج تلک الحرکه العصبه فیسمع.

و منها الشم‏ «۳» و هى قوه مرتبه فى زائدتى مقدم الدماغ الشبیهتین بحلمتى الثدى تدرک ما یؤدى إلیها الهواء المستنشق من الرائحه الموجوده فى البخار المخالط له أو الرائحه المنطبعه فیه بالاستحاله من جرم ذى رائحه.

و منها الذوق و هى قوه مرتّبه فى العصب المفروش على جرم اللسان‏

______________________________
(۱)- اذا کانت قوه اللمس اربعه کما سیجیئ.

(۲)- قوله: المتأدیه فى الأجسام الخ المتأدیه صفه للاشباح. و قوله: الى سطوح الاجسام، متعلق بالمتأدیه. و قوله فى الاجسام الشفافه، بیان للواسطه فى الرؤیه کالهواء الشاف. ثم انّ قوله سطوح الاجسام الصقیله کلى له افراد منها الرطوبه الجلیدیه فکما تتأدى اشباح الاجساد ذوات اللون فى الهواء الشفاف بالفعل الى سطح المرآه الصقیله کذلک تتادى فیه الى الرطوبه الجلیدیه.

(۳)- فى شرح الموجز: قوه الشم هى قوه مرتّبه فى الزائدتین الشبیهتین بحلمتى الثدى من شانها ادراک الرائحه المتصعده مع الهواء المستنشق بتکیف الهوى بذى الرائحه على ما هو الحق. او بانفصال اجزاء لطیفه بخاریه من ذى الرائحه و اتصالها باله الشم انتهى.

فقول الشیخ قدس سره اشاره الى اختلاف المذهبین.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۵۹

تدرک الطعوم‏ «۱» المتحلله من الأجسام المماسه له المخالطه للرطوبه العذبه التى فیه مخالطه محیله.

و منها اللمس و هى قوه مرتّبه فى أعصاب جلد البدن کله و لحمه تدرک ما یماسه و یؤثر فیه بالمضاده المحیله للمزاج أو المحیله لهیئه الترکیب. و یشبه أن تکون هذه القوه عند قوم لا نوعا أخیرا، بل جنسا لقوى أربع أو فوقها «۲» منبثه معا فى الجلد کله.

واحدتها حاکمه فى التضاد الذى بین الحار و البارد.

و الثانیه حاکمه فى التضاد الذى بین الرطب و الیابس.

و الثالثه حاکمه فى التضاد الذى بین الصلب و اللین.

و الرابعه حاکمه فى التضاد الذى بین الخشن و الأملس. إلا أن اجتماعها فى آله واحده یوهم تأحّدها فى الذات‏ «۳».

و أما القوى المدرکه من باطن فبعضها قوى تدرک صور المحسوسات، و بعضها تدرک معانى المحسوسات. و من المدرکات ما یدرک و یفعل معا، و منها ما یدرک و لا یفعل، و منها ما یدرک إدراکا أولیا، و منها ما یدرک إدراکا ثانیا.

و الفرق بین إدراک الصوره و إدراک المعنى أن الصوره هو الشى‏ء الذى یدرکه الحس الباطن و الحس الظاهر معا. لکن الحس الظاهر یدرکه أولا

______________________________
(۱)- الطعوم تسعه و هى: الحرافه و المراره و الملوحه و الحموضه و العفوصه و القبض و الدسومه و الحلاوه و التفاهه. هذا ان جعلت التفاهه من الطعوم و الافثمانیه.

(۲)- قوله: او فوقها، کالقوه الحاکمه بین الثقیل و الخفیف.

(۳)- ص ۴۸ من نفس الاسفار (ج ۴ ط ۱- ص ۲۰۰ ج ۸ ط ۲) فى انحصار الحواس فى هذه الخمس.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۶۰

و یؤدیه إلى الحس الباطن مثل إدراک الشاه لصوره الذئب أعنى تشکّله و هیئته و لونه، فإن الحس الباطن من الشاه یدرکها، لکن إنما یدرکها أوّلا حسها الظاهر. و أما المعنى فهو الشى‏ء الذى تدرکه النفس من المحسوس من غیر أن یدرکه الحس الظاهر أوّلا، مثل إدراک الشاه للمعنى المضاد فى الذئب أو للمعنى الموجب لخوفها إیاه، و هربها عنه من غیر أن یدرک الحس ذلک ألبته. فالذى یدرک من الذئب أولا الحس الظاهر ثم الحس الباطن فإنه یخصّ فى هذا الموضع باسم الصوره «۱». و الذى تدرکه القوى الباطنه دون الحس فیخص فى هذا الموضع باسم المعنى.

و الفرق بین الإدراک مع الفعل و الإدراک لا مع الفعل، أن من أفعال بعض القوى الباطنه أن یرکّب بعض الصور و المعانى المدرکه مع بعض و یفصّله عن بعض، فیکون قد أدرک و فعل أیضا فیما أدرک.

و أما الإدراک لا مع الفعل فهو أن تکون الصوره أو المعنى یرتسم فى الشى‏ء فقط من غیر أن یکون له أن یفعل فیه تصرفا ألبته.

و الفرق بین الإدراک الأول و الإدراک الثانى أن الإدراک الأول هو أن یکون حصول الصوره على نحو مّا من الحصول و قد وقع للشى‏ء من نفسه؛ و الإدراک الثانى هو أن یکون حصولها للشى‏ء من جهه شى‏ء آخر أدّى إلیها.

فمن القوى المدرکه الباطنه الحیوانیه قوه بنطاسیا «۲» و الحس المشترک‏

______________________________
(۱)- قوله: یخص فى هذا الموضع باسم الصوره. و سیأتى قوله فى ذلک فى آخر الفصل الاول من المقاله الرابعه: «قد جرت العاده بان یسمى مدرک الحس المشترک صوره، و مدرک الوهم معنى».

(۲)- بنط: بتقدیم الباء على النون بمعنى اللوح. و السیا بمعنى النفس یونانى. یعنى لوح النفس.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۶۱

و هى قوه مرتبه فى التجویف الأول‏ «۱» من الدماغ تقبل بذاتها جمیع الصور المنطبعه فى الحواس الخمس المتأدیه إلیه، ثم الخیال‏ «۲» و المصوره «۳» و هى قوه مرتبه أیضا فى آخر التجویف المقدم‏ «۴» من الدماغ تحفظ ما قبله الحس المشترک من الحواس الجزئیه الخمس، و یبقى فیه بعد غیبه تلک المحسوسات.

و اعلم أن القبول لقوه غیر القوه التى بها الحفظ فاعتبر ذلک من الماء، فإن له قوه قبول النقش و الرقم‏ «۵»، و بالجمله الشکل، و لیس له قوه حفظه؛ على أنا نزیدک لهذا تحقیقا من بعد.

و إذا أردت أن تعرف الفرق بین فعل الحس العام‏ «۶» و فعل الحس المشترک و فعل المصوره فتأمل حال القطره التى تنزل من المطر فترى خطا مستقیما، و حال الشى‏ء المستقیم الذى یدور فترى طرفه دائره، و لا یمکن أن یدرک الشى‏ء خطا أو دائره إلا و یرى فیه‏ «۷» مرارا. و الحس الظاهر

______________________________
(۱)-

سه تجویف دارد دماغ بشر

ز احساس باطن دهندت خبر

مقدم ز تجویف اول بدانک‏

بود حاسه مشترک را مقرّ

مؤخر از او شد محل خیال‏

که ماند در او از تصور اثر

پس اندر نخستین اوسط بود

تخیل ز حیوان و فکر از بشر

اخیر وسط جاى و هم است و، حفظ

ز تجویف آخر نباشد بدر

(۲)- قوله: ثم الخیال، الخیال على اصطلاح الحکما، و المصوره على اصطلاح الاطباء.

فهذه المصوره غیر القوه المصوره لتصویر الاعضاء فهما مشترکتان لفظا.

(۳)- على اصطلاح الاطباء.

(۴)- التجویف الاول، نسخه.

(۵)- النقش و الرسم له، نسخه.

(۶)- الظاهر، نسخه.

(۷)- اى فى الحس المشترک.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۶۲

لا یمکن أن یراه مرتین، بل یراه حیث هو، لکنه إذا ارتسم فى الحس المشترک و زال قبل أن تنمحى الصوره من الحس المشترک أدرکه الحس الظاهر حیث هو، و أدرکه الحس المشترک کأنه کائن حیث کان فیه و کائن حیث صار إلیه، فرأى امتدادا مستدیرا أو مستقیما. و ذلک لا یمکن أن ینسب إلى الحس الظاهر ألبته.

و أما المصوره فتدرک الأمرین و تتصورهما، و إن بطل الشى‏ء و غاب.

ثم القوه التى تسمى متخیله «۱» بالقیاس إلى النفس الحیوانیه، و متفکره بالقیاس إلى النفس الإنسانیه، و هى قوه مرتّبه فى التجویف الأوسط من الدماغ عند الدوده «۲»، من شأنها أن ترکّب بعض ما فى الخیال مع بعض و تفصّل بعضه عن بعض، بحسب الإراده.

ثم القوه الوهمیه و هى قوه مرتبه فى نهایه التجویف الأوسط من الدماغ تدرک المعانى غیر المحسوسه الموجوده فى المحسوسات الجزئیه کالقوه الموجوده فى الشاه الحاکمه بأن هذا الذئب مهروب عنه و أن هذا الولد هو المعطوف علیه. و یشبه‏ «۳» أن تکون هى أیضا المتصرفه فى المتخیلات ترکیبا و تفصیلا.

ثم القوه الحافظه الذاکره و هى قوه مرتبه فى التجویف المؤخر من‏

______________________________
(۱)- اى المتصرفه.

(۲)- قوله عند الدوده. الدوده هى البطن الاوسط من الدماغ فقط. و فى بحر الجواهر للهروى: الدوده هى البطن الاوسط من الدماغ، و انما سمى بها لانها یتقلص و یتمدد فى الانبساط و الانقباض کالدوده. و من خواصها ان ینسد زمان الانبساط و ینفتح زمان الانقباض.

(۳)- قوله: و یشبه، و سیأتى قوله فى ذلک فى آخر الفصل الاول من المقاله الرابعه (ص ۳۳۴) و یشبه ان تکون القوه الوهمیه هى بعینها المفکره و المخیله.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۶۳

الدماغ تحفظ ما تدرکه القوه الوهمیه من المعانى غیر المحسوسه فى المحسوسات الجزئیه.

و نسبه القوه الحافظه إلى القوه الوهمیه کنسبه القوه التى تسمى خیالا إلى الحس المشترک. و نسبه تلک القوه إلى المعانى کنسبه هذه القوه إلى الصور المحسوسه. فهذه هى قوى النفس الحیوانیه.

و أما النفس الناطقه الإنسانیه فتنقسم قواها إلى قوه عامله و قوه عالمه «۱».

______________________________
(۱)- قال المحاکم: لا شک ان للنفس الانسانیه ادراکا للاشیاء و تصرفا فى البدن و هو فعل منه فاثبتوا للنفس قوتین مبدأ الادراک و مبدأ فعل من جهتین: الادراک من الملاء الاعلى، و الفعل فى العالم الادنى و فى بدنه. فبالجهه الاولى متأثره و بالجهه الثانیه مؤثره. فالقوه التى بها تدرک النفس الاشیاء تسمى العقل النظرى و القوه التى بها صارت مصدرا للافعال تسمى العقل العملى. و اطلاق العقل على القوتین بالاشتراک اللفظى لاختلافهما من حیث ان الاولى مبدأ الانفعال و الثانیه مصدر الفعل، او بطریق التشابه لاشتراکهما فى کونهما قوى النفس.

و لما انقسم الادراک الى قسمین ادراک بامور لا تتعلق بالعمل و ادراک لآراء متعلقه بالعمل لا جرم انقسم العقل النظرى الى قوتین او الى وجهین: قوه ادراک الامور التى لا تتعلق بالعمل کالعلم بالسماء و الارض، و مبنى الحکمه النظریه على هذه القوه. و قوه ادراک لآراء التى تتعلق بالعمل کالعلم بانّ العدل حسن و الظلم قبیح، و مبنى الحکمه العملیه على هذه القوه لان مرجعهما العلم. و اما العقل العملى فانما یصدر عنه الافعال بحسب استنباطه ما یجب ان یفعل من راى کلى مستنبط من مقدمه کلیه و لما کان ادراک الکلى و استنباطه من المقدمات الکلیه انما هو للعقل النظرى فهو مستعین فى ذلک بالعقل النظرى.

اذا العمل لا یتأتى بدون العلم مثلا لهما مقدمه کلیه و هى أنّ کلّ حسن ینبغى ان یؤتى به و قد استخرجنا منه ان الصدق ینبغى ان یؤتى به لان الصدق حسن و کل حسن ینبغى ان یؤتى به ینتج ان الصدق ینبغى ان یؤتى به، و هذا رأى کلى ادرکها العقل النظرى.

ثم ان العقل العملى لما اراد ان یوقع صدقا جزئیا فهو انما یعقل بواسطه استخراج ذلک الجزئى من الرأى کانه یقول هذا صدق و کل صدق ینبغى ان یؤتى به فهذا الصدق ینبغى أن یؤتى به فهذا الصدق ینبغى أن یؤتى به و هذا رأى جزئى ادرکها العقل النظرى ایضا

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۶۴

و کل واحده من القوتین تسمى عقلا باشتراک الاسم‏ «۱» أو تشابهه‏ «۲».

فالعامله قوه هى مبدأ محرک لبدن الإنسان إلى الأفاعیل الجزئیه الخاصه بالرویّه على مقتضى آراء تخصها اصطلاحیه «۳»، و لها اعتبار بالقیاس إلى القوه الحیوانیه النزوعیه و اعتبار بالقیاس إلى القوه الحیوانیه المتخیله و المتوهمه، و اعتبار بالقیاس إلى نفسها.

فاعتبارها بحسب القیاس إلى القوه الحیوانیه النزوعیه هو القبیل الذى تحدث منه فیها هیئات تخص الإنسان یتهیأ بها لسرعه فعل و انفعال مثل الخجل و الحیاء و الضحک و البکاء و ما أشبه ذلک.

و اعتبارها الذى بحسب القیاس إلى القوه الحیوانیه المتخیله و المتوهمه هو القبیل الذى تنحاز إلیه‏ «۴» إذا اشتغلت باستنباط التدابیر فى الأمور الکائنه الفاسده، و استنباط الصناعات الإنسانیه.

و اعتبارها الذى بحسب القیاس إلى نفسها هو القبیل الذى تتولد فیه بین‏ «۵» العقل العملى‏ «۶» و العقل النظرى الآراء التى تتعلق بالأعمال و تستفیض ذائعه مشهوره مثل: أن الکذب قبیح، و الظلم قبیح، لا على‏

______________________________
لکن العقل العملى انما یفعل هذا لصدق العلم بذلک الجزئى، فالعقل العملى بل النفس انما یصدر منه الافعال لآراء جزئیه تنبعث من آراء کلیه عندها مستنبطه من مقدمات بدیهیه او مشهوریه او تجربیه.

(۱)- و فى تعلیقه نسخه: لاختلافهما فى ان احداهما مبدأ الفعل و الاخرى مبدأ الانفعال.

(۲)- و فى تعلیقه نسخه: اى الحقیقه و المجاز بعلاقه المشابهه یعنى بطریق التشابه لاشتراکهما فى کونهما قوى النفس.

(۳)- صفه لقوله اراء. اصطلاح: با همدیگر صلح‏کردن. (کنز).

(۴)- اى تجمع إلیه.

(۵)- من، نسخه.

(۶)- فى تعلیقه نسخه: القوه التى بها صارت النفس مصدرا للافعال تسمى العقل العملى.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۶۵

سبیل التبرهن، و ما أشبه ذلک من المقدمات المحدوده الانفصال عن الأولیات العقلیه المحضه فى کتب المنطق. و إن کانت إذا برهن علیها صارت من العقلیه أیضا على ما عرفت فى کتب المنطق.

و هذه القوه یجب أن تتسلط على سائر قوى البدن على حسب ما توجبه أحکام القوه الأخرى التى نذکرها حتى لا تنفعل عنها «۱» ألبته؛ بل تنفعل تلک عنها و تکون مقموعه دونها، لئلا تحدث فیها عن البدن هیئات انقیادیه مستفاده من الأمور الطبیعیه. و هى التى تسمى أخلاقا رذیله، بل یجب أن تکون غیر منفعله ألبته و غیر منقاده، بل متسلطه، فتکون لها أخلاق فضیله و قد یجوز أن تنسب الأخلاق إلى القوى البدنیه أیضا، و لکن إن کانت هى الغالبه، تکون لها هیئه فعلیه، و لهذا العقل هیئه انفعالیه. و لنسّم کل هیئه خلقا فیکون شى‏ء واحد یحدث منه خلق فى هذا «۲» و خلق فى ذلک‏ «۳»؛ و إن کانت هى المغلوبه تکون لها هیئه انفعالیه، و لذلک هیئه فعلیه غیر غریبه «۴»، فیکون ذلک أیضا هیئتین و خلقین، أو یکون الخلق واحدا له نسبتان‏ «۵».

و إنما کانت الأخلاق التى فینا منسوبه إلى هذه القوه لأن النفس الإنسانیه کما یظهر من بعد جوهر واحد، و له نسبه و قیاس إلى جنبتین:

جنبه هى تحته، و جنبه هى فوقه، و له بحسب کل جنبه قوه بها تنتظم‏

______________________________
(۱)- اى حتى لا تنفعل تلک القوه عن سائر قوى البدن بل تنفعل تلک- اى سائر قوى البدن- عن تلک القوه و تکون سائر قوى البدن مقموعه عند تلک القوه اى ذلیله عندها.

(۲)- فى تعلیقه نسخه: اى فى البدن و هو الفعلیه.

(۳)- فى تعلیقه نسخه: اى فى العقل و هو الانفعالیه.

(۴)- لأن التسلّط شأن النفس.

(۵)- نسبه الى البدن و نسبه الى العقل.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۶۶

العلاقه بینه و بین تلک الجنبه. فهذه القوه العملیه هى القوه التى لها لأجل العلاقه إلى الجنبه التى دونها و هو البدن و سیاسته.

و أما القوه النظریه فهى القوه التى لها لأجل العلاقه إلى الجنبه التى فوقه لتنفعل و تستفید منها و تقبل عنها. فکأنّ للنفس منا وجهین: وجه إلى البدن، و یجب أن یکون هذا الوجه غیر قابل ألبته أثرا من جنس مقتضى طبیعه البدن، و وجه إلى المبادئ العالیه. و یجب أن یکون هذا الوجه دائم القبول عما هناک و التأثر منه. فمن الجهه السفلیه تتولد الأخلاق، و من الجهه الفوقانیه تتولد العلوم، فهذه هى القوه العملیه.

و أما القوه النظریه فهى قوه من شأنها أن تنطبع بالصور الکلیه المجرده عن الماده، فإن کانت مجرده بذاتها فأخذها بصورتها فى نفسها أسهل، و إن لم تکن فإنّها تصیر مجرده بتجریدها إیاها، حتى لا یبقى فیها عن علائق الماده شى‏ء، و سنوضح کیفیه هذا من بعد.

و هذه القوه النظریه لها إلى هذه الصور نسب مختلفه، و ذلک لأن الشى‏ء الذى من شأنه أن یقبل شیئا قد یکون بالقوه قابلا له و قد یکون بالفعل قابلا له.

و القوه تقال على ثلاثه معان، بالتقدیم و التأخیر: فتقال قوه للاستعداد المطلق الذى لا یکون خرج منه بالفعل شى‏ء، و لا أیضا حصل ما به یخرج، کقوه الطفل على الکتابه. و تقال قوه لهذا الاستعداد إذا کان لم یحصل للشى‏ء إلا ما یمکنه به أن یتوصل إلى اکتساب الفعل بلاواسطه، کقوه الصبى الذى ترعرع‏ «۱» و عرف الدواه و القلم و بسائط

______________________________
(۱)- ترعرع الصبى: تحرک و نشأ، و غایته ثلاثه عشر.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۶۷

الحروف على الکتابه «۱». و تقال قوه لهذا الاستعداد إذا تم بالآله، و حدث مع الآله أیضا کمال الاستعداد بأن یکون له أن یفعل متى شاء بلاحاجه إلى اکتساب، بل یکفیه أن یقصد فقط، کقوه الکاتب المستکمل للصناعه إذا کان لا یکتب. و القوه الأولى تسمى مطلقه و هیولانیه، و القوه الثانیه تسمى قوه ممکّنه، و القوه الثالثه تسمى کمال القوه.

فالقوه النظریه إذن:

تاره تکون نسبتها إلى الصور المجرده التى ذکرناها نسبه ما بالقوه المطلقه، و ذلک حین ما تکون هذه القوه التى للنفس لم تقبل بعد شیئا من الکمال الذى بحسبها، و حینئذ تسمى عقلا هیولانیا، و هذه القوه التى تسمى عقلا هیولانیا موجوده لکل شخص من النوع، و إنما سمیت هیولانیه تشبیها إیاها باستعداد الهیولى الأولى التى لیست هى بذاتها ذات صوره من الصور، و هى موضوعه لکل صوره.

و تاره نسبه ما بالقوه الممکّنه، و هى أن تکون القوه الهیولانیه قد حصل فیها من المعقولات الأولى التى تتوصل منها و بها إلى المعقولات الثانیه، أعنى بالمعقولات الأولى المقدمات التى یقع بها التصدیق لا باکتساب و لا بأن یشعر المصدّق بها أنه کان یجوز له أن یخلو عن التصدیق بها وقتا ألبته، مثل اعتقادنا بأن الکل أعظم من الجزء و أن الأشیاء المتساویه لشى‏ء واحد بعینه متساویه. فما دام انه یحصل فیه‏ «۲» من معنى مّا بالفعل هذا القدر بعد فانّه یسمى عقلا بالملکه. و یجوز أن یسمى هذا عقلا بالفعل بالقیاس إلى الأولى، لأن القوه الأولى لیس لها أن تعقل شیئا بالفعل،

______________________________
(۱)- متعلق بقوله على الکتابه.

(۲)- التذکیر باعتبار ان هذه القوه عقل. و فى نسخه: فمادام انما یحصل فیها.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۶۸

و أما هذه فإن لها أن تعقل إذا أخذت تبحث‏ «۱» بالفعل.

و تاره تکون نسبه مّا بالقوه الکمالیه و هو أن یکون حصل فیها أیضا الصور المعقوله المکتسبه بعد المعقوله الأولیه، إلا أنه لیس تطالعها و ترجع إلیها بالفعل، بل کأنها عنده مخزونه فمتى شاء طالع تلک الصور بالفعل فعقلها، و عقل أنه قد عقلها. و سمّى عقلا بالفعل لأنه عقل یعقل متى شاء بلا تکلف اکتساب و إن کان یجوز أن یسمّى عقلا بالقوه بالقیاس إلى ما بعده.

و تاره تکون النسبه نسبه مّا بالفعل المطلق، و هو أن تکون الصوره المعقوله حاضره فیه و هو یطالعها بالفعل فیعقلها بالفعل و یعقل أنه یعقلها بالفعل فیکون ما حصل له حینئذ یسمى عقلا مستفادا. و إنما سمى عقلا مستفادا، لأنه سیتضح لنا أن العقل بالقوه إنما یخرج إلى الفعل بسبب عقل هو دائما بالفعل و أنه إذا اتصل العقل بالقوه بذلک العقل الذى بالفعل نوعا من الاتصال انطبع فیه نوع من الصور تکون مستفاده من خارج.

فهذه أیضا مراتب القوى التى تسمى عقولا نظریه. و عند العقل المستفاد یتم الجنس الحیوانى و النوع الإنسانى منه. و هناک تکون القوه الإنسانیه قد تشبهت بالمبادئ الأولیه للوجود کله.

فاعتبر الآن و انظر إلى حال هذه القوى کیف یرءس بعضها بعضا و کیف یخدم بعضها بعضا، فإنک تجد العقل المستفاد رئیسا و یخدمه الکل و هو الغایه القصوى.

ثم العقل بالفعل یخدمه العقل بالملکه.

______________________________
(۱)- اخذت ببحث- نسخه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۶۹

و العقل الهیولانى بما فیه من الاستعداد یخدم العقل بالملکه.

ثم العقل العملى یخدم جمیع هذه. لأن العلاقه البدنیه کما سیتضح بعد لأجل تکمیل العقل النظرى و تزکیته و تطهیره، و العقل العملى هو مدبر تلک العلاقه.

ثم العقل العملى یخدمه الوهم.

و الوهم تخدمه قوتان: قوه بعده و قوه قبله. فالقوه التى بعده هى القوه التى تحفظ ما أداه الوهم أى‏ «۱» الذاکره، و القوه التى هى قبله هى جمیع القوى الحیوانیه.

ثم المتخیله تخدمها قوتان مختلفتا المأخذین: فالقوه النزوعیه تخدمها بالائتمار لأنها تبعثها على التحریک نوعا من البعث، و القوه الخیالیه تخدمها لعرضها الصور المخزونه فیها المهیّأه لقبول الترکیب و التفصیل. ثم هذان رئیسان لطائفتین، أما القوه الخیالیه فتخدمها بنطاسیا، و بنطاسیا تخدمها الحواس الخمس.

و أما القوه النزوعیه فتخدمها الشهوه و الغضب، و الشهوه و الغضب تخدمهما القوه المحرکه فى العضل، فهاهنا تفنى القوى الحیوانیه.

ثم القوى الحیوانیه تخدمها النباتیه و أولها و رأسها المولده. ثم النامیه تخدم المولده. ثم الغاذیه تخدمهما جمیعا. ثم القوى الطبیعیه الأربع‏ «۲» تخدم هذه، و الهاضمه منها تخدمها الماسکه من جهه و الجاذبه من جهه، و الدافعه تخدم جمیعها.

ثم الکیفیات الأربع تخدم جمیع ذلک. لکن الحراره تخدمها

______________________________
(۱)- تفسیر للقوه الحافظه.

(۲)- اى الجاذبه و الهاضمه و الماسکه و الدافعه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۷۰

البروده «۱»، فإنها إما أن تعدّ للحراره ماده أو تحفظ ما هیّأتها الحراره، و لا مرتبه للبروده «۲» فى القوى الداخله فى الأعراض الطبیعیه إلا منفعه تابع و تال، و تخدمهما جمیعا الیبوسه و الرطوبه «۳»، و هناک آخر درجات القوى.

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: لکن الحراره تخدمها البروده فانها اما ان تعدّ للحراره ماده او تحفظ ما افادت الحراره من التحلیل و حاجه الجاذبه و الدافعه الى الیبوسه من وجهین الاول تمکین الروح الحامله للقوه فى الحرکه. الثانى تجوید هیئه الاله و تقویتها و الهاضمه انما تحتاج الى الرطوبه لتسییل الغذاء و تهیئته للنفوذ فى المجارى و القبول للاشکال. کذا فى القانون.

(۲)- فى تعلیقه نسخه: البروده تنفع الماسکه فى الامساک بالعرض بان یحتبس اللیف على هیئه الاشتمال الصالح للامساک و کذا الماسکه تنفع الدافعه بالبروده لأنها یمنعها تحلیل الریح المعینه للدفع کذا فى القانون.

(۳)- قوله: «و تخدمهما جمیعا الیبوسه و الرطوبه»، اقول: کانت العباره و تخدمها بافراد الضمیر، و الصواب تثنیه الضمیر کما فى النسخ المصحّحه من الشفاء التى عندنا. على ان الافراد مستلزم للتکرار لان الشیخ صرح اولا بان الکیفیات الاربع تخدم جمیع ذلک. فراجع الفصل الثالث من التعلیم السادس من کلیات القانون (ص ۱۴۱ من الطبع الناصرى) و الى شرح المواقف ص ۴۲۶ طبع القسطنطنیه، و ان کان کلام الایجى و المیر فى المقام انموزجا من القانون. قال الایجى: و هذه القوى الاربع تخدمها الکیفیات الاربع فاشد القوى حاجه إلى الحراره، الهاضمه ثم الجاذبه ثم الدافعه ثم الماسکه. و اشد القوى حاجه الى الیبوسه الماسکه ثم الجاذبه ثم الدافعه و الهاضمه لا حاجه لها الى الیبس بل الى الرطوبه. و قال الشارح: و البروده مع کونها منافیه بالذات لافعال هذه القوى تخدم بالعرض الماسکه باعانتها على حبس اللیف المورب على هیئه الاشتمال الصالح للامساک. و تخدم کذلک الدافعه بانها تمنع تحلیل الریح المعینه على الدفع. و ایضا تغلظها، و کلما کانت الریح اغلظ کانت اعون. و ایضا تجمع اللیف العاصر و تکثفه فتکون اقوى فى الدفع، فظهر مما ذکر ان الحراره تخدم جمیع هذه القوى. و البروده لا تخدم الا الماسکه و الدافعه و أن الیبوسه تخدم ما سوى الهاضمه و الرطوبه تخدمها فقط. انتهى نقلناها باختصار.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۷۱

المقاله الثانیه

و هى خمسه فصول:

الفصل الاول: فى تحقیق القوى المنسوبه الى النفس النباتیه.

الفصل الثانى: فى تحقیق اصناف الادراکات التى فینا.

الفصل الثالث: فى الحاسّه اللمسیه.

الفصل الرابع: فى الذوق و الشمّ.

الفصل الخامس: فى حاسّه السمع.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۷۳

الفصل الأول فى تحقیق القوى المنسوبه إلى النفس النباتیه

فلنبدأ بتعریف حال القوى المذکوره قوه قوه، و لنعرّفها من جهه أفعالها. و أول ذلک أفعال القوى النباتیه، و أولها حال التغذیه. فنقول:

قد علمت فیما سلف نسبه الغذاء إلى المغتذى و حد کل واحد منهما و خاصیته. فنقول الآن: إن الغذاء لیس إنما یستحیل دائما إلى طبیعه المتغذّى دفعه، بل أولا یستحیل استحاله مّا عن کیفیته و یستعدّ للاستحاله إلى جوهر المغتذى، فتفعل فیه قوه من خدم القوه الغاذیه و هى الهاضمه، و هى التى تذیب الغذاء فى الحیوان و تعده للنفوذ المستوى، ثم إن القوه الغاذیه تحیله فى الحیوان الدموى أول الإحاله إلى الدم و الأخلاط التى منها قوام البدن على ما بینا فى مواضع أخرى. و کل عضو فإنه یختص بقوه غاذیه تکون فیه و تحیل الغذاء إلى مشابهته الخاصه فتلصقه به.

فالقوه الغاذیه تورد البدل، أى بدل ما یتحلل و تشبه و تلصق. فانّه و إن کان الغذاء أکثر منافعه أنه یقوم بدل ما یتحلل، فإنه لیست الحاجه إلى الغذاء لذلک فقط، بل قد تحتاج إلیه الطبیعه فى أول الأمر للتربیه، و إن کان بعد ذلک إنما یحتاج إلى وضعه موضع المتحلل فقط. فالقوه

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۷۴

الغاذیه من قوى النفس النباتیه تفعل فى جمیع مده بقاء الشخص و هى مادامت موجوده تفعل أفاعیلها وجد النبات و الحیوان باقیین، و ان بطلت لم یوجد النبات و الحیوان باقیین. و لیس کذلک حال سائر القوى النباتیه «۱».

و النامیه تفعل فى أول کون الحیوان فعلا لیس هو التغذیه فقط، و ذلک لأن غایه التغذیه ما «۲» حدّدناه، و أما هذه القوه فإنها توزّع الغذاء على خلاف مقتضى القوه الغاذیه، و ذلک لأن الذى للقوه الغاذیه لذاتها أن تؤتى کل عضو من الغذاء بقدر عظمه و صغره و تلصق به من الغذاء بمقداره الذى له على السواء.

و أما القوه النامیه فإنها تسلب جانبا من البدن من الغذاء ما یحتاج إلیه لزیاده فى جهه أخرى فتلصقه بتلک الجهه لتزید تلک الجهه فوق زیاده جهه أخرى مستخدمه للغاذیه فى جمیع ذلک. و لو کان الأمر إلى الغاذیه لسوّت بینهما أو لفضّلت الجهه التى نقصتها النامیه. مثال ذلک أن الغاذیه إذا انفردت و قوى فعلها و کان ما یورد أکثر مما یتحلل فإنها تزید فى عرض الأعضاء و عمقها زیاده ظاهره بالتسمین‏ «۳»، و لا تزید فى الطول زیاده

______________________________
(۱)- یتم فعل الغاذیه بامور ثلاثه: الاول تحصیل الخلط الذى هو بالقوه القریبه من الفعل شبیهه بالعضو. الثانى الالزاق و هو ان یلصق ذلک الحاصل بالعضو و یجعله جزءا منه بالفعل. الثالث ان یجعله بعد الالصاق شبیها به من کل جهه حتى فى قوامه و لونه.

شرح المواقف ج ۷ ص ۱۷۹.

(۲)- فى تعلیقه نسخه: من ایراد البدل و التشبه و الالصاق.

(۳)- و السمن قد یکون بعد کمال النشوء ایضا و ان السمن لا یکون الا فى قطرین و من انه مخصوص باللحم و ما فى حکمه دون الاعضاء الاصلیه کالعظم و نظائره. شرح المواقف ج ۷ ص ۱۷۹.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۷۵

یعتد بها. و أما المربیه فإنها تزید فى الطول أکثرا کثیرا مما تزید فى العرض، و الزیاده فى الطول أصعب من الزیاده فى العرض، و ذلک لأن الزیاده فى الطول یحتاج فیها إلى تنفیذ الغذاء فى الأعضاء الصلبه من العظام و العصب تنفیذا فى أجزائها طولا لتنمیها و تبعد بین أطرافها. و الزیاده فى العرض قد تغنى فیها تربیه اللحم و تغذیه العظم أیضا عرضا من غیر حاجه إلى تنفیذ شى‏ء کثیر فیه و تحریکه. و ربما کانت أعضاء هى فى أول النشوء صغیره و أعضاء هى فى أول النشوء کبیره، ثم یحتاج فى آخر النشوء أن یصیر ما هو أصغر أکبر و ما هو أکبر أصغر؛ فلو کان التدبیر إلى الغاذیه لکان یستمر ذلک على نسبه واحده. فالقوه الغاذیه «۱» من حیث هى غاذیه تأتى بالغذاء و تقتضى إلصاقه بالبدن على النحو المستوى أو القریب من المستوى، و على الوجه الذى فى الطبع‏ «۲» أن تفعله عند الإسمان.

و أما النامیه فتوغر «۳» إلى الغاذیه بأن تقسم ذلک الغذاء و تنفذه إلى حیث تقتضى التربیه خلافا لمقتضى الغاذیه، و الغاذیه تخدمها فى ذلک‏ «۴»، لأن الغاذیه لا محاله هى الملصقه؛ لکنها تکون متصرفه تحت تصریف القوه المربیه. و القوه المربیه إنما تنحو نحو تمام النشوء.

______________________________
(۱)- قال الرازى فى المباحث المشرقیه: «الاجزاء الزائده من الغذاء فى النمو تنفذ فى جواهر الاعضاء فلاجرم تمدها و تزید فى جوهرها و اما فى السمن فانها لا تنفذ فى جواهر الاعضاء بل کانّها تلتصق بها.» المباحث المشرقیه ج ۲، ص ۲۷۲.

(۲)- فى طبعه، نسخه.

(۳)- او غره الى کذا أى الجأه إلیه.

(۴)- و الغاذیه تخدم القوه المربیه، نسخه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۷۶

و أما المولده فلها فعلان‏ «۱»: أحدهما تخلیق البزر و تشکیله و تطبیعه، و الثانى إفاده أجزائه فى الإستحاله الثانیه صورها من القوى و المقادیر و الأشکال و الأعداد و الخشونه و الملاسه و ما یتصل بذلک متسخره تحت تدبیر المتفرد بالجبروت‏ «۲»، فتکون الغاذیه تمدها بالغذاء، و النامیه تخدمها بالتمدیدات المشاکله فهذا الفعل یتم فیها فى أول تکون الشى‏ء ثم یبقى التدبیر مفوضا إلى النامیه و الغاذیه.

فإذا کان فعل النامیه یستتم فحینئذ تنبعث القوه المولده فى تولید البزر و المنى لیسکنهما «۳» القوه التى هى من جنسها «۴» مع الخادمتین‏ «۵». و بالجمله فإن القوه الغاذیه مقصوده لیحفظ بها جوهر الشخص، و القوه النامیه مقصوده لیتم بها جوهر الشخص، و القوه المولده مقصوده لیستبقى بها

______________________________
(۱)- قوله قدس سره: «و اما المولده فلها فعلان»، اقول: القوه المولّده من حیث فعلها الاول تسمى بالمغیره الاولى و من حیث فعلها الثانى تسمى بالمغیره الثانیه، کما انها تسمى من حیث فعلها الثانى مصوره ایضا، فکلام الشیخ و هو قوله: و الثانى افاده اجزائه فى الاستحاله الثانیه صورها من القوى و المقادیر الخ بیان للمولده من حیث انها مغیره ثانیه مصوره. و قوله: الاستحاله الثانیه ناظر الى کونها مغیره ثانیه. و قوله: صورها- و هو منصوب على المفعولیه لقوله افاده- ناظر الى کونها مصوره. و قوله: متسخره تحت تدبیر المتفرد بالجبروت اشاره الى ان المصوره- اعم من هذه المصوره. و من القوه المصوره التى سنشیر الیها- لیست مستقله فى فعلها بل هى متسخره تحت تدبیر المتفرد بالجبروت. و القائل بأنّ المتصوره باطله کما ذهب الى بطلانها المحقق الطوسى فى التجرید یرید هذا المعنى اعنى بطلان استقلالها لا أن المصوره باطله رأسا.

(۲)- فى تعلیقه نسخه: اى المصوره تکون آله فى هذا الفعل لوجود مجرد لا ان تکون مستقله فى هذه الافعال.

(۳)- فى تعلیقه نسخه: اى یکون مسکنا و منزلا لهما.

(۴)- اى المولده.

(۵)- فى تعلیقه نسخه: اى الغاذیه و النامیه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۷۷

النوع‏ «۱» إذ کان حب الدوام‏ «۲» أمرا فائضا من الإله تعالى على کل شى‏ء، فما لم یصلح أن یبقى بشخصه و یصلح أن یبقى بنوعه فإنه تنبعث فیه قوه إلى استجلاب بدل یعقبه لیحفظ به نوعه. فالغاذیه تورد بدل ما یتحلل من الشخص، و المولده تورد بدل ما یتحلل من النوع.

و قد ظن بعضهم‏ «۳» أن الغاذیه نار، لأن النار تغتذى و تنمو.

و قد أخطأ من وجهین: أحدهما من جهه أن الغاذیه لیست تغتذى بنفسها، بل تغذى البدن و تنمیه، و النار إن کانت تغتذى فهى إنما تغتذى و تنمى بنفسها «۴». و من وجه آخر أن النار لیست تغتذى، بل تتولد شیئا بعد شى‏ء و تطفأ ما تقدم. ثم لو کانت تغتذى و کان حکمها حکم غذاء الأبدان، لما کان یجب أن یکون للأبدان وقوف فى النمو. فإن النار

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: قال الامام فى المباحث: اما اللتان لبقاء النوع فاولیهما المولده و هى التى تفصل جزء من فضل الهضم الاخیر للمغتذى و تودعه قوه من سنخها، و ثانیتهما المصوره.

(۲)- قوله قدس سره: إذ کان حب الدوام الى آخره: هذه الکلمه التامه فى غایه الجوده.

و الطبیعى الذى اخلد الى الارض و یقول ما یهلکنا الا الدهر و ینکر دار الخلود و البقاء لم یحب بقائه فى هذه العاجله و یهرب عما یهلکه و یفنیه لولا البقاء کان اصلا ثابتا سرمدیا ابدیا ارتکز فى جبله النفوس حبّه؟! و من لم یجعل الله له نورا فما له من نور. قال صدر المتألهین فى الاسفار (ص ۱۶۳ ج ۴ ط ۱- ص ۲۴۱ ج ۹ ط ۲): ان الله تعالى قد جعل لواجب حکمته فى طبع النفوس محبه الوجود و البقاء و جعل فى جبلتها کراهه الفناء و العدم، و هذا حق لما علمت ان طبیعه الوجود خیر محض و نور صرف و بقائه خیریه الخیر و نوریه النور. الخ.

(۳)- ذلک البعض هو هراکلیتوس. راجع ص ۲۲ ج ۴ من الاسفار ط ۱- ج ۸ ص ۹۷ ط ۲.

و ص ۱۰۶ من نفس ارسطو.

(۴)- نفسها، نسخه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۷۸

مادامت تجد ماده لم تقف، بل تزید «۱» إلى غیر نهایه.

 

النفس من کتاب الشفاء       ۷۸     الفصل الأول فى تحقیق القوى المنسوبه إلى النفس النباتیه ….. ص : ۷۳

أعجب من ذلک ما قال صاحب هذا القول: إن الأشجار تعرّق من أسفل لأن الأرضیه تتحرک إلى أسفل و تفرّع إلى فوق، لأن النار تتحرک إلى فوق. فأول غلطه هو أن کثیرا من النبات أغصانه أثقل من عروقه.

و ثانیا أنه لم لا ینفصل بهذه الحرکه فیفارق الثقیل الخفیف. فإن کان ذلک لتدبیر النفس فلیجعل التعریق و التفریح أیضا للنفس، و على أنه یشبه أن یکون الفوق‏ «۲» فى النبات حیث رأسه، و رأس النبات عروقه و منه منشؤه.

ثم إن آله هذه القوه «۳» الأولیه «۴» هى الحار الغریزى، فإن الحار هو المستعد لتحریک المواد و یتبعها البرد لتسکینها «۵» عند الکمالات من الخلق محتویه علیها «۶». و أما من الکیفیات المنفعله فآلتها الأولیه الرطوبه، فإنها هى التى تتخلق و تتشکل، و تتبعها الیبوسه فإنها تحفظ الشکل و تفید التماسک.

و القوه النباتیه «۷» التى فى الحیوان فإنها تولد جسما حیوانیا، و ذلک لأنها نباتیه تتعلق بها قوه الحیوان، و هى الفصل الذى لهما مما یشارکها فى کونها ذات قوه التغذیه و النمو، فتمزّج الأرکان و العناصر مزاجا یصلح‏

______________________________
(۱)- تذهب، نسخه.

(۲)- ان یکون العرق فى النبات- ظ.

(۳)- اى الغاذیه.

(۴)- صفه الآله.

(۵)- و یتبعها البرد و یسکنّها، کما فى نسخه مصحّحه مقرؤه من الشفاء.

(۶)- مختومه، نسخه.

(۷)- یعنى النباتیه الحیوانیه. فافهم.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۷۹

للحیوان. إذ لیس تتولى مزاجها القوه المشترکه بین النبات و الحیوان من حیث هى مشترکه، فإنها من حیث هى مشترکه لا توجب مزاجا خاصا، بل إنما توجب مزاجا خاصا فیها لأنها مع أنها غاذیه هى أیضا حیوانیه فى طباعها أن تحس و تتحرک إذا حصلت الآله «۱»، و هى بعینها حافظه لذلک التألیف و المزاج حفظا، إذا أضیف إلى ذوات التألیف کان قسریا، لأنه لیس من طباع العناصر و الأجسام المتضاده أن تأتلف لذاتها، بل من طباعها المیل إلى جهات مختلفه، و إنما تؤلفها النفس الخاصه. مثلا فى النخله نفس نخلیّه، و فى العنب نفس عنبیّه. و بالجمله النفس التى تکون صوره لتلک الماده. و النفس إذا صارت نخلیه کان لها مع أنها نفس النمو زیاده أنها نفس نخلیه، و فى العنب أنها نفس عنبیه، و لیست النخله تحتاج إلى نفس نباتیه و نفس أخرى تکون بتلک النفس نخله، و إن کان لیس لها أفعال خارجه عن أفعال النبات، بل تکون نفسها النباتیه فى نباتیتها أنها نخلیه.

و أما النفس النباتیه التى فى الحیوان فإنها تعّد خلقه الحیوان نحو أفعال غیر أفعالها وحدها من حیث هى نباتیه، فهى مدبره نفس حیوانیه، بل هى بالحقیقه غیر نفس نباتیه، اللهم إلا أن یقال إنها نفس نباتیه بالمعنى الذى ذکرنا أعنى العام. فالفصل المقوم لنوعیه نفس نفس من النفوس النباتیه أعنى الفصول التى لنبت مّا دون نبت مّا لا یکون إلا مبدأ فعل نباتى مخصص فقط.

و أمّا النفس النباتیه الحیوانیه ففصلها القاسم إیاها المقوّم لنوع نوع تحتها

______________________________
(۱)- اى البدن.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۸۰

هو قوه النفس الحیوانیه المقارنه لها التى تعّد لها البدن، و هو فصل على نحو الفصول التى تکون للبسائط لا التى تکون للمرکبات.

و أما النفس الإنسانیه فلا تتعلق بالبدن تعلقا صوریا کما نتبین‏ «۱»، فلا یحتاج أن یعدّ لها عضو. نعم قد تتمیز الحیوانیه التى لها، عن سائر الحیوانات، و کذلک الأعضاء المعده لحیوانیتها أیضا.

______________________________
(۱)- نبیّن، نسخه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۸۱

الفصل الثانى فى تحقیق أصناف الإدراکات التى لنا

فلنتکلم الآن فى القوى الحاسه و الدراکه، و لنتکلم فیها کلاما کلیا فنقول: یشبه أن یکون کل إدراک أنما هو أخذ صوره المدرک بنحو من الأنحاء، فإن کان الإدراک إدراکا لشى‏ء مادى فهو أخذ صورته مجرده عن الماده تجریدا ما، إلا أن أصناف التجرید مختلفه و مراتبها متفاوته، فإن الصوره المادیه تعرض لها بسبب الماده أحوال و أمور لیست هى لها بذاتها من جهه ما هى تلک الصوره فتاره یکون النزع عن الماده نزعا مع تلک العلائق کلها أو بعضها، و تاره یکون النزع نزعا کاملا. و ذلک بأن یجرد المعنى عن الماده و عن اللواحق التى لها من جهه الماده.

مثاله أن الصوره الإنسانیه و الماهیه الإنسانیه طبیعه لا محاله تشترک فیها أشخاص النوع کلها بالسویه، و هى بحدها شى‏ء واحد و قد عرض لها أن وجدت فى هذا الشخص و ذلک الشخص فتکثرت. و لیس لها ذلک من جهه طبیعتها الإنسانیه. و لو کان للطبیعه الإنسانیه ما یجب فیها التکثر لما کان یوجد إنسان محمولا على واحد بالعدد و لو کانت الإنسانیه موجوده لزید لأجل أنها إنسانیته، لما کانت لعمرو، فإذن أحدى العوارض التى‏

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۸۲

تعرض للإنسانیه من جهه الماده هى هذا النوع من التکثر و الانقسام‏ «۱».

و یعرض لها أیضا غیر هذا من العوارض‏ «۲»، و هو أنها إذا کانت فى ماده مّا حصلت بقدر من الکم و الکیف و الوضع و الأین، و جمیع هذه أمور غریبه عن طبائعها، و ذلک لأنه لو کانت الإنسانیه هى على هذا الحد أو حد آخر من الکمّ و الکیف و الأین و الوضع لأجل أنها إنسانیه، لکان یجب أن یکون کل إنسان مشارکا للآخر فى تلک المعانى. و لو کانت لأجل الإنسانیه على حد آخر وجهه أخرى من الکم و الکیف و الأین و الوضع، لکان کل إنسان یجب أن یشترک فیه. فإذن الصوره الإنسانیه بذاتها غیر مستوجبه أن یلحقها شى‏ء من هذه اللواحق العارضه لها، بل من جهه الماده، لأن الماده التى تقارنها تکون قد لحقتها هذه اللواحق.

فالحس یأخذ الصوره عن الماده مع هذه اللواحق، و مع وقوع نسبه بینها «۳» و بین الماده، إذا زالت تلک النسبه بطل ذلک الأخذ، و ذلک لأنه لا ینزع الصوره عن الماده مع جمیع لواحقها، و لا یمکنه أن یستثبت تلک الصوره إن غابت الماده، فیکون کأنه لم ینتزع الصوره إن غابت الماده، فیکون کأنه لم ینتزع الصوره عن الماده «۴» نزعا محکما، بل یحتاج إلى وجود الماده أیضا فى أن تکون تلک الصوره موجوده لها.

و أما الخیال و التخیل فإنه یبرئ الصوره المنزوعه عن الماده تبرئه أشد،

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: اى الانقسام الى الافراد.

(۲)- غیر هذه العوارض، نسخه. و فى نسخه اخرى: غیر هذه العوارض و هى أنّها ….

(۳)- نسبه بینها، کما فى جمیع النسخ التى عندنا، فالضمیر راجع الى الحس باعتبار انها قوه.

(۴)- فى تعلیقه نسخه: فحضور الماده شرط فى الاحساس.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۸۳

و ذلک لأنه یأخذها عن الماده بحیث لا تحتاج فى وجودها فیه إلى وجود مادتها، لأن الماده و إن غابت عن الحس أو بطلت، فإن الصوره تکون ثابته الوجود فى الخیال، فیکون أخذه إیاها قاصما العلاقه «۱» بینها و بین الماده قصما تاما «۲»، إلا أن الخیال لا یکون قد جردها عن اللواحق المادیه، فالحس لم یجردها عن الماده تجریدا تاما و لا جردها عن لواحق الماده. و أما الخیال فإنه قد جردها عن الماده تجریدا تاما، و لکن لم یجردها ألبته عن لواحق الماده، لأن الصوره التى فى الخیال هى على حسب الصوره المحسوسه، و على تقدیر مّا و تکیّف مّا و وضع مّا. و لیس یمکن فى الخیال ألبته أن تتخیل صوره هى بحال یمکن أن یشترک فیها جمیع أشخاص ذلک النوع، فإن الإنسان المتخیل یکون کواحد من الناس، و یجوز أن یکون ناس موجودین و متخیلین لیسوا على نحو ما تخیّل الخیال‏ «۳» ذلک الإنسان‏ «۴».

و أما الوهم فإنه قد یتعدى قلیلا هذه المرتبه فى التجرید، لأنه ینال المعانى التى لیست هى فى ذاتها بمادیه، و إن عرض لها أن تکون فى ماده.

و ذلک لأن الشکل و اللون و الوضع و ما أشبه ذلک أمور لا یمکن أن تکون إلا لمواد جسمانیه و أما الخیر و الشر و الموافق و المخالف و ما أشبه ذلک، فهى أمور فى أنفسها غیر مادیه، و قد یعرض لها أن تکون مادیه. و الدلیل على أن هذه الأمور غیر مادیه، أن هذه الأمور لو کانت بالذات مادیه لما کان‏

______________________________
(۱)- اى العلاقه التى بینها …

(۲)- فى تعلیقه نسخه: فحضور الماده لا یکون شرطا فى ادراکه.

(۳)- خیال، نسخه.

(۴)- فى تعلیقه نسخه: بل یکونون على شکل آخر و کیف آخر فلا یکونون مشترکین فیما یخیل خیال ذلک الانسان.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۸۴

یعقل خیر و شر أو موافق و مخالف إلا عارضا لجسم، و قد یعقل ذلک بل یوجد «۱». فبیّن أن هذه الأمور هى فى أنفسها غیر مادیه، و قد عرض لها إن کانت مادیه. و الوهم إنما ینال و یدرک أمثال هذه الأمور.

فإذن الوهم قد یدرک أمورا غیر مادیه، و یأخذها عن الماده، کما یدرک أیضا معانى غیر محسوسه و إن کانت مادیه. فهذا النزع إذن أشد استقصاء و أقرب إلى البساطه من النزعین الأولین، إلا أنه مع ذلک لا یجرد هذه الصوره عن لواحق الماده، لأنه یأخذها جزئیه و بحسب ماده ماده، و بالقیاس إلیها، و متعلقه بصوره محسوسه مکنوفه بلواحق الماده و بمشارکه الخیال فیها.

و أما القوه التى تکون الصوره المثبته «۲» فیها، إما صور موجودات لیست بمادیه ألبته و لا عرض لها أن تکون مادیه، أو صور موجودات مادیه و لکن مبرأه عن علائق الماده من کل وجه، فبیّن أنها تدرک الصور بأن تأخذها أخذا مجردا عن الماده من کل وجه. فأما ما هو متجرد بذاته عن الماده فالأمر فیه ظاهر، و أما ما هو موجود للماده إما لأن وجوده مادى، و إما عارض له ذلک فتنزعه عن الماده و عن لواحق الماده معه، فتأخذه أخذا مجردا، حتى یکون مثل الإنسان الذى یقال على کثیرین، و حتى تکون قد أخذ الکثیر طبیعه واحده، و تفرزه عن کل کم و کیف و أین و وضع مادى.

و لو لم تجرّده عن ذلک لما صلح أن یقال على الجمیع.

فبهذا یفترق إدراک الحاکم الحسى، و إدراک الحاکم الخیالى، و إدراک الحاکم الوهمى، و إدراک الحاکم العقلى. و إلى هذا المعنى کنا نسوق‏

______________________________
(۱)- اى تعقل مجرده و توجد مجرده فى الخارج.

(۲)- المستثبه- خ.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۸۵

الکلام فى هذا الفصل.

فنقول: إن الحاس فى قوته أن یصیر مثل المحسوس بالفعل، إذ کان الإحساس هو قبول صوره الشى‏ء مجرده عن مادته فیتصور بها الحاس، فالمبصر «۱» هو مثل المبصر بالقوه «۲»، و کذلک الملموس و المطعوم و غیر ذلک، و المحسوس الأول بالحقیقه هو الذى یرتسم فى آله الحس و إیاه یدرک، و یشبه أن یکون إذا قیل: أحسست الشى‏ء الخارجى کان معناه غیر معنى أحسست فى النفس، فإن معنى قوله: أحسست الشى‏ء الخارجى، أن صورته تمثّلت فى حسى، و معنى أحسست فى النفس أن الصوره نفسها تمثلت فى حسى. فلهذا «۳» یصعب إثبات وجود الکیفیات المحسوسه فى الأجسام.

لکنا نعلم‏ «۴» یقینا أن جسمین و أحدهما یتأثر عنه الحس شیئا، و الآخر لا یتأثر عنه ذلک الشى‏ء أنه مختص فى ذاته بکیفیه هى مبدأ إحاله الحاسه دون الآخر.

و أما ذیمقراطیس و طائفه من الطبیعیین فلم یجعلوا لهذه الکیفیات وجودا ألبته، بل جعلوا الأشکال التى یجعلونها للأجرام التى لا تتجزأ أسبابا لاختلاف ما یتأثر فى الحواس باختلاف ترتیبها و وضعها. قالوا:

و لهذا ما یکون الإنسان الواحد قد یحس لونا واحدا على لونین مختلفین:

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: اى المبصر بالفعل.

(۲)- المبصر بالکسر و هو الحاس مثل المبصر بالقوه بالفتح و هو الشى‏ء الخارجى المحسوس بالعرض.

(۳)- فى تعلیقه نسخه: اى فلانّ الشى‏ء الخارجى لا یدرک بالذات.

(۴)- قوله: «لکنا نعلم»، یرید بذلک ان یثبت ان الکیفیات المحسوسه موجودات خارجیه لها حقائق فى الخارج.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۸۶

بحسب و قوفین منه تختلف بذلک نسبتهما من أوضاع المرئى الواحد، کطوق الحمامه «۱» فإنها ترى مره شقرا «۲» و مره أرجوانیه و مره على لون الذهب، بحسب اختلاف المقامات، فلهذا ما یکون شى‏ء واحد عند إنسان صحیح حلوا، و عند إنسان مریض مرا. فهؤلاء هم الذین جعلوا الکیفیات المحسوسه لا حقائق لها فى أنفسها، إنما هى أشکال‏ «۳».

و هاهنا قوم آخرون أیضا «۴» ممن لا یرون هذا المذهب لا یجعلون لهذه الکیفیات حقیقه فى الأجسام، بل یرون أن هذه الکیفیات إنما هى انفعالات للحواس فقط من غیر أن یکون فى المحسوسات شى‏ء منها. و قد

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: قال المحققون طوق الحمامه لیس المرئى منه شیئا واحدا بل هناک اطراف ریش ذوات جهات و کل جهه لها لون یسترلون جهه الاخرى بالقیاس الى القائم الناظر.

(۲)- بعیرا شقر: شتر سخت سرخ موى. شقراء: مادیان. صراح اللغه.

(۳)- فى المباحث: قال بعض القدماء ان الکیفیات المحسوسه لا حقیقه لها فى انفسها بل هى انفعالات تعرض للحواس فقط. قیل لهم و لولا اختصاص الملوّن بکیفیه مخصوصه لا توجد فى غیره لم یکن انفعال الحس عن الملون اولى من انفعاله عن الشفاف.

قال الامام: فنقول الآثار الحاصله فى الحواس اشکال او غیر اشکال؟ فان کانت اشکالا و کل شکل ملموس فالاثر الحاصل فى العین ملموس هذا خلف. و ان لم یکن اشکالا فقد ثبت القول بوجود کیفیات وراء الاشکال فاذا جاز ذلک فاىّ مانع یمنع من اثباتها فى الجسم الخارجى. الوجه الثانى فى اثبات الکیفیات: ان الالوان و الطعوم و الروائح فیها مضاده و الاشکال لیس فیها مضاده. الوجه الثالث: الاحساس بالشکل یتوقف على وجود اللون فلو کان اللون نفس الشکل لتوقف الاحساس بالشى‏ء على الاحساس به.

قال صدر المتألهین فى الاسفار: و هذا المذهب سهل الدفع فان ما فى الحواس صوره المحسوسات و مثالها و مثال الشکل غیر مثال الطعم و اللون و غیرهما.

(۴)- راجع ص ۲۱ ج ۲ ط ۱- ص ۶۷ ج ۴ ط ۲ من الاسفار.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۸۷

بینا فساد هذا الرأى، و بینا أن فى بعض الأجسام خاصیه تؤثر فى حاسّه اللسان، مثلا الشى‏ء الذى نسمیه إذا ذقناه حلاوه، و لبعضها خاصیه أخرى من جنسها، و هذه الخاصیه نسمیها الطعم لا غیر.

و أما مذهب أصحاب الأشکال فقد نقضنا أصله فیما سلف‏ «۱».

ثم قد یظهر لنا سریعا بطلانه، فإنه لو کان المحسوس هو الشکل لکان یجب إذا لمسنا الشکل و أدرکناه خصوصا بالحدقه «۲» أن نکون رأینا أیضا لونه، فإن الشى‏ء الواحد من جهه واحده یدرک شیئا واحدا، فإن أدرک من جهه و لم یدرک من جهه، فالذى لم یدرک منه غیر المدرک، فیکون اللون إذن غیر الشکل، و کذلک أیضا الحراره غیر الشکل، اللهم إلا أن یقال: إن الشى‏ء الواحد یؤثر فى شیئین أثرین مختلفین، فیکون أثره فى شى‏ء مّا ملموسا و أثره فى شى‏ء آخر مرئیا. فإذا کان کذلک لم یکن الشکل نفسه محسوسا، بل أثر مختلف یحدث عنه فى الحواس المختلفه غیر نفسه.

و الحاس أیضا جسم‏ «۳»، و عنده أنه لا یتأثر إلا بالشکل، فیکون أیضا

______________________________
(۱)- ص ۱۹۰، ۱۹۸ من الفصل الأولى الى السادس من الفن الثالث.

(۲)- کما فى الاجسام البعیده عنا اذا ادرکنا منها شکلا.

(۳)- فى تعلیقه نسخه: قوله: «و الحاس ایضا جسم» اى کالمحسوس و الجسم الحاس عنده لا یتأثر الا بالشکل عند الادراک. فان قیل ان الشکل المحسوس هو الشکل لکن یختلف الاشکال بحسب المدارک و الحواس. فشکل یکون مرئیا و شکل یکون ملموسا و هکذا فى الباقى. قلنا یمکن ان یکون شى‏ء واحد مرئیا و ملموسا و غیرهما و کیف یکون الشى‏ء الواحد و الشکل الواحد یؤثر فى آله شکلا و فى آله اخرى شکلا آخر مع ان کل شکل عنده ملموس و لا یکون عنده شکل مخصوص بالرؤیه، و شکل مخصوص بالذوق مثلا. فعلى هذا یجوز أن یلمس هذا المرئى او هذا المذوق مثلا لان المرئى او المذوق کلاهما شکل و الشکل ملموس اىّ شکل کان.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۸۸

الحاس إنما یتأثر بالشکل‏ «۱»، فیکون الشى‏ء الواحد یؤثر فى آله شکلا مّا و فى آله أخرى شکلا آخر لکن لا شى‏ء من الأشکال عنده إلا و یجوز أن یلمس، فیکون هذا المرئى‏ «۲» أیضا یجوز أن یلمس. ثم من الظاهر البین أن اللون فیه مضاده و کذلک الطعم و کذلک أشیاء اخرى، و لا شى‏ء من الأشکال بمضاد لشى‏ء، و هؤلاء بالحقیقه یجعلون کل محسوس ملموسا، فإنهم یجعلون أیضا البصر ینفذ فیه شى‏ء و یلمس، و لو کان کذلک لکان یجب أن یکون المحسوس فى الوجهین‏ «۳» جمیعا هو الشکل فقط.

و من العجائب غفلتهم عن أن الأشکال لا تدرک إلا أن تکون هناک ألوان أو طعوم أو روائح أو کیفیات أخرى؛ و لا تحس ألبته بشکل مجرد.

فإن کان لأن الشکل المجرد إذا صار محسوسا أحدث فى الحس أثرا من هذه الآثار غیر الشکلیه، فقد صح وجود هذه الآثار. و إن لم تکن هذه الآثار إلا نفس الشکل، وجب أن یحس شکل مجرد من غیر أن یحس معه شى‏ء آخر.

و قال قوم من الأوائل: إن المحسوسات قد یجوز أن تحس بها النفس بلاوسائط ألبته و لا آلات، أما الوسائط فمثل الهواء مثلا للإبصار و امّا الآلات فمثل العین للإبصار.

و قد بعدوا عن الحق، فإنه لو کان الإحساس یقع للنفس بذاتها من غیر هذه الآلات لکانت هذه الآلات معطله فى الخلقه لا ینتفع بها، و أیضا فإن النفس إذا کانت غیر جسم عندهم و لا ذات وضع فیستحیل أن یکون بعض‏

______________________________
(۱)- لانه جسم.

(۲)- قوله: «فیکون هذا المرئى» اى المرئى بالذات و هو الشبح المنطبع فى الجلیدیه.

(۳)- اى فى اللمس و البصر.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۸۹

الأجسام قریبا منها و متجها إلیها فیحس، و بعضها بعیدا منها محتجبا عنها فلا یحس. و بالجمله یجب أن لا یکون اختلاف فى أوضاع الأجسام منها و حجب و إظهار «۱»، فإن هذه الأحوال تکون للأجسام عند الأجسام.

فیجب أن تکون النفس إما مدرکه لجمیع المحسوسات و إما غیر مدرکه، و أن لا تکون غیبه المحسوس تزیله عن الإدراک. لأن هذه الغیبه عند شى‏ء لا محاله هى خلاف الحضره منه. فیکون عند ذلک الشى‏ء لهذا الشى‏ء غیبه مره و حضور مره، و ذلک مکانى وضعى فیجب أن تکون النفس جسما؛ لیس ذلک بمذهب هؤلاء؛ و سنبین لک من بعد أن الصوره المدرکه لا یتم نزعها عن الماده و علائق الماده یستحیل أن تستثبت بغیر آله جسدانیه؛ و لو لم تحتج النفس فى إدراک الأشیاء إلى المتوسطات لوجب أن لا یحتاج البصر إلى الضوء و إلى توسط الشاف، و لکان تقریب المبصر من العین لا یمنع الإبصار، و لکان سد الأذن لا یمنع الصوت، و لکانت الآفات العارضه لهذه الآلات لا تمنع الإحساس.

و من الناس من جعل المتوسط عائقا، و قال إنه لو کان المتوسط کلما کان أرّق کان أدلّ‏ «۲»؛ فلو لم یکن، بل کان خلأ صرفا، لتمت‏

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: اى لا تکون حجب و اظهار للاجسام منها.

(۲)- ص ۳۱۸ ج ۲ من المباحث المشرقیه للفخر: قال الشیخ من الناس من قال المتوسط کلما کان ارقّ کان ادلّ فلو کان خلأ صرفا لکان الابصار اکمل حتى یمکن ابصار النمله على السماء الخ. و المذکور فى الاسفار منقول من المباحث. و لکن عباره الفخر منقوله بالمعنى. و قوله: لا بصر عطف على قوله لتمت الدلاله. و المعنى و لابصر الشى‏ء اکثر من المسافه الّتى یبصر ذلک الشى‏ء حتى یمکن ان تبصر نمله فى السماء. و قال صدر المتألهین فى الاسفار (ج ۴ ص ۴۸ ط ۱- ج ۸ ص ۲۰۰ ط ۲): «فعلى هذا یظهر فساد قول من قال: المتوسط کلما کان ارق کان اولى فلو کان خلأ صرفا لکان الابصار اکمل‏

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۹۰

الدلاله، و لأبصر الشى‏ء أکبر مما یبصر، حتى کان یمکن أن تبصر نمله فى السماء.

و هذا کلام باطل، فلیس إذا أوجب رقته زیاده، یجب أن یکون عدمه یزید أیضا فى ذلک، فإن الرقه لیس هى طریقا إلى عدم الجسم. و أما الخلأ فهو عدم الجسم عندهم، بل لو کان الخلأ موجودا لما کان بین المحسوس و الحاس المتباینین موصل ألبته، و لم یکن فعل و لا انفعال ألبته.

و من الناس من ظن شیئا آخر و هو أن الحاس المشترک أو النفس متعلق بالروح، و هو جسم لطیف، سنشرح حاله بعد، و أنه آله الإدراک، و أنه وحده یجوز أن یمتد إلى المحسوسات فیلاقیها أو یوازیها أو یصیر منها بوضع ذلک الوضع یوجب الإدراک.

و هذا المذهب أیضا فاسد، فإن الروح لا یضبط جوهره إلا فى هذه الوقایات‏ «۱» التى تکتنفه، و أنه إذا خالطه شى‏ء من خارج أفسد جوهره مزاجا و ترکیبا. ثم لیس له حرکه انتقال خارجا و داخلا، و لو کان له هذا

______________________________
– حتى کان یمکن ابصارنا النمله على السماء، لا بما ذکروه فى جوابه بانّ هذا باطل فلیس اذا اوجب رقه المتوسط زیاده قوه فى الابصار لزم ان یکون عدمه یزید ایضا فى ذلک فان الرقه لیست طریقا الى عدم الجسم، لأنّ اشتراط الرقه فى الجسم المتوسط لو کان لاجل ان لا یمنع نفوذ الشعاع فصح انه اذا کان رقه الجسم منشأ سهوله النفوذ کان عدم الجسم فیما بین اولى فى ذلک و کانت الرقه على هذا التقدیر طریقا الى العدم، بل فساده لانه لو لم یکن بین الرائى و المرئى امر وجودى متوسط موصل رابط لم یکن هناک فعل و انفعال.»

(۱)- تلک الوقایات هى اوعیه الروح و لکن کل وعاء لیس بواق کالغدیر للماء فان الماء لا یفسد بالخروج عنه بخلاف الروح و تلک الاوعیه و لذا عبر عنها بالوقایات اى الواقیات.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۹۱

لجاز أن یفارق الإنسان و یعود إلیه، فیکون للإنسان أن یموت و أن یحیا باختیاره فى ساعته و لو کان الروح بهذه الصفه لما احتیج إلى الآلات البدنیه.

فالحق أن الحواس محتاجه إلى الآلات الجسدانیه، و بعضها إلى وسائط، فإن الإحساس انفعال مّا، لأنه قبول منها لصوره المحسوس، و استحاله إلى مشاکله المحسوس بالفعل، فیکون الحاس بالفعل مثل المحسوس بالفعل، و الحاس بالقوه مثل المحسوس بالقوه، و المحسوس بالحقیقه القریب هو ما یتصور به الحاس من صوره المحسوس، فیکون الحاس من وجه مّا یحس ذاته لا الجسم المحسوس، لأنه المتصور بالصوره التى هى المحسوسه القریبه منها «۱». و أما الخارج فهو المتصور بالصور التى هى المحسوسه البعیده، فهى‏ «۲» تحس ذاتها لا الثلج، و تحس ذاتها لا القار، إذا عنینا «۳» أقرب الإحساس الذى لا واسطه فیه. و انفعال الحاس من المحسوس لیس على سبیل الحرکه، إذ لیس هناک تغیر من ضد إلى ضد، بل هو استکمال. أعنى أن یکون الکمال الذى کان بالقوه قد صار بالفعل‏ «۴» من غیر أن بطل فعل إلى القوه.

و إذ قد تکلمنا الآن على الإدراک الذى هو أعم من الحس، ثم تکلمنا فى کیفیه إحساس الحس مطلقا، فنقول: إن کل حاسه فإنها تدرک محسوسها و تدرک عدم محسوسها، أما محسوسها فبالذات، و أما عدم‏

______________________________
(۱)- راجع الى الحاس باعتبار القوه.

(۲)- فى تعلیقه نسخه: اى القوه تحس نفس ذاتها لا شیئا خارجا عن ذاتها.

(۳)- بالاحساس و المحسوس.

(۴)- فى تعلیقه نسخه: اى یکون استکمال من العدم الى الوجود لا ابطال امر وجودى.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۹۲

محسوسها کالظلمه للعین و السکوت للسمع و غیر ذلک فإنها «۱» تکون بالقوه لا بالفعل. و أما إدراک أنها أدرکت فلیس للحاسه، فإن الإدراک لیس هو لونا فیبصر أو صوتا فیسمع، و لکن إنما یدرک ذلک بالفعل العقل أو الوهم على ما یتضح من حالهما بعد.

______________________________
(۱)- اى الحاسه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۹۳

الفصل الثالث فى الحاسه اللمسیه «۱»

و أول الحواس الذى یصیر به الحیوان حیوانا هو اللمس، فإنه کما أن‏

______________________________
(۱)- راجع الفصل الثانى من الباب الرابع من نفس «الاسفار فى اللمس و احواله ص ۳۹ ج ۴ ط ۱- ج ۸ ص ۱۵۹ ط ۲.

قال العلامه الشیرازى فى شرح حکمه الاشراق ص ۴۵۴: «لکن اللمس اهمّ للحیوان فانهّ لمّا کان مرکبا من العناصر و کان صلاحه باعتدالها و فساده بتغالبها وجب ان یکون له قوه ساریه فى کلیته بها یدرک المنافى من الکیفیات».

و قال صدر المتألهین فى تعلیقاته علیه: «یرد علیه ان ما ذکره لا یدل على کون اللامسه قوه ساریه فى البدن کله و لا على عدم صحه بقاء الحیوان بدون اللامسه، و لو تم ما ذکره لدلّ على وجودها فى النباتات بل فى الجمادات فانها ایضا مرکبه من العناصر صلاحها ببقاء الاعتدال و فسادها بزواله و الذى یصلح ان یقال فى اثبات هذا المطلب ان قوه اللامسه لما کانت من شأنها ادراک کیفیات العناصر و هى اوائل المحسوسات من باب الحراره و البروده و الرطوبه و الیبوسه و موضوع هذه القوه ایضا مرکب کالحیوان من العناصر بحسب صورتها التى تلزمها هذه الاوائل لا بحسب مادتها المشترکه بین الکل فقوام هذه القوه ایضا بما به قوام الحیوان بما هو حیوان اعنى کیفیه الصوره العنصریه المتوسطه بین الاربع لاعتداله فلهذا سرت هذه القوه فى کل البدن الحیوانى لان طبیعتها کطبیعه الحیوان و مادتّها کمادّته و کذا کل عضو من الاعضاء الحیوانیه کاصل البدن مرکب من صوره هذه الکیفیات اعنى المعتدل المتوسط فاذن صلاحهها کصلاحه ببقاء الاعتدال و فسادها بفساده بزوال ذلک الاعتدال. فافهم یا حبیبى هذا فانه مع وضوحه دقیق.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۹۴

کل ذى نفس أرضیه فإن له قوه غاذیه، و یجوز أن یفقد قوه قوه من الأخرى و لا ینعکس، کذلک حال کل ذى نفس حیوانیه فله حس اللمس، و یجوز أن یفقد قوه قوه من الآخرى و لا ینعکس. و حال الغاذیه عند سائر قوى التى للنفس الأرضیه، حال اللمس عند سائر قوى الحیوان. و ذلک لأن الحیوان ترکیبه الأول هو من الکیفیات الملموسه، فإن مزاجه منها و فساده باختلالهما.

و الحس طلیعه للنفس، فیجب أن تکون الطلیعه الأولى، هو ما یدل على ما یقع به الفساد و یحفظ به الصلاح و أن تکون قبل الطلائع التى تدل على أمور تتعلق ببعضها منفعه خارجه عن القوام أو مضره خارجه عن الفساد.

و الذوق، و إن کان دالا على الشى‏ء الذى به تستبقى الحیاه من المطعومات، فقد یجوز أن یعدم الذوق و یبقى الحیوان حیوانا، فإن الاحساس الأخر ربما أعان على ارتیاد «۱» الغذاء الموافق و اجتناب المضارّ.

و أما الحواس الأخرى فلا تعین على معرفه أن الهواء المحیط بالبدن مثلا محرق أو مجمد. و بالجمله فإن الجوع شهوه الیابس الحار و العطش شهوه البارد الرطب. و الغذاء بالحقیقه ما یتکیف بهذه الکیفیات التى یدرکها اللمس. و أما الطعوم فتطییبات، فلذلک کثیرا ما یبطل حس الذوق لآفه تعرض فیکون الحیوان باقیا، فاللمس هو أول الحواس و لا بد منه لکل حیوان أرضى.

و أما الحرکه فلقائل أن یقول: إنها أخت اللمس للحیوان، و کما أن من‏

______________________________
(۱)- فان الحواس الاخرى ربما اعانت على ارتیاد، نسخه. الارتیاد اى الطلب.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۹۵

الحس نوعا متقدما کذلک قد یشبه أن یکون من قوى الحرکه نوع متقدم.

و أما المشهور فهو أن من الحیوان ما له حس اللمس و لیس له قوه الحرکه، مثل ضروب من الأصداف.

لکنا نقول: إن الحرکه الإرادیه على ضربین: حرکه انتقال من مکان إلى مکان، و حرکه انقباض و انباسط للأعضاء من الحیوان و إن لم یکن به انتقال الجمله من موضعه فیبعد أن یکون حیوان له حس اللمس و لا قوه حرکه فیه ألبته، فإنه کیف یعلم أنه له حس اللمس إلا بأن یشاهد فیه نوع هرب من ملموس و طلب لملموس. و أما ما یتمثلون هم به من الأصداف و الإسفنجات‏ «۱» و غیرها، فإنا نجد للأصداف فى غلفها حرکات انقباض و انبساط و التواء و امتداد فى أجوافها؛ و إن کانت لا تفارق أمکنتها، و لذلک یعرف أنها تحس بالملموس. فیشبه أن یکون کل ما له لمس فله فى ذاته حرکه مّا إرادیه إما لکلیته و إما لأجزائه.

و أما الأمور التى تلمس‏ «۲»، فإن المشهور من أمرها أنها الحراره

______________________________
(۱)- فى بحر الجواهر للهروى: اسفنج جسم بحرى رخو متخلخل کاللبد، و عامه الفرس تقولون انه «ابر مرده».

و اذا القى فى الماء نشفه و حمل منه قریبا من حبشه و هو جسم خفیف یمیل الى السواد غالبا ینبت فى صخور السواحل و منهم من یظن انه حیوان لانقباضه و تجمعه إذا لمس.

(۲)- قوله: و اما الامور التى الخ، هذا شروع فى بیان الاشیاء الملموسه و ذکر اولا انّ المشهور ذهب الى انها ثمانیه اشیاء، و هى الحراره و اخواتها السبعه. و البواقى تلمس تبعا لهذه الثمانیه. مثلا ان الصلابه تلمس تبعا للیبوسه، و اللزوجه تبعا للرطوبه. ثم تعرض لقول المشهور فى الملموس بذاته و الملموس بالعرض بان المشهور یظن ان الحراره و البروده تلمسان بذاتهما بلادخاله انفعال عضو حاس عبر عنه بالآله. و اما البواقى‏

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۹۶

و البروده و الرطوبه و الیبوسه و الخشونه و الملاسه و الثقل و الخفه. و أما الصلابه و اللین و اللزوجه و الهشاشه «۱» و غیر ذلک فإنها تحس تبعا لهذه المذکورات. فالحراره و البروده کل منهما یحس بذاته، لا لما یعرض فى الآله من الانفعال بها. و أما الصلابه و اللین و الیبوسه و الرطوبه فیظن‏ «۲» أنها لا تحس بذاتها، بل یعرض للرطوبه أن تطیع‏ «۳» لنفوذ ما ینفذ فى جسمه، و یعرض من الیبوسه أن تعصى فتجمع العضو الحاس و تعصره، و الخشونه أیضا یعرض لها مثل ذلک بأن تحدث الاجزاء الناتیه «۴» منه عصرا و لا تحدث الغائره شیئا، و الأملس یحدث ملاسه و استواء، و أما الثقل فیحدث تمددا إلى أسفل، و الخفه خلاف ذلک.

فنقول لمن یقول هذا القول: إنه لیس من شرط المحسوس بالذات أن یکون الإحساس به من غیر انفعال یکون منه، فإن الحار أیضا ما لم یسخّن لم یحسّ. و بالحقیقه لیس إنّما یحس ما فى المحسوس بل ما یحدث منه فى الحاس حتّى انّه ان لم یحدث ذلک لم یحس به. لکن المحسوس بالذات هو الذى تحدث منه کیفیه فى الآله الحاسه مشابهه لما فیه فیحس. و کذلک الانعصار عن الیابس و الخشن و التملس من‏

______________________________
– سواء کانت توابع و غیرها فهى تحسّ بدخاله عضو حاس. و بعد نقل ظن المشهور اخذ فى ردهم حیث قال: فنقول لمن یقول هذا القول ….

(۱)- فى تعلیقه نسخه: الهشاشه ما یصعب تشکیله و یسهل تفریقه لغلبه الیابس و قله الرطب مع ضعف المزاج و اللزوجه مقابله لها.

(۲)- اى المشهور.

(۳)- اى ان تطیع الرطوبه لنفوذ العضو الحاس ینفذ فى جسم المحسوس البعید اى المحسوس بالعرض.

(۴)- الاجزاء الناتیه من النتو و الناتیه تقابل الغائره. منه، اى من الجسم الخشن.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۹۷

الأملس و التمدد إلى جهه معلومه من الثقیل و الخفیف، فإن الثقل و الخفه میلان و التمدد أیضا میل إلى نحو جهه مّا. فهذه الأحوال إذا حدثت فى الآله أحس بها لا بتوسط حر أو برد، أو لون أو طعم، أو غیر ذلک من المحسوسات، حتى کان یصیر لأجل ذلک المتوسط غیر محسوس أوّلى أو غیر محسوس بالذات، بل محسوسا ثانیا أو بالعرض. و لکن هاهنا ضرب آخر «۱» مما یحس مثل تفرق الاتصال الکائن‏

______________________________
(۱)- قوله: و لکن هیهنا ضرب آخر، حاصل السؤال ان تفرق الاتصال امر عدمى و ادراک ألمه امر وجودى فکیف یلمس التفرق و هو لیس بشى‏ء من الامور المعدوده التى تلمس، و کذا السؤال فى نحو لذه الجماع؟ فاجاب بان الحیوان متحقق اى متکون من المزاج و الترکیب و المراد من الترکیب هو مقابل التفرق اى الاتصال. و لکل واحد منهما صحه و مرض و المرض ایضا قد یکون مفسد المزاج اى قد یکون مهلکا وقد لا یکون و کذلک المرض العارض للترکیب قد یکون مهلکا و قد لا یکون. و اللمس حس یتقى به ما یفسد به المزاج و الترکیب ایضا. فالالم و الراحه من الالم من المحسوسات اللمسیه.

ثم اورد فى الاثناء بعض الآراء تسدیدا للسؤال و قال: و خصوصا و قد ظن بعض الناس الخ. و ردّه بقوله: لیس کذلک، لان الحار و البارد یتغیر بکل واحد منهما المزاج و بذلک التغیر یحس کل واحد منهما و الحال انّ المزاج باق على استوائه و اتصاله و اعتداله. یعنى ان ذلک المزاج مع تغیره الانفعالى لا یخرج عن الاستواء، یعنى لا یتحقق تفرق الاتصال لانه لو تحقق ذلک التفرق لا یکون جمیع اجسام العضو اللامس متشابها مستویا، و الحال انّ جمیع اجسام العضو مستو متشابه مع صدق ذلک التغیر الانفعالى فلا یکون سائر الکیفیات اى جمیعها انما تحس بتوسط ما یحدث من تفرق الاتصال.

و بعد ذلک اجاب عن سؤال مقدر و هو انّ بعض الامراض مع شدته لا یحس کالدق یعنى حمى الدق و بعضها مع کونه لیس بتلک الشده یحسّ کالغب اى حمى الغب.

فاجاب عنه بقوله: و نقول انّ کل حال الخ.

ثم اعلم انّ لصدر المتألهین فى الفصل الخامس من القسم الثالث من الجواهر و الاعراض من الاسفار تحقیقا انیقا فى المقام (ص ۴۱ ج ۲ ط ۱ ص ۱۲۵ ج ۴ ط ۲) فراجع.

و راجع ایضا العین الثامنه عشره من عیون مسائل النفس.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۹۸

بالضرب و غیر ذلک، و ذلک لیس بحراره و لا بروده و لا رطوبه و لا یبوسه و لا صلابه و لا شى‏ء من المعدودات، «۱» و کذلک أیضا الإحساس بالملذات اللمسیه مثل اللذه التى للجماع و غیر ذلک، فیجب أن ننظر أنها کیف هى و کیف تنسب إلى القوه اللمسیه و خصوصا و قد ظن بعض الناس أن سائر الکیفیات إنما تحس بتوسط ما یحدث من تفرق الاتصال. و لیس کذلک‏ «۲»، فإن الحار و البارد من حیث یتغیر به المزاج یحس على استوائه، و تفرق‏ «۳» الاتصال لا یکون مستویا متشابها فى جمیع الاجسام.

لکنا نقول‏ «۴»: إنه کما أن الحیوان متکون بالامتزاج الذى للعناصر، کذلک هو متکون أیضا بالترکیب. و کذلک الصحه و المرض، فإن منهما ما ینسب إلى المزاج و منهما ما ینسب إلى الهیئه و الترکیب. و کما أن من فساد المزاج منه ما هو مفسد کذلک من فساد الترکیب منه ما هو مهلک؟

و کما أن اللمس حس یتقى به ما یفسد المزاج، کذلک هو حس یتقى به ما یفسد الترکیب. فاللمس أیضا یدرک به تفرق الاتصال و مضاده و هو عوده إلى الالتئام.

و نقول: إن کل حال مضاده لحال البدن فإنها یحس بها عند الاستحاله و عند الانتقال إلیها، و لا یحس بها عند حصولها و استقرارها. و ذلک لأن الإحساس انفعال مّا أو مقارن لانفعال مّا، و الانفعال إنما یکون عند زوال‏

______________________________
(۱)- فى المطبوعه بمصر: و لا صلابه و لالین و لا شى‏ء من المعدودات. و لکن المتن موافق لنسخنا الثلاثه المخطوطه.

(۲)- جواب عن ذلک الظن.

(۳)- الواو حالیه.

(۴)- جواب عن قوله: و لکن هیهنا ضرب آخر الخ.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۹۹

شى‏ء و حصول شى‏ء، و أما المستقر فلا انفعال به. و ذلک فى الأمزجه الموافقه و الردیئه معا، فإن الأمزجه الردیئه إذا استقرت و أبطلت الأمزجه الأصلیه حتى صارت هذه الردیئه کانها أصلیه لم یحس بها، و لذلک لا تحس بحراره الدق و إن کانت أقوى من حراره الغب. و أما إن کانت الأصلیه موجوده بعد و هذه الطارئه مضاده لها أحس بها، و هذا یسمى سوء المزاج المختلف، و هذا المستقر یسمى سوء المزاج المتفق، فالألم و الراحه من الألم أیضا من المحسوسات اللمسیه.

و یفارق اللمس فى‏ «۱» هذا المعنى سائر الحواس، و ذلک لأن الحواس‏

______________________________
(۱)- قوله: و یفارق اللمس، اقول: اللمس لانغماره فى الطبیعه کان ادراکه فى منغمره و کذا الذوق و الشم. فهذه الثلاثه احکام الطبیعه غالبه علیها فلا یتحقق ادراکها الا بمماسه محسوساتها الخارجیه اعنى بها المحسوس بالعرض فتلتذ و تالم کل واحده منها من محسوساتها القریبه اعنى بها الذاتیه فى موطنها و منغمرها. بخلاف البصر و السمع فانّ لهما شأنا من التفوق و الاستعلاء على الطبیعه فلالذه و لا الم لهما من محسوساتهما المبصره و المسموعه. بل النفس تلتذ و تتالم من داخل.

فان قلت: ان النفس مطلقا مدرکه لان تلک القوى کلها فروعها فلافرق من هذه الحیثیه بین تلک الثلاثه و بین هاتین.

قلت: لا مشاحه فى ذلک و انما الکلام فى ان اللمس الذى من فروع النفس انما هو مدرک فى موطنه و إنما یلتذ او یالم من ملموسه فى موطنه و منغمره من حیث انه ملموسه و کذا الذوق و الشم. بخلاف البصر و السمع فانهما لا یلتذان و لا یتألمان من مدرکاتهما من حیث انها مبصره او مسموعه و انما ذلک الالتذاذ و التألم للنفس من داخل لا فى موطنهما. فان اصابتهما لذه او الم فانما تلک الاصابه من حیث اللمس السارى فیهما کسائر اللوامس.

و بالجمله اللمس منغمر فى الطبیعه و ان کان فى الرتبه فوقها. یعنى ان الطبیعه اذا صوعدت صارت لمسا و اللمس اذا صوعد صار ذوقا و هکذا الذوق اذا صوعد صار شمّا، و الشم سمعا و السمع بصرا و البصر خیالا و الخیال عقلا و ان للنفس فى کل واحده

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۰۰

الأخرى: منها ما لا لذه لها فى محسوسها و لا ألم. و منها ما یلتذ و یألم بتوسط أحد المحسوسات. فأما التى لا لذه فیها فمثل البصر لا یلتذ بالألوان‏

______________________________
– منها حکما بحسبها. و لکل واحده منها بحسب انغمارها فى الطبیعه و انقهارها علیها حکما آخر و ان کان حکمها حکمها فافهم.

ثم ان لصدر المتألهین کلاما فى المقام فى الاشراق السادس من الشاهد الاول من المشهد الثالث من الشواهد الربوبیه (ص ۱۳۳ ط ۱- ۱۹۱ ط ۲) قال: «حکمه عرشیه: و مما ذکره الشیخ فى القانون: ان هاتین القوتین [السمع و البصر] لا لذه لهما فى محسوسیها و لا الم بخلاف البواقى. فعجزت عن درکه شرّاح القانون و اعترضوا علیه و طال الکلام بینهم جرحا و تعدیلا و لم یأتوا عن آخرهم بشى‏ء یطمئن به القلب. و فیما قسم لنا من الملکوت ان الحیوان بما هو حیوان تتقوم ماده حیاته من الکیفیات الملموسه و هذه اولى مرتبه الحیوانیه التى لا یخلو منها حیوان. کما لا یخلو حیوان من قوه اللمس لانّ المدرک من کل شى‏ء و الشاعر من کل حىّ قوه من باب ما یدرکه و آله من جنس ما یشعر به و یحضر عنده اذ به یخرج من القوه الى الفعل فالملایم و المنافر للحیوان بما هو حیوان و لأدنى الحیوانات اولا و بالذات انّما هما من مدرکات قوه اللمس لانها یتقوم بها بدنه.

ثم مدرکات الذائقه فى الحیوانات المرتفعه درجتها قلیلا عن ادنى المراتب فیفتقر الى اغذیه مخصوصه و الى قوه من شأنها تمییز النافع عن الضار فیما یتغذى و یزداد به بدنه من المذوقات و تالى الکیفیتین فى الملایمه و المنافره مدرکات الشامه حیث یتغذى بها لطائف الاعضاء کالارواح البخاریه.

و اما مدرکات السامعه و الباصره فلیس للحیوان بما هو حیوان الیها حاجه قریبه لانّ بدنه لیس مرکبا من الاصوات و لا من الاضواء و لا الالوان و لا شک فى أن الآلات الحساسه جسم حیوانى و اللذه هى ادراک الملایم و الملایم للجسد الحیوانى اما الملموس او المذوق او المشموم لا الاصوات و الانوار بل هى ملایمه للنفس التى هى من عالم النور کما سیجى‏ء و قس علیها حال الالم. و مما یؤکد ما ذکرنا ان جنس الحیوان مده مدیده فى الموضع المظلم الخالى عن الصوت لا یوجب موته بخلاف حبسه عن الملموس لحظه و عن المطعوم ایّاما قلائل و الشم ضرب من الطعم قد یصیر بدلا منه فى بعض الحیوان احیانا و فى الجنّ دائما». انتهى کلامه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۰۱

و لا یتألم، بل النفس تتألم من ذلک و تلتذ من داخل. و کذلک الحال فى الأذن، فإن تألمت الأذن من صوت شدید و العین من لون مفرط کالضوء فلیس تألم من حیث تسمع أو تبصر، بل من حیث تلمس، لأنه یحدث فیه ألم لمسى، و کذلک تحدث فیه‏ «۱» بزوال ذلک لذه لمسیه. و أما الشم و الذوق فتتألمان و تلتذان إذا تکیفتا بکیفیه منافره أو ملائمه. و أما اللمس فإنه قد یتألم بالکیفییه الملموسه و یلتذ بها، و قد یتألم و یلتذ بغیر توسط کیفیه هى المحسوس الأول، بل بتفرق الاتصال و التئامه.

و من الخواص التى للمس أن الآله الطبیعیه التى یحس بها و هى لحم عصبى أو لحم و عصب تحس بالمماسه، و إن لم یکن متوسط «۲» ألبته، فإنه لا محاله یستحیل عن المماسات ذوات الکیفیات؛ و إذا استحال عنها أحس، و لا کذلک حال کل حاسه مع محسوسها. و لیس یجب أن یظن أن الحساس هو العصب فقط، فإن العصب بالحقیقه هو مؤد للحس اللمسى إلى عضو غیره و هو اللحم. و لو کان الحساس نفس العصب فقط، لکان الحساس فى جلد الإنسان و لحمه شیئا منتشرا کاللیف، و کان حسه لیس بجمیع‏ «۳» أجزائه، بل أجزاء لیفیه فیه، بل العصب الذى لحس‏ «۴» اللمس مؤد و قابل معا. و العصبه المجوفه مؤدیه للبصر لکنها غیر

______________________________
(۱)- لانه یحدث فیها الم لمسى و کذلک تحدث فیها (کما فى المطبوعه بمصر). و مخطوطاتنا موافقه للمتن اى یحدث فى کل واحد منهما ….

(۲)- بتوسط. کما فى عده نسخ.

(۳)- لیس لجمیع اجزائه نسخه. قال الهروى فى بحر الجواهر: لیف بالکسر: پوست درخت خرما. و در طب عبارتست از ریشهاى پى و رباط. و فیه ایضا: البردیه هى الرطوبه الجلیدیه.

(۴)- الذى یحس اللمس. کما فى عده نسخ.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۰۲

قابله، إنما القابل ما إلیه تؤدى و هو البردیه أو ما هو مستول‏ «۱» علیه و هو الروح.

فبین إذن أن من طباع اللحم أن یقبل الحس، فان کان یحتاج أن یقبله من مکان آخر و من قوه عضو آخر توسط بینهما العصب. و أما إن کان المبدأ موجودا فیه فهو حساس بنفسه و إن کان لحما، و ذلک کالقلب. و إن انتشر فى جوهر القلب لیف عصبى‏ «۲»، فلا یبعد أن یکون لیلتقط عنه الحس و یؤدیه إلى أصل واحد یتأدى عنه إلى الدماغ، و عن الدماغ إلى أعضاء أخرى، کما سیتضح بعد. و کالحال فى الکبد من جهه انبثاث عروق لیفیه فیه لتقبل عنه و تؤدى إلى غیره، و یجوز أن یکون انبثاث اللیف فیه لیقوى قوامه و یشتد لحمه، و سنشرح هذه الأحوال فى مواضع آخر مستقبله.

و من خواص اللمس أن جمیع الجلد الذى یطیف بالبدن حساس باللمس و لم یفرد له جزء منه. و ذلک لأن هذا الحس لما کان طلیعه تراعى الواردات على البدن التى تعظم مفسدتها إن تمکنت من أى عضو وردت علیه، وجب أن یجعل جمیع البدن حساسا باللمس؛ و لأن الحواس الأخرى قد تتأدى إلیها الأشیاء من غیر مماسه و من بعید، فیکفى أن تکون‏

______________________________
(۱)- مشتمل، نسخه.

(۲)- قال فى الفصل الاول من التعلیم الخامس من کلیات القانون ص ۴۶ و ۴۷ من الطبع الناصرى و ص ۱۶ من الطبع الرحلى: قال کبیر الفلاسفه: العضو المعطى الغیر القابل هو القلب و هو الاصل الاول لکل قوه و هو یعطى لسایر الاعضاء القوى التى بها تغذو و التى بها تحس و التى بها تدرک و تحرک. قال الآملى فى شرحه: و انما قید الاصل بالاول لان الدماغ اصل ثان و کذا الکبد فى اعطائهما قوه الحس و الحرکه و التغذیه بعد قبولهما من القلب.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۰۳

آلتها عضوا واحدا إذا أورد علیه المحسوس‏ «۱» الذى یتصل به ضرر عرفت النفس ذلک فاتقته و تنحت بالبدن عن جهته. فلو کانت الآله اللامسه بعض الأعضاء، لما شعرت النفس إلا بما یماسها وحدها «۲» من المفسدات. و یشبه أن تکون قوى اللمس قوى کثیره «۳» کل واحد واحد منها تختص بمضاده، فیکون ما تدرک به المضاده التى بین الحار و البارد غیر الذى تدرک به المضاده التى بین الثقیل و الخفیف. فإن هذه أفعال أولیه للحس یجب أن تکون لکل جنس منها قوه خاصه، إلا أن هذه القوى لما انتشرت فى جمیع الآلات بالسویه ظنت قوه واحده، کما لو کان اللمس و الذوق منتشرین فى البدن کله انتشارهما فى اللسان لظن مبدآهما «۴» قوه واحده، فلما تمیزا فى غیر اللسان عرف اختلافهما.

و لیس یجب ضروره أن تکون لکل واحده من هذه القوى آله تخصها،

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: اما کون اللمس بهذه الحاله اى بأن لا یحس الا بالمماسه و القوى الاخرى لا تحتاج الیها لشده تأدیه هذه القوه دون سایر القوى.

(۲)- فى تعلیقه نسخه: دون باقى الاعضاء.

(۳)- فى تعلیقه نسخه: الملموسات لما کانت حقایق مختلفه محسوسه من حیث حقایقها المختلفه فان الثقل من حیث هو ثقل و البروده من حیث هى بروده ملموسان لا من حیث انه امر مشترک بینهما یکون هو ملموس بذاته و یکون الثقل و البروده و صفین لا حقین به فلا محاله یجب ان تکون القوه اللامسه متعدده بخلاف المبصرات فانها لیست محسوسه من حیث خصوصیاتها المتمایزه التى هى السوادیه و البیاضیه و غیرهما بل من حیث الاشتراک بینهما و هو کونها لونا فقط بحیث لو وجد اللون لما هولون فقط مجردا عن جمیع الخصوصیات لکان مبصرا لا محاله فلذلک لم یجعل محلها الاقوه واحده و فى آخر الفصل الخامس الاتى قال الشیخ ما مفاده هذا.

(۴)- المبدأ ان على التثنیه أضیف إلى الضمیر. و اعلم أن صدر المتألهین ذکر فى ص ۴۸ ج ۴ ط ۱- ص ۲۰۰ ج ۸ ط ۲ من نفس الأسفار إنحصار الحواس فى هذه الخمس فراجع.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۰۴

بل یجوز أن تکون آله واحده مشترکه لها، و یجوز أن یکون هناک انقسام فى الآلات غیر محسوس، و قد اتفق فى اللمس أن کانت الآله الطبیعیه «۱» بعینها هى الواسطه. و لما کان کل واسطه یجب أن یکون عادما فى ذاته لکیفیه ما یؤدیه، حتى إذا قبلها و أدّاها أدّى شیئا جدیدا، فیقع الانفعال عنه فیقع‏ «۲» الإحساس به. و الانفعال لا یقع إلا عن جدید کان کذلک أیضا آله اللمس.

لکن المتوسط الذى لیس هو مثلا بحار و لا بارد یکون على وجهین:

أحدهما على أنه لا حظّ له من هاتین الکیفتین أصلا؛ و الثانى ما له حظ منهما و لکن صار فیه إلى الاعتدال، فلیس بحار و لا بارد، بل معتدل متوسط.

ثم لم یمکن أن تکون آله اللمس خالیه أصلا عن هذه الکیفیات، لأنها مرکبه منها، فوجب أن یکون خلوها عن هذه الأطراف بسبب المزاج و الاعتدال لتحسّ ما یخرج عن القدر الذى لها. و ما کان من أمزجه اللامسات أقرب إلى الاعتدال، کان ألطف إحساسا. و لما کان الإنسان أقرب الحیوانات کلها من الاعتدال کان ألطفها لمسا. و لما کان اللمس أول الحواس، و کان الحیوان الأرضى لا یجوز أن یفارقه، و کان لا یکون إلا بترکیب معتدل لیحکم به بین الأضداد؛ فبیّن‏ «۳» من هذا أنه لیس للبسائط

______________________________
(۱)- یعنى العصب هو الواسطه فى تأدیه الحس اللمسى إلى عضو آخر هو اللحم.

(۲)- لیقع الإحساس به، نسخه.

(۳)- جواب «لما کان». و فى تعلیقه نسخه: قوله «فبیّن من هذا»: اى من انّ اعتدالا ما موجب للحکم بین الأضداد فالبسائط التى لا ترکیب فیها اصلا فضلا عن الاعتدال تکون خالیه عن القوه و کذلک ما یشبه البسائط کالجماد و النبات من المرکبات خالیه عن القوه لعدم الاعتدال فیهما.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۰۵

و ما یقرب منها «۱» حس ألبته و لا حیاه إلا النمو فى بعض ما یقرب من البسائط. فلیکن هذا مبلغ ما نقوله فى اللمس.

______________________________
(۱)- کالجماد و النبات.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۰۶

الفصل الرابع فى الذوق و الشم‏

و أما الذوق فإنه تال للّمس، و منفعته أیضا فى الفعل الذى به یتقوم البدن و هو تشهیه الغذاء و اختیاره، و یجانس اللمس فى شى‏ء و هو فى أن المذوق یدرک فى أکثر الأمر «۱» بالملامسه، و یفارقه فى أن نفس الملامسه لا تؤدى الطعم، کما أن نفس ملامسه الحار مثلا تؤدى الحراره، بل کأنه محتاج إلى متوسط یقبل الطعم و یکون فى نفسه لا طعم له و هو الرطوبه اللعابیه المنبعثه من الآله المسماه بالملعبه «۲». فإن کانت هذه الرطوبه عدیمه الطعوم أدت الطعوم بصحه و إن خالطها طعم، کما یکون للممرورین من المراره، و لمن فى معدته خلط حامض من الحموضه شابت ما تؤدیه بالطعم الذى فیه فتحیله مرا أو حامضا.

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: قوله «فى اکثر الامر» لعل مراده ان الذایق قد یمکن أن یلمس بعض المذوقات و لا یحس منه طعم.

(۲)- قوله- قدس سره- «من الآله المسماه بالملعبه» الملعبه بتقدیم المیم و کسرها من: ل- ع- ب اسم آله کالمکنسه اى آله تورث الرطوبه اللعابیه. و القرائه بتقدیم الباء على اللام من: ب- ل- ع ملحونه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۰۷

و مما فیه موضع نظر هل هذه الرطوبه إنما تتوسط بأن تخالطها أجزاء ذى الطعم مخالطه تنتشر فیها ثم تنفذ فتغوص فى اللسان حتى تخالط اللسان فیحسه، أو تکون نفس الرطوبه تستحیل إلى قبول الطعم من غیر مخالطه، فإن هذا موضع نظر. فإن کان المحسوس هو المخالط فلیست الرطوبه بواسطه مطلقه، بل واسطه تسهّل وصول الجوهر المحسوس الحامل للکیفیه نفسها إلى الحاس و أما الحس نفسه فإنما هو بملامسه الحاس للمحسوس بلاواسطه. و إن کانت الرطوبه تقبل الطعم و تتکیف به فیکون المحسوس بالحقیقه أیضا هو الرطوبه و یکون أیضا هو الرطوبه و یکون أیضا بلاواسطه «۱»، و یکون الطعم إذا لاقى آله الذوق أحسته، فیکون لو کان للمحسوس الوارد من خارج سبیل إلى المماسه الفائضه من غیر هذه الواسطه لکان ذوق، لا کالمبصر الذى لا یمکن أن یلاقى آله الإبصار بلاواسطه. و إذا مست الآله المبصر لم یدرک ألبته «۲»، لکنه بالحرى أن تکون هذه الرطوبه للتسهیل و أنها تتکیف و تختلط معا، و لو کان سبیل إلى الملامسه المستقصاه من غیر هذه الرطوبه لکان یکون ذوق.

فإن قیل: ما بال العفوصه تذاق و هى تورث السدد و تمنع النفوذ؟

فنقول: إنها أولا تخالط بوساطه هذه الرطوبه ثم تؤثّر أثرها من التکثیف و قد خالطت. و الطعوم التى یدرکها الذوق هى الحلاوه «۳» و المراره «۴»

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: اى کما فى الاول او کما یکون محسوسا بالذات.

(۲)- و اذا مست الآله المدرکه لم تدرک ألبته. (کما فى نسختین من الشفاء و نسخه اخرى کما فى المتن).

(۳)- شیرینى.

(۴)- تلخى.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۰۸

و الحموضه «۱» و القبض‏ «۲» و العفوصه «۳» و الحرافه «۴» و الدسومه «۵» و البشاعه «۶» و التفه‏ «۷». و التفه یشبه أن یکون کأنه عدم الطعم، و هو کما یذاق من الماء و من بیاض البیض. و أما هذه الأخرى فقد تکثرت بسبب أنها متوسطات‏ «۸» و أنها أیضا مع ما تحدث ذوقا یحدث بعضها لمسا، فیترکب من الکیفیه الطعمیه و من التأثیر اللمسى شى‏ء واحد لا یتمیز فى الحس، فیصیر ذلک الواحد کطعم محض متمیز، فإنه یشبه أن یکون طعم من الطعوم المتوسط بین الأطراف یصحبه طعم و تفریق و إسخان و تسمى جمله ذلک حرافه، و آخر یصحبه طعم و تفریق من غیر إسخان و هو الحموضه، و آخر یصحبه مع الطعم تجفیف و تکثیف و هو العفوصه.

و على هذا القیاس ما قد شرّح فى الکتب الطبیه.

و أما الشم فإنه و إن کان الإنسان أبلغ حیله فى التشمم من سائر

______________________________
(۱)- ترشى.

(۲)- خشکى.

(۳)- دبش، گلوگیر. و فى تعلیقه نسخه العفص و القابض متقاربان فى الطعم لکن القابض یقبض ظاهر اللسان و العفص باطنه ایضا.

(۴)- تندى، تیزى.

(۵)- چربى.

(۶)- بدمزه. قال السید فى شرح المواقف ص ۲۸۴ ج ۵: فمن الطعوم المرکبه ما له اسم على حده نحو البشاعه المرکبه من مراره و قبض کما فى الحضض. قال الجوهرى: شى‏ء بشع اى کریه الطعم یأخذ بالحلق (بحر الجواهر). و قال صدر المتالهین فى الاسفار: قد تترکب طعمان فى جرم واحد مثل اجتماع المراره و القبض و یسمى بشاعه. (الأسفار ج ۲ ص ۳۳ ط ۱- ج ۴ ص ۱۰۳ ط ۲).

(۷)- بى‏مزه.

(۸)- اى بین الاطراف یعنى المتوسط بین عدیم الطعم و شدید الطعم الذى اذا ورد على القوه یبطلها.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۰۹

الحیوانات‏ «۱» فإنه یثیر الروائح الکامنه بالدلک، و هذا لیس لغیره، و یتقصى فى تحسّسها بالاستنشاق، و هذا لا یشارکه فیه غیره. فإنه لا یقبل الروائح قبولا قویا حتى یحدث فى خیاله منها مثل ثابته کما تحصل للملموسات و المطعومات. بل تکاد أن تکون رسوم الروائح فى نفسه رسوما ضعیفه. و لذلک لا تکون للروائح عنده أسماء إلا من جهتین:

إحداهما من جهه الموافقه و المخالفه بأن یقال طیبه و منتنه، کما لو قیل للطعم إنه طیّب و غیر طیّب من غیر تصور فصل أو تسمیه.

و الجهه الأخرى أن یشتق لها من مشاکلتها للطعم اسم فیقال رائحه حلوه و رائحه حامضه، کأنّ الروائح التى اعتید مقارنتها لطعوم مّا تنسب إلیها و تعرف بها.

و یشبه أن یکون حال إدراک الروائح من الناس کحال إدراک أشباح الأشیاء و ألوانها من الحیوانات الصلبه العین، فإنها تکاد أن تکون إنما تدرکها کالتخیل غیر المحقق و کما یدرک ضعیف البصر شبحا من بعید.

و أما کثیر من الحیوانات الصلبه العین فإنها قویه جدا فى إدراک الروائح مثل النمل، و یشبه أن لا تحتاج أمثالها إلى التشمم و التنشق، بل تتأدى إلیها الروائح فى الهواء.

و واسطه الشم أیضا جسم لا رائحه له کالهواء و الماء و هى التى تحمل رائحه المشمومات‏ «۲».

______________________________
(۱)– قال الرازى: الانسان یکاد ان یکون ابلغ الحیوانات فى الشم إلا أنه أضعفها فى بقاء متمثله فى خیاله فانّ رسوم الروائح فى نفس الانسان ضعیفه جدا و لذلک لا یکون للروائح عنده اسماء إلا من وجهین.

(۲)- اى الواسطه هى التى تحمل رائحه المشمومات، نسخه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۱۰

و قد اختلف الناس فى الرائحه: فمنهم من زعم أنها تتأدى بمخالطه شى‏ء من جرم ذى الرائحه متحلل متبخر فیخالط المتوسط. و منهم من زعم أنها تتأدى باستحاله من المتوسط من غیر أن یخالطه شى‏ء من جرم ذى الرائحه متحلل عنه. و منهم من قال إنها تتأدى من غیر مخالطه شى‏ء آخر من جرمه و من غیر استحاله من المتوسط. و معنى هذا أن الجسم ذا الرائحه یفعل فى الجسم عدیم الرائحه و بینهما جسم لا رائحه له من غیر أن یفعل فى المتوسط، بل یکون المتوسط ممکّنا من فعل ذلک فى هذا، على ما یقال فى تأدى الأصوات و الألوان.

فحرى بنا أن نحقق هذا و نتأمله.

و لکن لکل واحد من المذعنین‏ «۱» بشى‏ء من هذه المذاهب حجه.

فالقائل بالبخار و الدخان یحتج و یقول: إنه لو لم تکن الرائحه تسطع بسبب تحلل شى‏ء، ما کانت الحراره و ما یهیج الحراره من الدلک و التبخیر و ما یجرى مجرى ذلک مما یذکى الروائح و لما کان البرد ممّا یحتبسها «۲».

فبین أن الروائح أنما تصل إلى الشم ببخار یتبخر من ذى الرائحه، یخالطه الهواء و ینفذ فیه، و لهذا إذا استقصیت تشمّم التفاحه ذبلت لکثره ما یتحلل منها.

و القائلون بالاستحاله احتجوا و قالوا: إنه لو کانت الروائح التى تملأ المحافل أنما تکون بتحلل شى‏ء لوجب أن یکون الشى‏ء ذو الرائحه ینقص وزنه و یقلّ حجمه مع تحلل ما یتحلل منه.

و قال أصحاب التأدیه: خصوصا إنه لا یمکننا أن نقول إن البخار

______________________________
(۱)- المدعین، نسخه.

(۲)- لا کان البرد یخفیها، نسخه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۱۱

یتحلل من ذى الرائحه فیسافر مائه فرسخ فما فوقه، و لا أیضا یمکننا أن نحکم أن ذا الرائحه أشد إحاله للأجسام من النار فى تسخینها، و النار القویه إنما تسخن ما حولها إلى حد، و إذا بلغ ذلک غلوه «۱» فهو أمر عظیم، و قد نجد من وصول الروائح إلى بلاد بعیده ما یزیل الشک فى أن وصولها لم یکن بسبب بخار انتشر أو استحاله فشت. فقد علم أن بلاد الیونانیین و المغاربه لا ترى فیها رخمه «۲» ألبته و لا تأوى إلیها و بینها و بین البلاد المرخمه مسافه کثیره تقارب ما ذکرناه‏ «۳». و قد اتفق فى بعض السنین أن وقعت ملحمه «۴» بتلک البلاد فسافرت الرخم إلى الجیف و لا دلیل لها إلا الرائحه، فتکون الرائحه قد دلت من مسافه بعدها بعد لا یجوز معه أن یقال إن الأبخره أو الاستحالات من الهواء وصلت إلیه.

فنقول نحن: إنه یجوز أن یکون المشموم هو البخار، و یجوز أن یکون الهواء نفسه یستحیل عن ذى الرائحه فیصیر له رائحه فیکون حکمه أیضا حکم البخار فیکون کل شى‏ء لطیف الأجزاء من شأنه أن ینفذ إذا بلغ آله الشم و لاقاها کان بخارا أو هواء مستحیلا إلى الرائحه أحس به‏ «۵». و قد علمت أن کل متوسط یوصل إلیه بالاستحاله، فإن المحسوس أیضا لو تمکّن من ملاقاه الحاسّ لأحسّ به بلاواسطه.

______________________________
(۱)- غلوه: مقدار یک تیر انداختن راه.

(۲)- کرکس، لاشخوار.

(۳)- اى تقارب مائه فرسخ.

(۴)- الملحه: الواقعه العظیمه القتل.

(۵)- بالرائحه: نسخه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۱۲

و مما یدل على أن الاستحاله لها مدخل فى هذا الباب، أنا مثلا نبخر الکافور تبخیرا یأتى على جوهره کله‏ «۱»، فتکون منه رائحه منتشره انتشارا إلى حد و قد یمکن أن تنتشر منه تلک الرائحه فى أضعاف ذلک الموضع بالنقل، و الوضع جزءا جزءا من ذلک المکان کله حتى یتشمم منه فى بقعه ضیقه صغیره من تلک الأضعاف مثل تلک الرائحه. فإذا کان فى کل واحده من تلک البقاع الصغیره یتبخر منه شى‏ء فیکون مجموع الأنجره التى تتحل منه فى جمیع تلک البقاع التى تزید على البقعه المذکوره أضعافا مضاعفه للبخار کله الذى یکون بالتبخیر أو مناسبا له، فیجب أن یکون النقصان الوارد علیه فى ذلک‏ «۲» قریبا من ذلک‏ «۳» أو مناسبا له و لا یکون.

فبین أن هاهنا للاستحاله مدخلا.

و أما حدیث التأدیه «۴» المذکوره فأمر بعید، و ذلک لأن التأدیه لا تکون إلا بنسبه مّا و نصبه «۵» للمؤدى عنه إلى المؤدى إلیه. و أما الجسم ذو الرائحه فلیس یحتاج إلى شى‏ء من ذلک، فإنک لو توهمت الکافور قد نقل إلى حیث لا تتأدى إلیک رائحته، بل قد عدم دفعه، لم یمنع أن تکون رائحته بعده‏ «۶» باقیه فى الهواء، فذلک لا محاله لاستحاله أو مخالطه.

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: اى بحیث یفنى کله.

(۲)- اى النقل.

(۳)- فى تعلیقه نسخه: اى التبخیر الذى وقع على جوهره.

(۴)- و هو المذهب الثالث.

(۵)- کما فى جمیع النسخ التى عندنا و هذا هو الصواب. فمعنى العباره على قرائه الصاد فى النسبه الثانیه ظاهر. و على قرائه السین بیان للنسبه الأولى و التأسیس أولى من التأکید.

(۶)- اى بعد النقل و العدم.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۱۳

و أما حدیث الرخم فإنّه قد یجوز أن تکون ریاح قویه تنقل الروائح و الأنجره المتحلله عن الجیف إلى المسافه المذکوره فى أعلى الجو فیحسّ بها ما هو أقوى حسا من الناس و أعلى مکانا مثل الرخم و غیره. و أنت تعلم أن الروائح و إن کانت قد تصل إلى کثیر من الحیوانات فوق ما تصل إلى الناس بکثیر، فقد تتأدى إلیها المبصرات من مسافاه بعیده و هى تحلّق‏ «۱» فى الجو حتى یبلغ إبصارها فى البعد مبلغا بعیدا جدا، و حتى یکون ارتفاعها أضعاف ارتفاع قلل الجبال الشاهقه. و قد رأینا قلل جبال شاهقه جدا و قد جاوزتها النسور «۲» محلقه، حتى یکاد أن یکون ارتفاعها ضعف ارتفاع تلک الجبال. و قلل تلک الجبال قد ترى من ست أو سبع مراحل، و لیس نسبه الارتفاع إلى الارتفاع کنسبه بعد المرئى إلى بعد المرئى‏ «۳»، فإنک ستعلم فى الهندسه أن النسب فى الأبعاد التى منها یرى أعظم و أکبر. فلا یبعد أن تکون الرخم قد علت فى الجو بحیث ینکشف لها بعد هذه المسافه فرأت الجیف، فإن کان یستنکر تأدى أشباح هذه الجیف إلیها

______________________________
(۱)- تحلیق الطائر: ارتفاعه فى طیرانه. ص‏

(۲)- نسر: کرکس، ج: نسور.

(۳)- الرائى، نسخه. و فى تعلیقه نسخه: «قوله: و لیس نسبه الارتفاع الى الارتفاع کنسبه بعد المرئى الى بعد المرئى، لأنه یمکن أن یکون الارتفاع مثلا عشره أذرع و یرى بعد المرئى من العمود الخارج عن البصر الى السطح بهذا الارتفاع خمسین ذراعا مثلا. فاذا صار الارتفاع خمسه عشر ذراعا مثلا یرى هذا المرئى بعیدا عن العمود المذکور عشره اذرع مثلا. فلا تکون نسبه الارتفاع الى الارتفاع کنسبه بعد المرئى من العمود الى بعد المرئى من العمود.

و بیان ما ذکره: ان الابعاد ترى من المواضع البعیده اقصر فان کل مرئى واقع فى سطح یرتفع عنه البصر فانه یرى اقرب اذا صار البصر ارفع. فلیکن السطح «ا- ب»، و المرئى «ب»، و البصر هو «ه» مرتفع عنه بقدر «ا- ج».

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۱۴

فتأدى روائحها التى هى أضعف تأدیا أولى بالاستنکار. و کما أنه لیس یحتاج کل حیوان فى تحریک الجفن و المقله إلى أن یبصر کذلک لیس یحتاج کل حیوان إلى استنشاق حتى یشم، فإن کثیرا منها یأتیها الشم من غیر تشمم.

______________________________
– فنقول: انّ «ب» یرى اقرب من «الف» موقع العمود الخارج من البصر الى السطح اذا صار «ج» «د» بقدر «ا- ج». لان زاویه «ا- ب- د» اعظم من زاویه «أ- ب- ج» و زاویه «الف» بحاله. فتکون زاویه «ا ج ب» اعظم من زاویه «ا د ب». و ایضا زاویه «ا ج ب» خارجه عن مثلث «د ج ب». و له وجوه اخرى.

ثم انّ فى تعلیقه اخرى توضیح على هذه التعلیقه السابقه ذکرها و هو: «قوله فان کل مرئى واقع فى سطح یرتفع عنه البصر فانه یرى اقرب اذا صار البصر ارفع»: اى اقرب من موقع العمود الخارج من البصر الى السطح کما یظهر من عبارته فیما بعد».

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۱۵

الفصل الخامس فى حاسه السمع‏

و إذ قد تکلمنا فى أمر اللمس و الذوق و الشم، فبالحرى أن نتکلم فى أمر السمع. فنقول: إن الکلام فى أمر السمع یقتضى الکلام فى أمر الصوت و ماهیته، و قد یلیق بذلک الکلام فى الصدى. فنقول:

إن الصوت لیس أمرا قائم الذات موجودا ثابت الوجود یجوز فیه ما یجوز فى البیاض و السواد و الشکل من أحکام الثبات على أن یصح فرضه ممتد الوجود و أنه مثلا لم یکن له مبدأ وجود زمانى کما یصح هذا الفرض فى غیره، بل الصوت بیّن واضح من أمره أنه أمر یحدث و أنه لیس یحدث إلا عن قلع أو قرع. أما القرع فمثل ما تقرع صخره أو خشبه فیحدث صوت. و أما القلع فمثل ما یقلع أحد شقى مشقوق عن الآخر کخشبه تنحى علیها بأن یبین أحد شقیها عن الآخر طولا. و لا تجد أیضا مع کل قرع صوتا، فإن قرعت جسما کالصوف بقرع لین جدا لم تحس صوتا، بل یجب أن تکون للجسم الذى تقرعه مقاومه مّا، و أن یکون للحرکه التى للمقروع به إلى المقروع عنیف صادم‏ «۱»، فهناک تحس. و کذلک أیضا إذا

______________________________
(۱)- و ان یکون للحرکه التى للمقروع به الى المقروع عنف صادم. (کما فى النسخ التى‏

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۱۶

شققت شیئا یسیرا و کان الشى‏ء لا صلابه له لم یکن للقلع صوت ألبته.

و القرع بما هو قرع لا یختلف، و القلع أیضا بما هو قلع لا یختلف. لأن أحدهما إمساس و الآخر تفریق، لکن الإمساس یخالف الإمساس بالقوه و السرعه، و التفریق أیضا یخالف التفریق بمثل ذلک. و لأن کل صائر إلى مماسه شى‏ء فیجب أن یفرغ لنفسه مکان جسم آخر کان مماسا له لینتقل إلیه، و کل مقلوع عن شى‏ء فقد یفرغ مکانه حتى یصار إلیه.

و هذا الشى‏ء الذى فیه هذه الحرکات شى‏ء رطب سیال لا محاله إما ماء و إما هواء، فتکون مع کل قرع و قلع حرکه للهواء و ما یجرى مجراه إما قلیلا قلیلا و برفق، و إما دفعه على سبیل تموج أو انجذاب بقوه. و قد وجب هاهنا شى‏ء لا بد أن یکون موجودا عند حدوث الصوت و هو حرکه قویه من الهواء أو ما یجرى مجراه.

فیجب أن یتعرف هل الصوت هو نفس القرع أو القلع، أو هو حرکه «۱» موجیّه تعرض للهواء من ذلک، أو شى‏ء ثالث یتولد من ذلک أو یقارنه. أما القلع و القرع فإنهما یحسان بالبصر بتوسط اللون و لا شى‏ء من الأصوات یحس بتوسط اللون، فلیس القلع و القرع بصوت، بل إن کان‏

______________________________
– عندنا و لکن الاصح بل الصواب هو ما فى المتن) اى تکون الحرکه التى للمقروع به الى المقروع عنیف صادم.

(۱)- فى تعلیقه نسخه: مدت حرکت صوت در هواى معتدل در هر ثانیه سیصد و چهل متر است. یعنى مسافتى را که طى مى‏کند در مدت یک ثانیه مساوى است با ۳۴۰ متر.

و انتشار صوت در اجسام جامده اسرع از اجسام هوائى و موایع است از قرارى که تجربه شده و ضبط کرده‏اند در یک ثانیه صوت در آب هزار و چهارصد و سى و پنج متر مسافت را طى مى‏کند و بتوسط آهن هزار و پانصد و هفتاد متر مسافت را در مدت یک ثانیه طى مى‏کند. از ترجمه کتب فرنگى نوشته شد.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۱۷

و لا بد فسببا الصوت‏ «۱».

و أما الحرکه فقد یتشکک فى أمرها، فیظن أن الصوت نفس تموج الهواء. و لیس کذلک أیضا، فإن جنس الحرکه یحس أیضا بسائر الحواس، و إن کان بتوسط محسوسات أخر. و التموج الفاعل للصوت قد یحس حتى یؤلم، فإن صوت الرعد یعرض منه أن تدک الجبال‏ «۲»، و ربما ضرب حیوانا فأفسده. و کثیرا ما یستظهر على هدم الحصون العالیه بأصوات البوقات؛ بل حس اللمس، کما أشرنا إلیه قبل أیضا قد ینفعل من تلک الحرکه من حیث هى حرکه و لا یحس الصوت، و لا أیضا من فهم أن شیئا حرکه فهم أنه صوت. و لو کانت حقیقه الصوت حقیقه الحرکه، لا أنه أمر یتبعها و یلزم عنها، لکان من عرف أن صوتا عرف أن حرکه.

و هذا لیس بموجود، فإن الشى‏ء الواحد النوعى لا یعرف و یجهل معا إلا من جهتین و حالین، فجهه کونه صوتا فى ماهیته و نوعیته، لیس جهه کونه حرکه فى ماهیته و نوعیته. فالصوت إذن عارض یعرض من هذه الحرکه الموصوفه یتبعها، و یکون معها، فإذا انتهى التموج من الهواء أو الماء إلى الصماخ- و هناک تجویف فیه هواء راکد یتموج بتموج ما ینتهى إلیه و وراءه کالجدار مفروش علیه العصب الحاس للصوت- أحس بالصوت.

______________________________
(۱)- قال الرازى: و یدل على بطلان المذهبین و جهان: الاول ان التموج محسوس باللمس لان الصوت الشدید ربما ضرب الصماخ فافسده و القلع و القرع یحسان بالبصر بتوسط اللون و لا شى‏ء من الاصوات یحس باللمس و البصر فلیس التموج و القلع و القرع بصوت. الثانى: ان الشى‏ء قد یعلم منه انّه تموّج او قرع او قلع و یجهل کونه صوتا و قد یعلم الصوت عندما یکون الامور الثلاثه مجهوله فتلک الامور الثلاثه مغایره للصوت.

(۲)- دکّ: کوفتن و هموار کردن. راجع الفصل ۱۴ من المقاله ۴ من الفن الاول من طبیعیات الشفاء- ط ۱- ص ۱۵۴.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۱۸

و مما یشکل من امر الصوت هل هو شى‏ء موجود من خارج تابع من خارج لوجود الحرکه أو مقارن أو إنما یحدث من حیث هو صوت إذا تأثر السمع به، فإنه لمعتقد أن یعتقد أن الصوت لا وجود له من خارج، و أنه یحدث فى الحس من ملامسه الهواء المتموج، بل کل الأشیاء التى تلامس ذلک الموضع بالمسّ أیضا تحدث صوتا فیه، فهل ذلک الصوت حادث بتموج الهواء الذى فى الصماخ أو لنفس المماسه.

و هذا أمر یصعب الحکم علیه، و ذلک لأن نافى وجود الصوت من خارج لا یلزمه ما یلزم نافى باقى الکیفیات الأخرى المحسوسه، لأن هذا له أن یثبت للمحسوس الصوتى خاصیه معلومه هى تفعل الصوت، و تلک الخاصیه هى التموج، فتکون نسبه التموج من الصوت نسبه الکیفیه التى فى العسل إلى ما یتأثر منه فى الحس. لکنه یختلف الأمر هاهنا، و ذلک لأن الأثر الذى یحصل من العسل فى الحاسه و من النار فى الحاسه هو من جنس ما فیهما. و لذلک فإن الذى یمس الحراره قد یسخن أیضا غیره إذا ثبت فیه الأثر. و لیس الصوت و التموج حالهما کذا، فإن التموج شى‏ء و الصوت شى‏ء، و التموج یحس بآله أخرى و تلک الکیفیه لا تحس بآله أخرى. و لیس یجب أیضا أن یکون کل ما یؤثر أثرا ففى نفسه مثل ذلک الأثر.

فیجب أن تتعرف حقیقه الحال فى هذا فنقول:

مما یعین على معرفه أن العارض المسموع له وجود من خارج‏ «۱» أیضا أنه لو کان إنما یحدث فى الصماخ نفسه لم یخل إما أن یکون التموج‏

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: اى خارج الصماخ.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۱۹

الهوائى یحس بالسمع من حیث هو تموج أو لا یحس. فإن کان التموج الهوائى یحس بالسمع- لست أقول یحس بلمس آله السمع- حسا من حیث هو تموج، فإما أن یحس به أوّلا أو بتوسط الصوت.

فلو کان یحس به أوّلا، و المحسوس الأوّل بالسمع هو الصوت و هذا مما لا شک فیه، کان التموج من حیث هو تموج صوتا، و قد أبطلنا هذا.

و لو کان یحس به بتوسط الصوت، لکان کل من سمع الصوت علم أن تموجا، کما أن کل من أحس لون المربع و المربع بتوسطه علم أن هناک مربعا و لیس کذلک.

و إن کان إنما یحس باللمس أیضا عرض منه ما قلنا «۱». فإذن لیس بواجب أن یحس التموج عند سماع الصوت. فلننظر ما یلزم بعد هذا.

فنقول: إن الصوت کما یسمع تسمع له جهته، فلا یخلو إما أن تکون الجهه تسمع لأن الصوت مبدأ تولده و وجوده فى تلک الجهه و من هنالک ینتهى، و إما لأن المنتقل المتأدى‏ «۲» إلى الأذن الذى لا صوت فیه بعد أن یفعل الصوت‏ «۳» إذا اتصل بالأذن ینتقل من تلک الجهه و یصدم من تلک الجهه فیخیل أن الصوت ورد من تلک الجهه، و إما للأمرین جمیعا.

فإن کان لأجل المنتقل وحده، فمعنى هذا هو أن المنتقل نفسه محسوس، فإنه إذا لم یشعر به‏ «۴» کیف یشعر بجهه مبدئه. فیلزم أن یحس‏

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: من ان کل من احس الصوت علم انّ تموجا ….

(۲)- اى التموج الفاعل للصوت.

(۳)- لا صوت فیه بعد بل یفعل الصوت الخ، کما فى نسخه مصحّحه.

(۴)- اى بالصوت. هذا ایضا مقدمه لا ثبات انّ للصوت وجودا فى الخارج.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۲۰

بالسمع عند إدراک جهه الصوت تموج الهواء. و قد قلنا: إن ذلک لیس بواجب.

و إن کان لأجلهما جمیعا، عرض من ذلک هذا «۱» المحال أیضا، و صح أن الصوت کان یصحب التموج‏ «۲».

فبقى أن یکون ذلک لأن الصوت نفسه تولد هناک و من هناک انتهى.

و لو کان الصوت إنما یحدث فى الأذن فقط، لکان سواء أتى سببه من الیمین أو الیسار، و خصوصا و سببه‏ «۳» لا یحس به. و هاهنا «۴» مؤثر فیه مثل نفسه فلا تدرک جهته‏ «۵» لأنه إنما یدرک‏ «۶» عند وصوله فکیف ما لا حدوث له إلا عند وصول سببه. فقد بان أن للصوت وجودا مّا من خارج لا من حیث هو مسموع بالفعل، بل من حیث هو مسموع بالقوه، و أمر کهیئه مّا من الهیئات للتموج غیر نفس التموج.

و یجب أن نحقق الکلام فى القارع و المقروع فنقول:

إنه لا بد فى القرع من حرکه قبل القرع و حرکه تتبع القرع، فأما الحرکه قبل القرع فقد تکون من أحد الجسمین و هو الصائر إلى الثانى، و قد تکون من کلیهما، و لا بد من قیام کل واحد منهما أو أحدهما فى وجه الآخر

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: اى ان یحس بالسمع عند ادراک جهه الصوت تموج الهواء.

(۲)- فى تعلیقه نسخه: اى ادراک الصوت مستلزم لادراک التموج.

(۳)- و هو التموج.

(۴)- اى فى الاذن.

(۵)- و هیهنا مؤثر مثل نفسه و قد لا تدرک جهته. کما فى ثلاث نسخ. و هیهنا مؤثر فیه مثل نفسه فلا تدرک الخ کما فى نسخه اخرى.

(۶)- اى السبب عند وصوله الى الصماخ فکیف ما لا حدوث له الا عند وصول سببه و هو الصوت مع الجهه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۲۱

قیاما محسوسا. فإنه إن اندفع أحدهما کما یمس‏ «۱»، بل فى زمان‏ «۲» لا یحس، لم یکن صوت. و القارع و المقروع کلاهما فاعلان للصوت، لکن أولیهما به ما کان أصلبهما و أشدهما مقاومه، فإن حظه فى ذلک أشد، و أما الحرکه الثانیه فهو انفلات الهواء و انضغاطه بینهما بعنف، و الصلابه تعین على شده ضغط الهواء و الملاسه أیضا لئلا ینتشر الهواء فى فرج الخشونه. و التکاثف أولى بذلک لئلا ینفذ الهواء فى فرج التخلخل.

و ربما کان الجسم المقروع فى غایه الرطوبه و اللین، لکنه إذا حمل علیه بالقوه و کلف الهواء المتوسط أن ینفذ فیه أو ینضغط فیما بینهما لم یکن ذلک الجسم أیضا بحیث یمکّن الهواء المتوسط أن ینفذ فیه و یشقه فى زمان قصیر، بل قاوم ذلک فلم یندفع فى وجه ذلک الهواء المتوسط، بل و قاوم أیضا القارع، لأن القارع کان یسومه‏ «۳» انخراقا کثیرا فى زمان قصیر جدا.

و لیس ذلک‏ «۴» فى قوه القابل و لا فى قوه الفاعل القارع، فامتنع من الانخراق، فقام فى وجه القارع و ضغط عن المتوسط «۵» فکانت المقاومه فیه مکان الصلابه. و أنت تعلم هذا إذا اعتبرت إمرارک السوط فى الماء برفق، فإنه یمکنک أن تشقه شقا من حیث لا تلزمک فیه مؤونه، فإن استعجلت استعصى علیک و قاوم. فالهواء أیضا کذلک، بل قد یجوز أن یکون الهواء نفسه یصیر جزء منه مقاوما و جزء بینه و بین المزاحم القارع‏

______________________________
(۱)- اى فى اول وقت اللمس.

(۲)- اى زمان قلیل.

(۳)- یسوقه، نسخه. سام فلان الامر: کلّفه ایاه. (القاموس).

(۴)- فى تعلیقه نسخه: اى انخراق الکثیر فى الزمان القلیل.

(۵)- فى نسخه: وضغظ معه المتوسط. و فى اخرى: و ضغط هواء المتوسط.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۲۲

منضغطا، بل یجوز أن یصیر الهواء أجزاء ثلاثه: جزء منه قارع کالریح، و جزء مقاوم، و جزء منضغط فیما بینهما على هیئه من التموج. و لیست الصلابه و التکاثف عله أولیه لإحداث هذا التموج، بل ذلک من حیث یعینان على المقاومه. و العله الأولیه هى المقاومه.

فالصوت یحدث من تموج الجسم الرطب السیال منضغطا بین جسمین متصاکّین متقاومین من حیث هو کذلک. و کما أن الماء و الهواء و الفلک تشترک فى طبیعه هى أداء الألوان، و تلک الطبیعه لها اسم و هو الشفیف، فکذلک الماء و الهواء لهما معنى یشترکان فیه من حیث یحدث فیهما الصوت، و لیکن اسمه قبول التموج، و لیس ذلک من حیث المتوسط ماء أو هواء کما أن الإشفاف لم یکن من حیث المتوسط فلکا أو هواء. و یشبه أن یکون الماء و الهواء لهما أیضا من حیث یؤدیان الرائحه أو الطعم معنى کذلک لا اسم له. فلتکن للرطوبه المؤدیه للطعم العذوبه، و أما ما یشترک فیه نقل الرائحه فلا اسم له.

و أما الصدى فإنه یحدث من تموج یوجبه هذا التموج، فإن هذا التموج إذا قارنه‏ «۱» شى‏ء من الأشیاء کجبل أو جدار حتى وقّفه، لزم أن ینضغط أیضا بین هذا التموج المتوجه إلى قرع الحائط أو الجبل، و بین ما «۲» یقرعه هواء آخر یردّ ذلک‏ «۳» و یصرفه إلى خلف بانضغاطه فیکون شکله الشکل‏

______________________________
(۱)- قاومه، نسخه.

(۲)- من الجبل او الحائط.

(۳)- فى تعلیقه نسخه: قوله یردّ ذلک اى هذا الهواء الاخر ذلک اى المتموج المتوجه الى حریم الحائط و یصرفه الى خلف بانضغاطه اى بانضغاط ذلک الهواء الاخر الذى یکون بین هذا المتموج المتوجه الى القرع و بین ما یقرعه و هذا المنضغط ینبسط فیردّ الهواء القارع.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۲۳

الأول و على هیئته، کما یلزم الکره المرمى بها الحائط أن تضطر الهواء إلى التموج فیما بینهما و أن ترجع القهقرى. و قد بینا فیما سلف‏ «۱» ما العله فى رجوع تلک الکره قهقرى، فلتکن هى العله فى رجوع الهواء.

و قد بقى علینا أن ننظر «۲» هل الصدى هو صوت یحدث بتموج الهواء الذى هو التموج الثانى‏ «۳»، أو هو لازم لتموج الهواء الأول المنعطف النابى نبوا «۴» فیشبه أن یکون هو تموج الهواء المنعطف النابى، و لذلک یکون على صفته و هیئته، و أن لا یکون القرع الکائن من هذا الهواء یولد صوتا من تموج هواء ثان یعتد به. فإن قرع مثل هذا الهواء قرع لیس بالشدید، و لو کان شدیدا بحیث یحدث صوتا لأضر بالسمع. و یشبه أن یکون لکل صوت صدى و لکن لا یسمع، کما أن لکل ضوء عکسا، و یشبه أن یکون السبب فى أن لا یسمع الصدى فى البیوت و المنازل فى أکثر الأمر أن المسافه إذا کانت قریبه بین المصوّت و بین عاکس الصوت لم یسمعا فى زمانیین متباینین، بل یسمعان معا کما یسمع صوت القرع‏

______________________________
(۱)- فى الفصل الرابع عشر من المقاله الرابعه من طبیعیات الشفاء ص ۱۵۴ الطبع الرحلى.

(۲)- قوله بقى علینا ان ننظر. قال صاحب المواقف: «الظاهر ان الصدى- اى سبب الصدى- تموج هواء جدید لا رجوع الهواء الاول. و ذلک لان الهواء اذا تموج على الوجه الذى عرفته حتى صادم التموج جسما یقاومه و یردّه الى خلف لم یبق فى الهواء المصادم ذلک التموج الذى کان حاصلا له بل یحصل فیه بسبب مصادمته و رجوعه تموج شبیهه بالتموج الاول. فهذا التموج الجدید الحاصل بالمصادمه و الرجوع هو سبب للصدى الشبیه بالصوت الاول و قد یظن ان الهواء المصادم یرجع متصفا بتموجه الاول بعینه فیحمل ذلک الصوت الاول الى السامع الا ترى ان الصدى یکون على صفته و هیئته و هذا و ان کان محتملا الّا انّ الاول هو الظاهر.»

(۳)- فى تعلیقه نسخه: و هو الهواء المنضغط بین التموج الاول و بین الجدار بعد الرجوع.

(۴)- نبوه و نباوه: برآمدن و بلند شدن.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۲۴

معه و إن کان بعده بالحقیقه. و أما إذا کان العاکس بعیدا فرّق الزمان بین الصوتین تفریقا محسوسا، و إن کان صلبا أملس فهو لتواتر الانعکاس منه بسبب قوه النبو یبقى زمانا کثیرا کما فى الحمامات. و یشبه أن یکون هذا هو السبب فى أن یکون صوت المغنى فى الصحراء أضعف و صوت المغنى تحت السقوف أقوى لتضاعفه بالصدى المحسوس معه فى زمان کالواحد.

و یجب أن یعلم أن التموج لیس هو حرکه انتقال من هواء واحد بعینه، بل کالحال فى تموج الماء یحدث بالتداول‏ «۱» بصدم بعد صدم مع سکون قبل سکون، و هذا التموج الفاعل للصوت سریع لکنه لیس بقوى الصک.

و لمتشکک أن یتشکک فیقول: إنه کما قد تشککتم فى اللمس فجعلتموه قوى کثیره لأنه یدرک متضادات کثیره، فکذلک السمع أیضا یدرک المضاده التى بین الصوت الثقیل و الحاد، و یدرک المضاده التى بین الصوت الخافت و الجهیر و الصلب و الأملس و المتخلل و المتکاثف، و غیر ذلک. فلم لا تجعلونه قوى؟

فالجواب عن ذلک أن محسوسه الأول هو الصوت، و هذه أعراض تعرض لمحسوسه الأول بعد أن یکون صوتا. و أما هناک فکل واحده من المتضادات تحس لذاتها، لا بسبب الآخر. فلیکن هذا المبلغ فى تعریف الصوت و الإحساس به کافیا.

______________________________
(۱)- تداولته الایدى: اى اخذته هذه مرّه و هذه مرّه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۲۵

المقاله الثالثه فى الإبصار

ثمانیه فصول الفصل الأول: فى الضوء و الشفیف و اللون.

الفصل الثانى: فى مذاهب و شکوک فى امر النور و الشعاع و ان النور لیس بجسم بل هو کیفیه یحدث فیه.

الفصل الثالث: فى تمام مناقضه المذاهب المبطله لان یکون النور شیئا غیر اللون الظاهر و کلام فى الشفاف و اللامع.

الفصل الرابع: فى تأمل مذاهب قیلت فى الالوان و حدوثها.

الفصل الخامس: فى اختلاف المذاهب فى الرؤیه «۱» و ابطال المذاهب الفاسده بحسب الامور نفسها.

______________________________
(۱)- راجع لتوضیح کلام القوم فى الرؤیه کشکول الشیخ البهائى ص ۲۶۲ طبع نجم الدوله. و ایضا الجمع بین رأیین للفارابى.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۲۶

الفصل السادس: فى ابطال مذاهبهم من الاشیاء و المقوله فى مذاهبهم.

الفصل السابع: فى حلّ الشبه التى اوردوها، و فى اتمام القول فى المبصرات التى لها اوضاع مختلفه من مشفّات و من صقیلات.

الفصل الثامن: فى سبب رؤیه الشى‏ء الواحد کشیئین.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۲۷

الفصل الأول فى الضوء و الشفیف و اللون‏

و حرّى بنا الآن أن نتکلم فى الإبصار، و الکلام فیه یقتضى الکلام فى الضوء و فى المشف و فى اللون و فى کیفیه الاتصال الواقع بین الحاس و المحسوس البصرى، فلنتکلم أولا على الضوء فنقول:

إنه یقال ضوء و یقال نور و یقال شعاع، و یشبه أن لا یکون بینها فى وضع اللغه کثیر تفاوت، لکنا نحتاج فى استعمالنا إیاها أن نفرّق بینها لأن هاهنا معانى ثلاثه متقاربه:

أحدها الکیفیه التى یدرکها البصر فى الشمس و النار من غیر أن یقال إنه سواد أو بیاض أو حمره أو شى‏ء من هذه الألوان.

و الثانى الأمر الذى یسطع من هذا الشى‏ء فیتخیل أنه یقع على الأجسام فیظهر بیاض و سواد و خضره، و الآخر الذى یتخیل على الأجسام کأنه یترقرق‏ «۱» و کأنه یستر لونها و کأنه شى‏ء یفیض‏ «۲» منها، فإن کان فى جسم قد استفاد ذلک من جسم آخر سمى بریقا کما یحس فى‏

______________________________
(۱)- کأنه یترفرف و کأنه یستر، کما فى غیر واحده من النسخ. (ترقرق: درخشیدن).

(۲)- یفیض اى یسیل.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۲۸

المرآه و غیرها، و إن کان فى الجسم الذى له بذاته سمى شعاعا. و لسنا نحتاج الآن إلى الشعاع و البریق، بل نحتاج إلى القسمین الأولین.

فلیکن أحدهما- و هو الذى للشى‏ء من ذاته- ضوءا و لیکن المستفاد نورا.

و هذا الذى نسمیه ضوءا مثل الذى للشمس و النار، فهو المعنى الذى یرى لذاته. فإن الجرم الحامل لهذه الکیفیه إذا وجد بین البصر و بینه شى‏ء کالهواء و الماء رؤى ضروره من غیر حاجه إلى وجود ما یحتاج إلیه الجدار الّذى لا یکفى فى أن یرى على ما هو علیه وجود الهواء و الماء و ما یشبههما بینه و بین البصر، بل یحتاج إلى أن یکون الشى‏ء الذى سمیناه نورا قد غشیه حتى یرى حینئذ، و یکون ذلک النور تأثیرا من جسم ذى ضوء فیه إذا قابله و کان بینهما جسم لیس من شأنه أن یحجب تأثیر المضى‏ء فى قابل النور کالهواء و الماء فإنه یعین‏ «۱» و لا یمنع‏

فالأجسام بالقسمه الأولى على قسمین:

جسم لیس من شأنه هذا الحجب المذکور و لیسم الشاف.

و جسم من شأنه هذا الحجب کالجدار و الجبل.

و الذى من شأنه هذا الحجب:

فمنه ما من شأنه أن یرى من غیر حاجه إلى حضور شى‏ء آخر بعد وجود المتوسط الشاف، و هذا هو المضى‏ء کالشمس و النار و مثله فانّه غیر شفاف، بل هو حاجب عن إدراک ماوراءه. فتأمل إظلال‏ «۲» المصباح عن‏

______________________________
(۱)- قوله: یعین، اى یعین على رؤیه قابل النور.

(۲)- قوله: فتامل اظلال، الاظلال على المصدریه من اظل، لو فرضنا المصباحین فیما بین جدارین متقابلین فان کل واحد منهما یمنع الآخر عن ان یفعل فى الجدار اى ان یضیأه لانهما مضیئان غیر شفافین و لذلک یظل کل واحد منهما عن الثانى اى عن الآخر. ثم‏

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۲۹

المصباح، فإن أحدهما یمنع عن أن یفعل الثانى فیما هو بینهما، و کذلک یحجب البصر عن رؤیه ماوراءه.

و منه ما یحتاج إلى حضور شى‏ء آخر یجعله بصفه و هذا هو الملون.

فالضوء «۱» کیفیه القسم الأول من حیث هو کذلک، و اللون کیفیه القسم الثانى من حیث هو کذلک. فإن الجدار لا یمکّن المضى‏ء أن ینیر شیئا خلفه، و لا هو بنفسه منیر، فهو الجسم الملون بالقوه، و اللون بالفعل‏ «۲»

______________________________
– لو فرضنا جدارا واحدا ایضا کان المصباح الاقرب یمنع الابعد عن ان یفعل فى الجدار.

فالعباره معناها هکذا: فان احد المصباحین و هو الاقرب الى الجدار یمنع الثانى اى المصباح الاخر و هو الابعد منه ان یفعل ذلک الابعد فى الجدار. فالمصباح الاقرب المانع واقع بین احد المصباحین و بین الجدار. فضمیر «هو» راجع الى احدهما. و قوله:

«و مثله فانه غیر شفاف» یعنى ان مثل هذا الجسم الحاجب المضى‏ء فانه غیر شفاف الخ فکل واحد من المصباحین من افراد هذا المثل.

(۱)- قال الرازى فى الضوء: حدّه انه کیفیه هى کمال بذاتها للشفاف من حیث هو شفاف المباحث المشرقیه ج ۱ ص ۴۱۴. و فى تعلیقه نسخه: الاولى ان یقال: انها الکیفیه التى لا یتوقف الابصار بها على الابصار بشى‏ء آخر. و قال حکماء الافرنج النور جسم محسوس غیر ملموس ممتنع الاخذ ارائه الاشیاء مختصه به.

(۲)- قوله قدس سره: و اللون بالفعل انما یحدث بسبب النور. اقول ذهب الفارابى و الشیخ الى انّ الضوء شرط وجود اللون و هذا هو المراد من قوله: «و اللون بالفعل». و ذهب المحقق الطوسى الى انّ الضوء شرط ادراک اللون لا شرط الوجود. فراجع المسأله السادسه من الفصل الخامس من المقصد الثانى من التجرید فى الاعراض.

و الشیخ ناظر فى اللون کلام الفارابى کما هو دأبه فى کتبه و آرائه، و قد کان یعتقد فیه اعتقادا راسخا و نقل الشهزورى فى نزهه الارواح فى شرح الاسکندر الافرودیسى (ص ۳۰۸ ج ۱): و ابو على سینا یفخمه- یعنى الاسکندر- و یثنى علیه. و کذلک ثامسطیوس یمدحه الشیخ و یبالغ فى شکره- الى ان قال: ثم یقول بعده- یعنى یقول الشیخ- و اما ابو نصر الفارابى فیجب ان یعظم فیه الاعتقاد و لا یجرى مع القوم فى میدان فیکاد ان یکون افضل من سلف من سلف. انتهى.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۳۰

______________________________
– و غرضنا فى المقام ان الفارابى- رضوان الله تعالى علیه- قال فى التعلیقات (ص ۷ من طبع حیدر آباد): «الالوان انما تحدث فى السطوح من حصول المضى‏ء و لیست فى ذاتها موجوده، و هى اعراض تحصل بواسطه المضى‏ء، و سبب کونها مختلفه و ان بعضها ابیض و بعضها اسود اختلاف الاستعدادات فى المواد». انتهى کلامه.

و قوله: «فى السطوح» ردّ على انباذ قلس حیث ذهب الى انّ الالوان تحدث فى الحدقه من قوه ناریه فى البدن ثم إذا صارت الحدقه محاذیه لجسم یخرج اللون منها الى الجسم و یحیط به فیرى اللون على الجسم. و قوله: «اختلاف الاستعدادات» خبر لقوله:

«سبب کونها».

و قال المعلم الثانى الفارابى فى تعلیقاته ص ۷: الالوان انما تحدث فى السطوح من حصول المضى‏ء و لیست فى ذاتها موجوده و هى اعراض تحصل بواسطه المضى‏ء و سبب کونها مختلفه و ان بعضها ابیض و بعضها اسود اختلاف الاستعدادات فى المواد.

و فى تعلیقه نسخه: «پیروان فیثاغورث را عقیده بر این است که الوان موجود هستند در سطح خارجى اجسام بحیثى که از محل خود امتداد یافته و به مردمک چشم فرو روند و در آنجا تحریک حسّى نمایند که بر وجود الوان شهادت دهد.

آمپدوکسل که یکى از معروفترین فلاسفه قدیم است و در چهار صد و چهل و چهار قبل از مسیح- علیه السلام- متولد شده بر این رفته که کلیه الوان در خود چشم است که از قوه ناریه بدن موجود شده‏اند و چون حدقه با جسمى محاذى شود بمناسبت آن جسم لونى از حدقه بیرون آمده آن جسم را احاطه کند و رنگ پدید آید.

افلاطون چنین فرموده که الوان جوهر سیالى چند است در کمال رقت و لطافت که از سطح خارجى اجسام فوران کنند و نسبتى با عضو باصره دارند که بنابر آن نسبت احساس بعمل آید که درک الوان کنند.

اپیکور که فیلسوف معروف است از فلاسفه قدیم یونان و در سیصد و چهل و یک قبل از حضرت عیسى- علیه السلام- متولد شده معتقد است که الوان وجود خارجى ندارند و محض از هیئت خاص عضو باصره و کیفیه ابصار و رؤیت اجسام متخیل مى‏شوند. و این رأى از این حکیم نتیجه تفصیلاتى است که در تشریح عضو باصره و کیفیت ترکیب اجسام نوشته است.

ارسطو فرموده است که الوان در نفس اجسام موجود نیستند و عمل روشنائى را در آنها

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۳۱

إنما یحدث بسبب النور، فإن النور إذا وقع على جرم مّا حدث فیه بیاض بالفعل أو سواد أو خضره أو غیر ذلک. فإن لم یکن کان أسود فقط مظلما، لکنه بالقوه ملون إن عنینا باللون بالفعل هذا الشى‏ء الذى هو بیاض و سواد و حمره و صفره و ما أشبه ذلک. و لا یکون البیاض بیاضا و الحمره حمره إلا أن تکون على الجهه التى نراها و لا تکون على هذه الصفه «۱» إلا أن تکون منیره.

و لا تظننّ أن البیاض على الجهه التى نراها و الحمره و غیر ذلک یکون موجودا بالفعل فى الأجسام، لکن الهواء المظلم یعوق من إبصاره، فإن الهواء نفسه لا یکون مظلما إنما المظلم هو الذى هو المستنیر. و الهواء نفسه و إن کان لیس فیه شى‏ء مضى‏ء فإنه لا یمنع إدراک المستنیر و لا یستر اللون إذا کان موجودا فى الشى‏ء. تأمل کونک فى غار و فیه هواء کله على الصفه التى تظنه أنت مظلما، فإذا وقع النور فى جسم خارج موضوع فى الهواء الذى تحسبه نیرا فإنک تراه، و لا یضرک الهواء المظلم الواقف بینک و بینه، بل الهواء عندک فى الحالین کأنه لیس بشى‏ء.

______________________________
– با اعمالى که در سایر اجسام دارد فرقى نیست باین معنى که روشنائى را در آنها مدخلى نیست بغیر از ارائه آنها چنانکه سایر اجسام را.

مشائین را در این باب آراء مختلف شد:

بعضى معتقد شدند که الوان خاصه اصلیه اجسام است.

گروهى قائل شدند که در اجسام ظاهر مى‏شوند بواسطه اختلاط و ترکیب نور و ظلمت.

و جمعى دیگر بر این شدند که الوان در اجسام از ترکیب املاح و فلزات حاصل مى‏شود. از ترجمه کتب فرنگیان نوشته شده».

(۱)- قوله: على هذه الصفه، فى عده نسخ جائت العباره: على هذه الجهه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۳۲

و أما الظلمه فهى حال أن لا ترى شیئا و هو أن لا تکون الکیفیات‏ «۱» التى إذا کانت موجوده فى الأجرام التى لا تشف صارت مستنیره فهى مظلمه «۲»، و بالقوه فلاتراها، و لا ترى الهواء فیتخیل لک ما یتخیل لک إذا غمضت عینیک و سترتهما فتتخیل لک ظلمه مبثوثه تراها، کما یکون من حالک و أنت محدّق‏ «۳» فى هواء مظلم و لیس کذلک، و لا أنت ترى و أنت مغمض هواء مظلما أو ترى ما ترى من الظلمه شیئا فى جفونک إنما ذلک أنک لا ترى.

و بالجمله فإن الظلمه عدم الضوء فیما من شأنه أن یستنیر، و هو الشى‏ء الذى قد یرى، لأن النور مرئى و ما یکون فیه النور مرئى، و الشاف لا یرى ألبته، فالظلمه هى فى محل الاستناره و کلاهما أعنى المحلین جسم لا یشف. فالجسم الذى من شأنه أن یرى لونه إذا کان غیر مستنیر کان مظلما، و لم یکن فیه بالحقیقه لون بالفعل، و لم یکن ما یظن أن هناک ألوانا و لکنها مستوره بشى‏ء، فإن الهواء لا یستر و إن کان على الصفه التى یرى مظلما إذا «۴» کانت الألوان بالفعل.

و لکنه إن سمى إنسان الاستعدادات المختلفه التى تکون فى الأجسام التى إذا استنارت صار واحد منها الشى‏ء الذى تراه بیاضا و الآخر حمره ألوانا «۵»، فله ذلک، إلا أنه یکون باشتراک الاسم. فإن البیاض بالحقیقه

______________________________
(۱)- لا تکون الکیفیات اى لا توجد، فتکون تامه لا ناقصه.

(۲)- اى عند عدم الرؤیه.

(۳)- تحدیق: تیز نگریستن.

(۴)- قید لقوله: «لا یستر».

(۵)- مفعول ثان لقوله: «سمّى».

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۳۳

هو هذا الذى یکون على الصفه التى ترى، و هذا لا یکون موجودا و بینک و بینه شفاف لا یشف، لأن الشفاف قد یکون شفافا بالفعل و قد یکون شفافا بالقوه، و لیس یحتاج فى أن یکون بالفعل إلى استحاله فى نفسه، بل إلى استحاله «۱» فى غیره أو إلى حرکه فى غیره. و هذا مثل المسلک و المنفذ فإنه لا یحتاج فى أن یکون بالفعل إلى أمر فى نفسه، بل إلى وجود السالک و النافذ بالفعل. و امّا «۲» الاستحاله التى یحتاج إلیها الشفاف بالقوه إلى أن یصیر شفافا بالفعل، فهى استحاله الجسم الملون إلى الاستناره و حصول لونه بالفعل.

و أما الحرکه فأن یتحرک الجسم المضى‏ء إلیه من غیر استحاله فیه، فقد عرفت کنهه فیما سلف. فإذا حصل أحد هذین تأدى المرئى ایضا فصار هذا شفافا بالفعل لوجود غیره.

فحرى بنا أن نحقق أمر هذا المتأدى، إلا أن الواجب علینا أن نؤخر الأمر فیه إلى أن نذکر شکوکا تعرض فیما قلناه یسهل من حلّها تصحیح ما قلناه.

______________________________
(۱)- اى بل یحتاج الى استحاله ….

(۲)- فاما الاستحاله، نسخه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۳۴

الفصل الثانى فى مذاهب و شکوک فى امر النور و الشعاع. و فى ان النور لیس بجسم بل هو کیفیه تحدث فیه‏

و من الناس من ظن أن النور الذى یشرق من المضى‏ء على الأجسام لیس کیفیه تحدث فیها بل هو أجسام صغار تکون منفصله من المضى‏ء فى الجهات ملازمه لأبعاد مفروضه عنه تنتقل بانتقاله فتقع على الأجسام فتستضى‏ء بها.

و من الناس من ظن أن هذا النور لا معنى له ألبته و إنما هو ظهور من الملون.

بل من الناس من ظن أن الضوء فى الشمس لیس إلا شده ظهور لونه، لکنه یغلب البصر.

فیجب علینا أولا أن نتأمل الحال فى هذه المذاهب. فنقول:

إنه لا یجوز أن یکون هذا النور و الشعاع الواقع على الأجسام من الشمس و النار أجساما «۱» حامله لهذه الکیفیه المحسوسه، لأنها إما أن تکون‏

______________________________
(۱)- قال الرازى: کونها انوارا اما ان یکون عین کونها اجساما و اما ان یکون مغایرا لها،

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۳۵

شفافه فلا یخلو إما أن یزول شفیفها بتراکمها کما تکون الأجزاء الصغار من البلور شفافه و یکون الرکام منها غیر شفاف، و إما أن لا یزول شفیفها.

فإن کانت شفافه لا یزول شفیفها لم تکن مضیئه، إذ قد فرغنا من الفرق بین الشفاف و بین المضى‏ء؛ و إن کانت تعود بالارتکام غیر شفافه کان ارتکامها یستر ما تحتها، و کلما ازدادت ارتکاما ازدادت سترا، و الضوء کلما ازداد ارتکاما- لو کان له ارتکام- ازداد إظهارا للضوء «۱». و کذلک إذا کانت هذه المضیئات فى الأصل مضیئات غیر شفافه، کالنار و ما أشبهها. فبین إن الشعاع المظهر للألوان لیس بجسم.

ثم لا یجوز أن یکون جسما و یتحرک بالطبع إلى جهات مختلفه. ثم إن کانت هى أجساما تنفصل من المضى‏ء و تلقى المستنیر، فإذا غمّت‏ «۲» الکوه لم یخل إما أن یتفق لها أن تعدم أو تستحیل أو تسبق الغام‏ «۳».

و القول بسبق الغام‏ «۴» اعتساف‏ «۵»، فإن ذلک أمر یکون دفعه. و العدم‏

______________________________
– و الاول باطل لان المفهوم من النوریه مغایر للمفهوم من الجسمیه و لذلک یعقل جسم مظلم و لا یعقل نور مظلم. و اما ان یقال بانها اجسام حامله لتلک الکیفیه ینفصل عن المضى‏ء، و تتصل بالمستضى‏ء فهذا ایضا باطل لان تلک الاجسام الموصوفه بتلک الکیفیات اما ان تکون محسوسه و اما ان لا تکون محسوسه فان لم تکن محسوسه لم یکن الضوء محسوسا، و ان کانت محسوسه ساتره لما تحتها یجب انّها کلما ازدادت اجتماعا ازدادت سترا لکن الامر بالعکس فان الضوء کلما ازداد قوه ازداد اظهارا (المباحث المشرقیه ج ۱ ص ۴۱۰).

(۱)- اظهارا للّون- خ.

(۲)- الغمه: الستره.

(۳)- اى الى الخروج.

(۴)- فى تعلیقه نسخه: اى سبق النور الى الخروج من الکوه على الغام.

(۵)- الاعتساف: الاخذ على غیر الطریق و بفارسى: بیراهه رفتن.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۳۶

أیضا بالستر من ذلک الجنس‏ «۱»، فإنه کیف یحکم أن جسما إذا تخلل بین جسمین عدم أحدهما.

و أما الاستحاله فتوجب ما قلناه و هى أنها تستنیر بمقابله النیر، فإذا غم استحالت. فما الحاجه إن کان الأمر على هذا «۲» إلى مسافره أجسام من جهه النیر، و لم لا تکون هذه الأجسام‏ «۳» تستحیل بنفسها بالمقابله تلک الاستحاله.

و أما الحجه التى یتعلق بها أصحاب الشعاع فمن ذلک قولهم: إن الشعاع لا محاله ینحدر من عند الشمس و یتجه من عند النار، و هذه حرکه، و لا حرکه إلا للجسم. و أیضا فإن الشعاع ینتقل بانتقال المضى‏ء و الانتقال للجسم. و أیضا فإن الشعاع یلقى شیئا فینعکس عنه إلى غیره و الانعکاس حرکه جسمانیه لا محاله.

و هذه القیاسات کلها فاسده، و مقدماتها غیر صحیحه، فإن قولنا: الشعاع ینحدر أو یخرج أو یدخل، ألفاظ مجازیه لیس من ذلک شى‏ء، بل الشعاع یحدث فى المقابل دفعه. و لما کان یحدث من شى‏ء عال توهم کأنه ینزل، و أن یکون على سبیل الحدوث فى ظاهر الحال أولى من النزول، إذ لا یرى ألبته فى الطریق و لا یحتاج إلى زمان محسوس. فلا یخلو: إما أن یکون البرهان دل على انحداره، و أنى لهم بذلک. و إما أن یکون الحس هو الدال علیه، و علیه معولهم.

و کیف یدل الحس على حرکه متحرک لا یحس بزمانه و لا یحس فى‏

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: اى من جنس الاعتساف.

(۲)- فى تعلیقه نسخه: اى حدوث الکیفیه بمقابله المستنیر.

(۳)- اى الاجسام المستنیره.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۳۷

وسط المسافه.

و أما حدیث انتقال الشعاع، فلیس هو بأکثر من انتقال الظل. فیجب أن یکون الظل أیضا جسما ینتقل، و لیس و لا واحد منهما بانتقال، بل بطلان و تجدد. فإنه إذا تجددت الموازاه تجدّد ذلک، فإن ارتکب مرتکب أن الظل أیضا ینتقل فلیس یخلو إما أن ینتقل على النور و إما أن یکون النور ینتقل أمامه و خلفه، فإن کان ینتقل على النور و یغطى النور، فلنفرض النور المغشى لجمیع الأرض لا انتقال له و إنما یغطیه الظل، فیکون دعوى انتقال النور قد فسد. و إن کان النور ینتقل أمام الظلمه حتى تنتقل الظلمه فلنفرض المضى‏ء واقفا، و معلوم أنه إذا کان واقفا وقف معه النور، و هذا یدعو إلى‏ «۱» أن تکون حرکه ذى الظل سببا لطرد النور، و یمکن عده منهم أن یطردوا النور أیضا من الجهات المختلفه و المضى‏ء واقف فیظلم الموضع حینئذ، أو یکون النور إذا هرب من الظل ظفر «۲» من خلف‏ «۳» فعاد إلى حیث فارقه الظل، و هذه کلها خرافات، بل لا الظل یفسخ النور و لا هو و لا النور بجسم، و إن کان لهما انتقال فذلک بالتجدد لا أن شیئا واحدا بعینه ینتقل.

و انعکاس الشعاع أیضا لفظ مجازى، فإن من شأن الجسم إذا استنار و کان صقیلا أن یستنیر عنه أیضا جسم یحاذیه من غیر انتقال ألبته.

و أما المذهب الآخر و هو المذهب الذى لا یرى لهذا النور معنى، بل‏

______________________________
(۱)- یتسدعى له، نسخه.

(۲)- اى وثب.

(۳)- او یکون للنور اذا هرب من الظل ظفر من خلف، نسخه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۳۸

یجعله اللون نفسه‏ «۱» إذا ظهر ظهورا بینا، فإن لأصحابه أن یقولوا: إن الذى یغرّ «۲» فى هذا الباب‏ «۳» ما یتخیل مع اللون من بریق الملونات و لیس ذلک البریق شیئا فى المرئى نفسه، بل أمر یعرض للبصر بالمقایسه بین ما هو أقل ضوءا و ما هو أشد ضوءا. و شده ظهور اللون لشده تأثیر الشى‏ء المضى‏ء، فإن الإناره التى من السراج أقل قلیلا من الإناره التى من القمر، و الإناره التى من القمر الذى هو «۴» الفخت أقل قلیلا من الإناره التى فى البیوت المستوره نهارا عن الشمس، بل عن المواضع ذوات الظل التى لیس فیها شعاع الشمس. و ذلک لأن الفخت یبطل فى ظل البیوت إذا طلعت الشمس فیتلاشى، و یکون ما یبصر فیها أقوى مما یبصر فى الفخت، و الناس لا یرون ما کان فى الظل و إن کان منیرا براقیه و شعاعیه ألبته، و یرون أن نور السراج یفعل فى الأجسام بریقا، و نور القمر فى اللیل یفعل ذلک، و ذلک بالقیاس إلى الظلمه اللیلیه. فإن الظلمه اللیلیه تخیل ذلک القدر أنه شعاع برّاق، و لیس ذلک إلا ظهورا مّا من اللون. و الذى للشمس أقوى و أشد تأثیرا. فلیرنا مر من مثبتى النور شیئا سوى اللون أن على الحائط الأبیض شیئا غیر البیاض و غیر ظهوره یسمى ذلک الشى‏ء شعاعا. فإن قایس مقایس ذلک بالظل على الحائط، فذلک الظل بسبب ظلمه مّا یخفى بها من البیاض ما «۵» کان یجب أن یظهر. و کأنه خلط من‏

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: فصاحب هذا المذهب ینکر الضوء، بل اللون هو الضوء عنده و لا یکون غیر اللون شى‏ء یسمى بالضوء.

(۲)- فریب مى‏دهد.

(۳)- من ان اللون غیر الضوء.

(۴)- التى هى، نسخه. و الفخت هو ضوء القمر.

(۵)- فاعل یخفى.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۳۹

الظلمه التى لا معنى لها إلا خفاء أو زیاده خفاء. کما أن النور لا معنى له إلا ظهور أو زیاده ظهور.

و من هؤلاء قوم‏ «۱» یرون أن الشمس لیس ضوؤها إلا شده ظهور لونها، و یرون أن اللون إذا بهر البصر لشده ظهوره رؤى بریق و شعاع یخفى اللون لعجز البصر لا لخفائه فى نفسه، و کأنه یفتر البصر عن إدراک الجلى، فإذا انکسر ذلک رؤى لون.

قالوا: و الحیوانات التى تلمع فى اللیل إذا لمعت لم یحس لونها ألبته و إذا کان نهارا کان لها لون ظاهر و لم یکن فیها لمعان، فذلک اللمعان هو بسبب شده ظهور ألوانها لا غیر حتى رؤى‏ «۲» فى الظلمه، و یکون فى غایه القوه حین‏ «۳» یظهر فى الظلمه فیبهر البصر إذا کانت الظلمه أضعفته، فإذا أشرقت الشمس غلب ظهورها ظهور ذلک فعاد لونها. و البصر لم یتحیر له‏ «۴»، لأن البصر قد اعتاد لقاء الظاهرات و اشتد بطلوع الشمس.

و منهم من قال: لیس الأمر على هذه الصفه، بل الضوء شى‏ء و اللون شى‏ء. لکنه من شأن الضوء إذا غلب على البصر أن یسترلون ما فیه.

و الشمس أیضا لها لون، و مع اللون ضوء فیستر الضوء اللون باللمعان کما

______________________________
(۱)- قال الرازى: ثم من هؤلاء من بالغ حتى قال ضوء الشمس لیس الا ظهور التام للونها و لذلک یبهر البصر فحینئذ یخفى اللون لعجز البصر لا لخفائه فى نفسه کما انا نحسّ بلمعان اللوامع و لا نحسّ بالوانها لان الحس ضعیفه فى اللیل یبهره ظهور تلک الالوان فلا جرم لا یحس بها ثم اذا قوى فى النهار بنور الشمس لم یصر مغلوبا لظهور تلک الالوان فلا جرم تحسّ بهما (المباحث المشرقیه ج ۱ ص ۴۱۲).

(۲)- اى اللمعان.

(۳)- حتى، نسخه.

(۴)- بل ادرک لونه. و فى نسخه: لم ینجر له.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۴۰

للقمر، و کما للسنجه «۱» السوداء الصقیله إذا لمعت رؤیت مضیئه و لم یرسوادها.

قالوا: و هذا غیر النور، فإن النور هو ظهور اللون لا غیر، و الضوء لیس ظهور اللون بل شى‏ء آخر و قد یخفى اللون. و إن هذه اللوامع فى اللیل یظهر نورها فى الظلمه فیخفى لونها، و إذا ظهرت الشمس غلب نورها «۲» و خفى و ظهر لونها. فبالحرى أن نتأمل هذا المذهب مع فروعه المذکوره.

______________________________
(۱)- السنج بالسین المهمله فالنون و فى آخره جیم معرّب سنگ و المراد به حجر المیزان.

(۲)- فى تعلیقه نسخه: اى غلب نور الشمس نور اللوامع و خفى نور اللوامع و ظهر لون اللوامع.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۴۱

الفصل الثالث فى تمام مناقضه المذاهب المبطله لأن یکون النور شیئا غیر اللون الظاهر «۱» و کلام فى الشفاف و اللامع‏

فنقول: إن ظهور اللون یفهم منه فى هذا الموضع معنیان:

أحدهما صیروره اللون بالفعل.

و الآخر ظهور لون موجود بنفسه بالفعل‏ «۲» للعین.

______________________________
(۱)- قال صدر المتألهین فى الاسفار ص ۳۰ ج ۲ ط ۱- ص ۹۳ ج ۴ ط ۲: وقع الاستدلال على مغایره النور و اللون بوجوه: الاول ان ظهور اللون اشاره الى تجدد امور فهو اما اللون او صفه نسبیه او صفه غیر نسبیه. و الاول باطل لان النور اما ان یجعل عباره عن تجدد اللون او اللون المتجدد و الاول یقتضى ان یکون مستنیرا الّا فى آن تجدده. و الثانى یوجب ان یکون الضوء نفس اللون و لا یبقى لقولهم الضوء هو ظهور اللون معنى و ان جعلوا الضوء کیفیه ثبوتیه زائده على ذات الملون و سموّه بالظهور فذلک نزاع لفظى.

و ان زعموا ان ذلک الظهور تجدد حال نسبیته فهذا باطل لان الضوء امر غیر نسبى فلا یمکن تفسیره بالحاله النسبیه». انتهى و هذه بعینه عباره الرازى فى المباحث المشرقیه ص ۴۱۲ ج ۱.

«الثانى: ان البیاض قد یکون مضیئا و مشرقا و کذلک السواد فان الضوء ثابت لهما جمیعا فلو کان کل واحد منهما مضیئا نفس ذاته لزم ان یکون الضوء بعضه مضادا للبعض و ذلک محال فان الضوء لا یقابله الا الظلمه.»

(۲)- متعلق بظهور.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۴۲

و المعنى الأول یدل على حدوث اللون أو وجوده‏ «۱» لونا.

و المعنى الثانى یدل على حدوث نسبه اللون‏ «۲» أو وجود تلک النسبه.

و هذا الوجه الثانى ظاهر الفساد. فإن ظنّ أن النور نفس نسبه اللون إلى البصر، فیجب أن یکون النور نسبه أو حدوث نسبه و لا قوام و لا وجود له‏ «۳» فى نفسه‏ «۴». و إن عنى به أنه مصیر اللون بحیث لو کان بصرا لرآه أو کونه کذلک، فإما أن یکون هذا نفس اللون أو معنى یحدث إذا زال معنى من خارج کزوال ستر أو غیره. فإن کان نفس اللون کان هذا هو الوجه الأول، و إن کان حالا تعرض له به یظهر فیکون الضوء غیر اللون‏ «۵».

و أما المعنى الأول فلا یخلو أیضا، إما أن یعنى بالظهور خروج من القوه إلى الفعل فلا یکون الشى‏ء مستنیرا بعد ذلک الآن الواحد «۶»، و إما أن یعنى به نفس اللون، فیکون قوله الظهور لا معنى له أیضا، بل یجب أن یقال: إن الاستناره هو اللون، أو یعنى به حال تقارن اللون إما دائما و إما وقتا مّا، حتى یکون اللون شیئا یعرض له النور تاره و تعرض له الظلمه أخرى. و اللون فى الحالین موجود بالفعل، فإن کان نفس نسبته إلى ما یظهر له عاد إلى المذهب الآخر، و إن کان شیئا آخر عاد إلى‏

______________________________
(۱)- یعنى الجعل المرکب بان یکون قبل الظهور موجودا لکنه غیر اللون.

(۲)- اى الى البصر.

(۳)- و لا قرار وجود له، نسخه.

(۴)- فى الشوارق: لانه یوجب ان یکون النور نسبه او حدوث نسبه و لا قوام وجود له فى نفسه.

(۵)- فى تعلیقه نسخه: و الحال انهم قالوا ان الضوء لیس شیئا علیحده بل الضوء نفس اللون الظاهر.

(۶)- فى تعلیقه نسخه: لانه صار بالفعل فلا یصیر ثانیا بالفعل.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۴۳

ذلک أیضا «۱».

فإن قررنا الأمر على أن الضوء و إن کان نفس اللون فیکون کأن الضوء هو اللون نفسه إذا کان بالفعل‏ «۲»، فلا یخلو إما أن یکون الضوء مقولا على کل لون بالفعل، أو یکون البیاض وحده ضوءا. فیکون السواد ظلمه. فیستحیل أن یکون الجسم الأسود مشرقا بالضوء، لکن هذا لیس بمستحیل، فإن الأسود یشرق و ینوّر غیره فلیس الضوء هو البیاض وحده، و إن لم یکن الضوء هو البیاض وحده، بل کل لون کان بعض ما هو ضوء یضاد بعض ما هو ضوء، و لکن الضوء لا یقابله إلا الظلمه، هذا خلف.

و أیضا فإن المعنى الذى به الأسود مضى‏ء غیر سواده لا محاله، و کذلک هو غیر البیاض، و اللون أعنى طبیعه جنسه الذى فى السواد هو نفس السواد، و اللون الذى فى البیاض هو نفس البیاض لا عارضا له، فلیس اللون المطلق الجنسى هو الضوء.

و أیضا فإن الضوء قد یستنیر به الشفاف، کالماء و البلّور إذا کان فى ظلمه فوقع علیه الضوء وحده‏ «۳» دل علیه و أشف، فبهذا هو ضوء و لیس بلون.

و أیضا فإن الشى‏ء یکون مضیئا و ملوّنا، فتاره یشرق منه على شى‏ء آخر الضوء وحده کما یشرق على ماء أو حائط، و تاره یشرق منه إذا کان قویّا الضوء مع اللون جمیعا حتى یحمّر الماء أو الحائط الذى یشرق علیه أو یصفّره. فلو کان الضوء ظهور اللون و کانت الظلمه خفاء اللون، لکان‏

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: و هو کون الضوء غیر اللون و هو احد شقوق المذهب الاخر.

(۲)- فى تعلیقه نسخه: اى اللون نفس الضوء لا خروج اللون من القوه الى الفعل.

(۳)- بلالون.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۴۴

تأثیر اللون الأحمر فیما یقابله حمره لا بریقا ساذجا، فإن کان هذا ظهور لون آخر «۱»، فلم إذا اشتد فعل فیما یقابله إخفاء لونه بأن ینتقل لون هذا القوىّ اللون إلیه‏ «۲».

و على أن مذهب هذا الإنسان یوجب أن الخضره أو الحمره و غیر ذلک مختلطه من ظهورات بیاضیه و خفاءات سوادیه. فیلزم من ذلک أنه إذا کان جسم ظاهر اللون بشعاع وقع علیه ثم انعکس على المعنى الذى تفهمه ضوء جسم آخر ذى لون أن لا یقع لونه علیه، لأنه لا یخلو إما أن یکون هذا المستنیر المنیر لغیره الأجزاء الظاهره اللون وحدها أو مع غیرها، فإن کانت وحدها فهى إنما توجب ظهور اللون فى تلک بأن تبیّض لإخفاء اللون بأن تحمّر أو تخضّر. و إن کانت مع غیرها حتى کانت الظاهره اللون و الخفیه اللون تفعلان جمیعا هذا خفاء و ذلک ظهورا. فیکون لخفاء اللون تأثیر فى المقابل، لکن خفاء اللون لیس له هذا التأثیر، ألا ترى أنه إذا کان خفاء لون مجرد لم یؤثر فیما یقابله کما یؤثر ظهور اللون الذى یقولون به لو کان مفردا.

فإن قالوا: إن اللون ظهور الحمره أیضا و الخضره و غیر ذلک من حیث‏

______________________________
(۱)- قوله: «فان کان هذا ظهور لون آخر» کلمه هذا اشاره الى قوله: «و تاره یشرق منه اذا کان قویا الضوء مع اللون جمیعا» فلا تغفل.

(۲)- اى الى المقابل. قال الرازى: الثالث ان اللون یوجد من غیر الضوء فان السواد قد لا یکون مضیئا و کذلک سایر الالوان. و کذلک الضوء قد یوجد بدون اللون مثل الماء و البلور اذا کانا فى ظلمه و وقع الضوء علیه وحده فانه حینئذ یرى ضوئه فذلک ضوء و لیس بلون و اذا وجد کل منهما دون الاخر فلابد من التغایر. قال شارح المواقف الضوء الذى فى البیاض یماثل فى الماهیه الضوء الذى فى السواد کما یشهد به الحس. و هما لا یتماثلان فى الحقیقه قطعا فلا یکون ضوء کل منهما عینه بل امر زاید علیه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۴۵

هو حمره و خضره و إن الخضره إذا اشتد ظهورها فعلت مثل نفسها ففعلت خضره و حمره. فیقال: ما باله إذا کان قلیل الظهور أظهر اللون‏ «۱» فى الذى یقابله على ما هو علیه على المعنى الذى هو ضوء مجرد فقط، و فعل مثل ما یفعله مضى‏ء لو لم یکن له لون، فإذا اشتد ظهوره أبطله أو أخفاه بلون نفسه، فکان یجب أول الأمر أن یکون إنما یفعل فیه لونا من لونه قلیلا، ثم إذا اشتد فعل فیه کثیرا، فکان کل فعل یفعله إنما هو إخفاء لون ذلک‏ «۲» بمزجه بلونه و لیس کذلک، بل یظهر أول شى‏ء لونه‏ «۳» إظهارا شدیدا. و إنما یظهر فیه اللون الذى فى استعداده مالو حضر مضى‏ء لا خضره و لا حمره فى فعله، ثم یعود بعد ذلک إذا صار أقوى ظهورا آخذا فى إبطال لونه و إخفائه و إلباسه لونا آخر لیس فى جبلّته و لا طبیعته.

فیکون إذن أحد الفعلین عن شى‏ء غیر الآخر، فیکون مصدر أحد الفعلین‏ «۴» عن الضوء الذى لو کان الجسم لا لون له و له ضوء لکان یفعل ذلک مثل بلوره مضیئه، و الفعل الآخر یکون من لونه إذا اشتد ظهوره بسبب هذا الضوء حتى صار متعدیا.

فإنا و إن کنا نقول: إن الضوء لیس هو ظهور اللون، فلا نمنع أن یکون الضوء سببا لظهور اللون و سببا لنقله. و نقول: إن الضوء جزء من جمله هذا المرئى الذى نسمیه لونا و هو شى‏ء إذا خالط اللون بالقوه «۵» حدث‏

______________________________
(۱)- اى اظهر لون مقابله.

(۲ و ۳)- اى المقابل.

(۴)- فى تعلیقه نسخه: احدهما اظهار اللون الذى فى استعداده و الاخر ابطال لونه و اخفائه و الباسه لونا آخر لیس فى جبلته و لا فى طبیعته اذا صار اقوى.

(۵)- اى الاستعداد المخصوص.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۴۶

منهما الشى‏ء الذى هو اللون بالفعل بالامتزاح، فإن لم یکن‏ «۱» ذلک الاستعداد کان إناره و بریقا مجردا «۲». فالضوء کجزء من الشى‏ء الذى هو اللون و مزاج فیه، کما أن البیاض و السواد لهما اختلاط مّا تحدث منه تلک الألوان المتوسطه.

و أما قول القائل: إن الضوء و اللمعان أیضا لیس إلا ظهور اللون، ثم قوله فى الأشیاء اللامعه فى اللیل ما قاله، فیبطل بأن السراج و القمر کثیرا ما یبطلان لمعان ذلک و یظهران ألوانها «۳». فیجب أن یکون نور السراج أشد ظهور لون‏ «۴»، فیجب أن یکون أیضا ما یصیر بالسراج ظاهر اللون لا یرى له فى الظلمه لونه. و لیس الأمر کذلک، فإن اللامعات یرى لونها أیضا «۵» باللیل کما یرى بریقها. فلیس ما قالوه بحق.

و أما القائل بأن للشمس و الکواکب ألوانا و أن الضوء یخفى لونها، فیشبه أن یکون الحق أن بعض الأشیاء یکون له فى ذاته لون فإذا أضاء اشتدت إضاءته حتى یبهر البصر فلم یمیز اللون، و منه ما یکون له مکان‏

______________________________
(۱)- تامه اى لم یوجد.

(۲)- بلالون.

(۳)- اى الوان الاشیاء اللامعه.

(۴)- فى تعلیقه نسخه: من لمعان الحیوانات اللامعه باللیل.

(۵)- فى تعلیقه نسخه: قوله: «فان اللامعات یرى ایضا لونها» اى یرى بنور السراج یعنى الاشیاء المستضیئه بضوء السراج یرى لونها ایضا کما یرى بریقها باللیل حین کون الرائى فى الموضع المظلم بظلمه اللیل فلو کان شده الضوء تمنع البصر فى الظلمه لا ضعاف الظلمه ایاه عن ادراک اللون لوجب ان لا یرى لتلک الاشیاء المستضیئه بضوء السراج حین کون الرائى فى الظلمه لون لانّ الضوء الواقع من السراج على تلک الاشیاء اشد ظهورا للون من لمعان الحیوانات اللامعه باللیل فکما یمنع ذلک اللمعان لشده ظهوره البصر عن ادراک لون الحیوانات اللامعه یجب ان یمنع ما هو اشد منه اعنى ضوء السراج.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۴۷

اللون الضوء و هو الشى‏ء الذى یکون الضوء له طبیعیا لازما غیر مستفاد، و بعض الأشیاء مختلط الجوهر من ذلک الأمر، إما اختلاط ترکیب أجزاء مضیئه و أجزاء ذوات ألوان کالنار، و إما اختلاط امتزاج الکیفیات کما للمریخ و لزحل. و لیس یمکننى أن أحکم فى أمر الشمس الأن بشى‏ء.

فقد عرفنا حال الضوء و حال النور و حال اللون و حال الإشفاف. فالضوء هو کیفیه هى کمال بذاتها للشفاف من حیث هو شفاف، و هو أیضا کیفیه مّا للمبصر بذاته لا لعلّه غیره. و لا شک أن المبصر بذاته أیضا یحجب عن إبصار ما وراءه. و النور کیفیه یستفیدها الجسم الغیر الشفاف من المضى‏ء فیکمل بها الشفاف شفافا بالفعل. و اللون کیفیه تکمل بالضوء من شأنها أن تصیّر الجسم مانعا لفعل المضى‏ء فیما یتوسط ذلک الجسم بینه و بین المضى‏ء. فالأجسام مضیئه و ملونه و شفافه.

و من الناس من قال: إن من الأجسام ما یرى بکیفیه فى ذاتها. و منها ما یرى بکیفیه فى غیرها، و جعل القسم الأخیر هو الشفاف. و أما القسم الأول فقد جعله أولا قسمین: أحدهما ما یرى فى الشفاف لذاته‏ «۱»

______________________________
(۱)- قوله: «لذاته» متعلق بقوله: «یرى». و ضمیر «لذاته» راجع الى «ما». و «لحضوره» عطف على لذاته و هو ایضا متعلق بفعل «یرى». و ضمیره راجع الى «ما». و «المشف» فى الموضعین هو الشفاف القسم الاخیر، و هو واسطه عامه لکى تصیر الاجسام ملوّنه.

ثم ما یشترط فى مقابل لذاته و هو قسمان: احدهما ما یشترط فى رؤیته الضوء. و ثانیهما ما یشترط فى رؤیته الظلمه. و قوله فى الموضعین «مع شرط المشف» یعنى مع وجود الشفاف الذى هو واسطه عامه لرؤیه الاجسام المرئیه سواء کان فى الموضعین او غیرهما، کما قال فى القسم الاول احدهما ما یرى فى الشفاف یعنى فى الهوى مثلا و هکذا المراد من قوله مع شرط المشف فى الموضعین.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۴۸

و لحضوره و هو المضى‏ء، و ثانیهما مالیس کذلک. ثم قسم هذا بقسمین:

أحدهما ما یشترط فى رؤیته الضوء مع شرط المشف و هو الملون، و الثانى ما یشترط فى رؤیته الظلمه مع شرط المشف کالحیوانات التى تلمع فى اللیل من حیث تلمع کالیراعه «۱»، و بعض الخشب المتعین‏ «۲» و بعض الدود. و قد رأیت أنا بیضه دجاجه بهذه الصفه، و جراده میته بهذه الصفه، و صراره «۳» میته بهذه الصفه.

و لیست هذه القسمه «۴» بمرضیه و لا صحیحه، فإن المضى‏ء یرى لذاته فى الظلمه و فى الضوء جمیعا. فإن اتفق أن کان الرائى فى الضوء الذى یفعله‏ «۵» رؤى، و إن اتفق أن لم یکن فیه رؤى أیضا، کالنار یراها الإنسان فى الضوء سواء کان ضوؤها أو ضوء غیرها و یراها فى الظلمه.

و أما الشمس فإنما لیس یمکننا أن نراها فى الظلمه بسبب أنها حیث تکون مقابله لبصر الرائى تکون قد ملأت العالم ضوءا و لم تترک مکانا مظلما. و أما الکواکب فإنها إنما ترى فى الظلمه، لأن ضوءها یقصر عن ضوء الشمس فلا تضى‏ء الأشیاء و لا تنورها، بل لا یمتنع أن توجد فقد یمکن أن تکون و معها ظلمه فترى فى الظلمه لا لأن الظلمه سبب ان ترى‏

______________________________
(۱)- الیراعه ذباب یطیر باللیل کانه نار (کرمک شبتاب).

(۲)- المتعفن، نسخه.

(۳)- الصرّ عصفور او طائر فى قده اصفر اللون، سمى به لصوته من صرر اذا صاح.

مجمع البحرین ج ۳ ص ۳۶۵.

(۴)- فى تعلیقه نسخه: اى المضیئات طبقه و الملونات طبقه و اللوامع التى تلمع فى اللیل طبقه. بل القسمه المرضیه هى ان اللوامع داخله فى المضیئات.

(۵)- اى یفعل المضى‏ء الضوء رؤى المضى‏ء و ان اتفق ان لم یکن الرائى فى المضى‏ء رؤى المضى‏ء ایضا.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۴۹

هى بالذات، بل یجب أن یعلم أن بعض الأنوار یغلب بعضا حتى لا یرى، کما أن ضوء الشمس یغلب ضوء النار الضعیفه و ضوء الکواکب و لا ترى مضیئه عند ضوء الشمس فلا ترى، لا لأجل الحاجه فى رؤیتها إلى الظلمه، بل للحاجه إلى أن تکون فى أنفسها مضیئه غیر مظلمه بالقیاس إلى أبصارنا. فإذا کانت الشمس غائبه ظهرت و رؤیت، لأنها صارت مضیئه بالقیاس إلى أبصارنا و بحال فى أبصارنا.

و ربما کان حکم النار و القمر عند ضوء مّا هو أضعف منهما هذا الحکم بعینه. و یجب فى ذلک الضوء «۱» أن لا یکون موجودا بالقیاس إلینا عند ظهور نار أو قمر، فیلزم أن تکون ظلمه حتى یظهرا، و یلزم أن لا یکون باهر حتى یرى‏ «۲» و یتمکن البصر من إدراکه. فأنت تعلم‏ «۳» أن الهباء الذى فى الجو لیس من جنس ما لا یرى المستنیر منه إلا فى الظلمه، لکن إن کان الإنسان فى الظلمه و قد وقع على هذه الهباءات شعاع الشمس أمکن أن ترى تلک الهباءات‏ «۴»، فإن کان الإنسان فى شعاع لم یمکن، و ذلک‏

______________________________
(۱)- اى الضوء الضعیف.

(۲)- اى ما کان ضوؤه ضعیفا.

(۳)- بیان لقوله او یلزم.

(۴)- فى تعلیقه نسخه: قالوا البیاض انما یتخیّل من مخالطه الهواء المضى‏ء للاجسام الشفافه المتصغره جدا کما فى الثلج و زبد الماء فانهما مرکبان من اجزاء مائیه متصغره جدا و لیس بینها تفاعل یؤدى الى مزاج یترتب علیه لون بل تداخل تلک الاجزاء هواء و اشعه فائضه من أجرام العلویه و تتعاکس تلک الأشعه من سطوح بعضها الى بعض و یتراکم الاشعه بعضها على بعض و الشعاع المنعکس یشبه البیاض فان الشمس اذا اشرقت على حوض من الماء و انعکس شعاعها الى جدار غیر مستنیر یرى ذلک اللون کانه لون بیاض فاذا راى الحس الشعاع المتراکم على تلک الاجزاء یغلط لعدم الفرق بین الشى‏ء و شبهه فیحکم بانه بیاض.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۵۰

لأمر فى بصر الإنسان لا لأمر فى ضوء الهباءات، فإن بصر الإنسان إذا کان مغلوبا بضوء کثیر لم یرها، و إن لم یکن مغلوبا رآها. و کذلک هذه اللوامع فى اللیل لیست جنسا آخر، بل هى المضیئات و یخالفها لا فى جمله الطبع، بل فى الضعف‏ «۱»، و لو کانت هذه مخالفه للمضیئات فى جمله الطبع، فالکواکب کذلک.

و لا یتحصل لهذه القسمه محصول صادق، إلا أن یقال: إن بعض المضیئات باهره لبعض و بعضها مبهوره لبعض. و معنى ذلک البهر لیس تأثیرا منها فیها، بل فى إبصارنا، کما أن بعض الصلابات أصلب و بعضها أضعف فلا یجب إذن أن یقال: إن اللواتى تلمع فى اللیل نوع أو جنس مفرد خارج عن الملونات و المضیئات، بل هى من جمله المضیئات التى یبهرها ما فوقها فى الإضاءه فلا ترى معها لعجز أبصارنا حینئذ، بل إنما تقوّى علیها أبصارنا عند فقدان سلطان الباهره لأبصارنا من المضیئات.

فإن ذهبوا إلى هذا فالقسمه جیده، إلا أنهم لیسوا یذهبون إلى هذا بل یوهمون أن المضیئات طبقه، و الملوّنات طبقه، و هذه‏ «۲» طبقه.

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: بحیث لا یرى فى الضوء القوى.

(۲)- اى اللوامع فى اللیل.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۵۱

الفصل الرابع فى تأمل مذاهب قیلت فى الالوان و حدوثها «۱»

و مما یجب أن نفرغ عنه تأمل مذاهب اخر فى أمر الألوان و الضوء، ما لم نفرغ عنه لم یکن سبیل إلى أن ندل على صحه ما ذهبنا إلیه بطریق القسمه.

فنقول: إن من المذاهب فى أمر الألوان مذهب من یرى أن اللون الأبیض‏ «۲» أنما هو تکونه من الهواء و الضوء، و أن الأسود تکوّنه من ضد

______________________________
(۱)- راجع ص ۲۸ ج ۲ ط ۱- ص ۸۵ ج ۴ ط ۲ من الاسفار. و فى شرح المواقف: قال بعض من القدماء لا وجود للّون اصلا بل کلها متخیّله.

(۲)- قوله: «مذهب من یرى ان اللون الابیض» هذا المذهب یرى ان اللون لا حقیقه له اصلا و الالوان کلها متخیله، و ذکر امثله مما لیس بینها تفاعل اصلا کزبد الماء و الثلج سیما المسحوقات من البلور و الزجاج ردا لقول من یقول کالشیخ و الفارابى و من یحذو حذوهما: ان الالوان بالفعل انما یحدث بسبب النور و الاستعدادات الحاصله فى الاجسام من تفاعلها و بالجمله ان الالوان موجودات لا ان کلها خیالات. ثم ان الشیخ و من سلک سبیله لا ینکرون حدوث الالوان الدفعیه المتخیله کالمسحوقات المشفه و کقوس قزح. قال صدر المتألهین فى الفصل الاول من الباب الثالث من الجواهر و الاعراض من الاسفار (۲۸ ج ۲ ط ۱- ص ۸۵ ج ۴ ط ۲): ذهب بعض الناس الى ان لا حقیقه لللون اصلا بل جمیع الالوان من باب الخیالات کما فى قوس قزح و الهاله

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۵۲

ذلک، و أن حدوث اللون الأبیض هو من الشفاف إذا انقسم إلى أجزاء صغار ثم ارتکم فإنه یعرض هناک أن تقبل سطوحها النور فتضى‏ء، و لأنها شفافه یؤدى بعضها إضاءه بعض. و لأنها صغار یکون ذلک فیها کالمتصل، و لأن المشف لا یرى إلا بلون غیره، فإن شفیفها لا یرى، لکن العکوس عن السطوح المتراکمه منها ترى متصله و یرى الجمیع أبیض.

قالوا: و لهذا ما کان زبد الماء أبیض بمخالطه الهواء، و الثلج أیضا أبیض لأنه أجزاء صغار جامده شفافه خالطها الهواء و نفذ فیها الضوء، و البلّور المسحوق و الزجاج المسحوق لا یشف‏ «۱»، و أىّ هذه اتصلت سطوحها اتصالا لا یبطل به انفراد کل شخص منها بنفسه عادت شفافه، و الشفاف الکبیر الحجم إذا عرض فیه شق ادّى‏ «۲» ذلک الموضع منه إلى البیاض. قالوا: فأما السواد فیتخیل لعدم غور الجسم و عمقه الضوء و الإشفاف معا.

و منهم من جعل الماء سببا للسواد. قال: و لذلک إذا بلّت هذه الأشیاء مالت إلى السواد. قال: و ذلک لأن الماء یخرج الهواء و لا یشف إشفافه‏

 

النفس من کتاب الشفاء       ۱۵۲     الفصل الرابع فى تأمل مذاهب قیلت فى الالوان و حدوثها ….. ص : ۱۵۱

______________________________
– و غیرهما فان البیاض انما یتخیل من مخالطه الهواء للاجسام الشفافه المتصغره جدا لکثره السطوح المتعاکسه عنها النور بعضها من بعض کما فى الثلج. الى ان قال: و المحققون على انها کیفیات متحققه لا متخیله و ان کانت متخیله فى بعض المواضع ایضا و ظهورها فى الصور المذکوره بتلک الاسباب لا ینافى تحققها و حدوثها باسباب اخرى التى هى باستحالات المواد.

(۱)- «و البلور المسحوق و الزجاج المسحوق لا یشفان بل یریان على لون مع ان سطوحهما عند الاجتماع لم ینفعل بعضها عن بعض حتى یقال حصل هناک لون» (المباحث المشرقیه).

(۲)- رؤى، نسخه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۵۳

و لا ینفذ فیه الضوء إلى السطح فتبقى مظلمه. و منهم من جعل السواد لونا بالحقیقه و أصل الألوان. قال: و لذلک لا ینسلخ، و أما البیاض فعارض للمشف بتراکمه و لذلک یمکن أن یصبغ. و لا یبعد أن یکون المذهب الأول فى السواد یؤدى إلى هذا المذهب أیضا، إذ جعل السواد حقیقه ما لا یشف من جهه ما لا یشف و هو حقیقه اللون المنعکس عنه.

و قال قوم: إن الأسطقسات کلها مشفه، و إنها إذا ترکبت حدث منها البیاض على الصفه المذکوره، و بأن یکون مایلى البصر سطوحا مسطحه من المشف فینفذ فیها البصر، و أن السواد یعرض إذا کان مایلى البصر من الجسم زوایا تمنع الإشفاف للأطراف التى تقع فیها فهى و إن أضاءت‏ «۱» فبما لا ینفذ فیها الضوء نفوذا جیدا فتظلم.

و الذى یصعب من هذه الجمله فصل القول فیه تولد البیاض من الضوء، و کون السواد لونا حقیقیا. فإنا نعرف أن المشفات تبیضّ عند السحق و الخلط بالهواء، و کذلک اللخالخ‏ «۲»، و الناطف‏ «۳» یبیض لاجتماع احتقان الهواء فیه مع الإشفاف الذى فى طبعه، و نعلم أن السواد لا یقبل لونا ألبته کما یقبل البیاض، فکأن البیاض لإشفافه موضوع و معرى مستعد، و المعرى عن الکیفیات قابل لها من غیر حاجه إلى إزاله شى‏ء،

______________________________
(۱)- اضائه: روشن شدن و روشن کردن. لازم متعد. (منتهى الارب) فما لا ینفذ فیها الضوء نفوذا جیدا یظلم- نسخه.

(۲)- لخلخه: کف صابون و چوبه که از دست زدن بهم رسد. و فى بحر الجواهر للهروى:

الخلخه بالفتح هى اشیاء مرکبه یشم بها. و قیل ظرف یصبّ فیه من میاه الخلاف و الورده و الکزبره و امثال ذلک.

(۳)- الناطف هو الذى یقال له بالفارسیه «قبیده» حلوائى است معروف.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۵۴

و المشغول بواحده لا یقبل غیرها إلا بزوالها. فهؤلاء قوم یجعلون مخرج الألوان من الإشفاف و غیر الإشفاف.

و بإزاء هولاء قوم آخرون لا یقولون بالإشفاف ألبته، و یرون أن الأجسام کلها ملوّنه، و أنه لا یجوز أن یوجد جسم إلا و له لون. و لکن الثقب و المنافذ الخالیه إذا کثرت فى الأجسام نفذ فیها الشعاع الخارج من المضى‏ء إلى الجهه الأخرى، و نفذ أیضا شعاع البصر فرؤى ماوراءها.

فأما المذهب الأول فإذا نقول: لعمرى إنه قد یظهر من دق المشف و خلطه بالهواء لون أبیض‏ «۱»، و لکن إنما یکون ذلک لا فى جسم متصل‏

______________________________
(۱)- قال صاحب الشوارق: قال الشیخ ما حاصله انه لا شک فى ان اختلاط الهواء بالمشف سبب لظهور البیاض و لکنا ندعى ان البیاض قد یحدث من غیر هذا الوجه کما فى الجصّ فانه یبیضّ بالطبخ فى النار و قد یبیضّ بالسحق و الدق مع ان تفرق الاجزاء و مداخله الهواء فیه اکثر و کما فى البیض المسلوق فانه یصیر اشد بیاضا مع ان النار لم تحدث فیه تخلخلا و هوائیه بل اخرجت الهوائیه عنه و لو فرض ان هوائیه داخلت رطوبته فبیّضته لکان خثوره لا انعقاد و کما فى الدواء الذى یتخذه اهل الحیله و یسمونه لبن العذراء فانه یکون من خل طبخ فیه المرداسنج حتى انحل فیه ثم صفّى حتى بقى الخل فى غایه الاشفاف و البیاض و خلط بماء طبخ فیه القلیا و صفى غایه التصفیه و یبالغ فیها ثم تخلط الماء ان فینعقد المنحل الشفاف من المرداسنج و یصیر فى غایه البیاض کاللبن الرائب ثم یجف و ما ذلک لحدوث و تفرق فى شفاف و نفوذ هواء فیه فانه کان متفرقا منحلا فى الخل و لا لتقارب اجزاء متفرقه و انعکاس ضوء البعض الى البعض لان حده ماء القلیا بالتفریق اولى. و اعلم ان کون الالوان ذوات حقائق فى الخارج امر ضرورى و لیس الغرض من هذه الوجوه الا التنبیه علیه و ازاله وهم من توهم غیره فلا یرد علیها ما اورده الامام فى المباحث المشرقیه من ان لقائل ان یقول على هذه الوجوه جاز ان یکون لتخیل البیاض سبب آخر لا نعلمه اذ المفروض انه لا اعتماد على الحس و الا لوجب الحکم بکون الثلج ابیض حقیقه هذا». شوارق الالهام ج ۲ ص ۴۰۳.

و قال الرازى فى المباحث ص ۴۰۷ ج ۱: و اعلم ان الشیخ ذکر فى فصل توابع المزاج من‏

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۵۵

و مجتمع، بل إنما یظهر ذلک اللون فى الرکام منه، و أنه إذا جمع و بلّ زال عنه البیاض عند الاجتماع و الجفوف. و لیس الجص على ما اظنه و یوجبه غالب ظنى أن ما یبیض بیاضه لذلک فقط، بل لأن الطبخ یجعله بحیث إذا بل ثم جف ابیض بیاضا شدیدا لمزاج یحدث فیه.

و الدلیل على ذلک أنه لو کان فعل النار فى الجص لیس إلا تسهیل التفریق، و أن تسهیل التفریق قد یوصل إلى الهیئه التى ذکر أنها سبب لکون البیاض، لکان السحق الکثیر المؤدى إلى غایه تصغیر الأجزاء یفعل ذلک الفعل فى الجص و فى النوره و فى غیره، و لکان المهیئ بالسحق و التصویل إذا اجتمع بالماء فعل فعل الجص من البیاض، و لیس کذلک.

ثم‏ «۱» لنفرض أن الجص یتکوّن فیه ذلک البیاض على الصوره المذکوره، فلیس کل بیاض یحدث على هذه الصفه، فإن البیض إذا سلق‏ «۲» یصیر بیاضه الشفاف‏ «۳» أبیض و لیس یمکن أن یقال إن النار زادته تخلخلا و تفرقا فإنها قد زادته تکاثفا على حال، و لا أنه قد حدثت فیه هوائیه و خالطته.

فأول ذلک أن بیاض البیض یصیر عند الطبخ أثقل و ذلک لما یفارقه من الهوائیه.

______________________________
– ثانیه الفن الرابع من الطبیعیات انه لم یعلم انه هل یصح البیاض بغیر هذا الطریق ام لا.

و اما فى ثانى المقاله الثانیه من علم النفس فقد قطع بوجود ذلک فقال لا شک ان اختلاط الهواء بالمشف سبب لظهور اللون الابیض و لکنا ندعى ان البیاض یحدث من غیر هذا الوجه و یدل علیه امور اربعه ….

(۱)- بل، نسخه.

(۲)- اى طبخ.

(۳)- سفیده تخم.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۵۶

و ثانیا أنه لو کانت هوائیه داخلت رطوبته فبیضته لکانت خثوره «۱» لا انعقادا، و قد علمت هذا قبل.

و أیضا فإن الدواء الذى یتخذه أهل الحیله و یسمّونه لبن العذراء یکون من خل طبخ فیه المرداسنج حتى انحل فیه، ثم صفّى حتى بقى الخل فى غایه الإشفاف و البیاض، و خلط بماء طبخ فیه القلى، و صفى غایه التصفیه حتى صار کأنه دمعه. فإنه إن قصر فى هذا لم یلتئم منهما المزاج الذى یطلبونه. فکما یخلط هذان الماءان ینعقد فیه المنحل الشفاف من المرتک‏ «۲» أبیض فى غایه البیاض کاللبن الرائب، ثم یجف، فلیس ذلک لأن هناک شفافا عرض له التفرق، فإن ذلک کان متفرقا منحلا فى الخل و لا أجزاء مشفه صغارا جدا تدانت و تقاربت، بل إن کان و لا بد فقد ازدادت فى ماء القلى تفرقا «۳» و لا أیضا خالطها هواء من خارج بوجه من الوجوه، بل ذلک على سبیل الاستحاله، فلیس کل تولد بیاض فیما أحسب على الصفه المذکوره.

و لو لم یکن البیاض إلا ضوءا و السواد إلا ما قیل، لم یکن ترکیب السواد و البیاض إلا آخذا مسلکا واحدا.

بیان هذا: أن البیاض یتجه‏ «۴» إلى السواد قلیلا قلیلا من طرق ثلاثه:

______________________________
(۱)- غلظت.

(۲)- فى تعلیقه نسخه: المرتک کمقعد المرداسنج (القاموس).

(۳)- فى تعلیقه نسخه: قال الامام و لان تلک الاجزاء تقاربت حتى ینعکس ضوء بعضها الى بعض فان حدّه ماء القلى اولى بالتفریق.

(۴)- قوله: «بیان هذا ان البیاض یتجه …»، الشیخ- قدس سره- ابطل المذهب الاول بطریقین: طریق الاتجاه و طریق الانعکاس. اما طریق الاتجاه فتنتهى العباره فى بیانه الى قوله: «و لو کانت هذه لا تکون الا باختلاط الاجسام». و اما طریق الانعکاس فیبدأ من قوله‏

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۵۷

أحدها طریق الغبره و هو الطریق الساذج، فإنه إذا کان السلوک ساذجا یتوجه إلى الغبره ثم منها إلى العودیّه «۱»، و کذلک حتى یسوّد. فیکون سالکا طریقا لا یزال یشتد فیه السواد وحده یسیرا یسیرا حتى یمحضّ.

و الثانى الطریق الآخذ إلى الحمره، ثم إلى القتمه، ثم إلى السواد.

و الثالث الطریق الآخذ إلى الخضره، ثم إلى النیلیه، ثم إلى السواد.

و هذه الطرق إنما یجوز اختلافها، لجواز اختلاف ما تترکب عنها الألوان المتوسطه. فإن لم یکن إلا بیاض و سواد، و لم یکن أصل البیاض إلا الضوء و قد استحال ببعض هذه الوجوه، لم یمکن فى ترکیب البیاض و السواد إلا الأخذ فى طریق واحد لا یقع الاختلاف فیه إلا وقوعا بحسب النقص و الاشتداد فیه فقط، و لم تکن طرق مختلفه. فإن کانت طرق‏

______________________________
– هذا: «و لو کانت هذه لا تکون الاباختلاط الاجسام» الى قوله: «و اما المذهب الثانى.» ثم الاتجاه من البیاض الى السواد انما هو على سبیل الحرکه و اللون الحاصل منه لون طبیعى باستحاله الماده و لیس من قبیل الالوان الدفعیه الحاصله من المسحوقات المشفه و غیرها مما ذکرها القائل بتخیل الالوان کلها فلا یخفى علیک ما فى التمسک بالاتجاه من ارغام الخصم و ابطال مذهبه و ذلک لانه لا یتمشى القول بتخیل الالوان فى الالوان الطبیعیه الحاصله من الاتجاه، على ان الاتجاه یلزم الخصم بوجوه مذکوره ذکرها الشیخ ایضا فتبصّر.

قال صدر المتألهین فى آخر الفصل الاول من الباب الثالث من الجواهر و الاعراض من الاسفار (ص ۲۹ ج ۲ ط ۱- ص ۸۸ ج ۴ ط ۲): اعلم ان کل ما یحدث من الالوان بسبب طبخ صناعى او نضج طبیعى و بالجمله باستحاله للماده فهو لون طبیعى، و کل ما یحدث دفعه فى محل و ان کان بعد حرکه مکانیه فهو لون غیر طبیعى کالالوان القزحیه و الزجاجیه و الوان المسحوقات المشفه و کالجمد المسکور باجزاء صغیره و کلا القسمین موجودان لکن احدهما مادى حاصل بانفعال الماده، و الآخر من تعینات النور الحاصل و اختلاف ظهوره على الابصار حسب اختلاف المظاهر.

(۱)- رنگ چوب قندس.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۵۸

مختلفه، فیجب أن یکون شوب من غیر البیاض و السواد مع أن یکون شوبا من مرئى و لیس فى الأشیاء شى‏ء یظن أنه مرئى، و لیس سوادا و لا بیاضا و لا مرکبا منهما إلا الضوء عند من یجعل الضوء شیئا غیرهما.

فإن بطل مذهبه امتنع استحاله الألوان فى طرق شتى، و إن أمکنه هذه الاستحاله وجب أن یکون مرئى ثالث خارج عن أحکام البیاض و السواد، و لا وجه أن یکون هذا المرئى الثالث موجودا إلا أن یجعل الضوء غیر اللون.

فمن هاهنا یمکن أن ترکب الألوان فیکون البیاض و السواد اذا اختلطا وحدهما کانت الطریقه هى طریقه الاغبرار لا غیر، فإن خالط السواد ضوء فکان مثل الغمامه التى تشرق علیها الشمس و مثل الدخان الأسود تخالطه النار، فکان حمره إن کان السواد غالبا، أو صفره إن کان السواد مغلوبا و کان هناک غلبه بیاض مشرق. ثم إن کان هناک صفره خلطت بسواد لیس فى أجزائه إشراق حدثت الخضره. و بالجمله إذا کان الأسود أبطن و المضى‏ء أظهر و الحمره بالعکس‏ «۱». ثم إن کان السواد غالبا فى الأول کانت قتمه، و إن کان السواد غالبا فى الثانى کانت کراثیه تلک الشدیده التى لا اسم لها، و إن خلط ذلک ببیاض کانت کهوبه «۲» زنجاریه، و إن خلط بالکراثیه سواد و قلیل حمره کانت نیلیه، و إن خلطت بالحمره نیلیه کانت أرجوانیه. فبهذا یمکن تألیف الألوان سواء کان بامتزاج الأجرام أو بامتزاج الکیفیات.

______________________________
(۱)- اى اذا کان الاسود اظهر و المضى‏ء ابطن.

(۲)- کهبه بالضم مثل قهبه سفید تیره رنگ.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۵۹

و لو کانت هذه لا تکون إلا باختلاط الأجسام‏ «۱» و قد علم أن السواد لا یصبغ منه الضوء بالعکس جسما ألبته أسود لکان‏ «۲» یجب أن تکون الألوان الخضر و الحمر إنما ینعکس منها البیاض و لا ینعکس من الأجزاء السود شى‏ء، و خصوصا و هى ضعیفه منکسره.

فإن قیل: فقد نراها تنعکس عن المخلوط. فالجواب أن ذلک لأن الخلط یوجب الفعل و الانفعال، و یجب بسبب ذلک امتزاج الکیفیه سواء فعلته الصناعه أو الطبیعه. على أن الطبیعه تقدر على الامتزاج الذى على سبیل الاستحاله، و الصناعه لا تقدر علیه، بل تقدر على الجمع، فربما أوجبت الطبیعه بعد ذلک استحاله، و الطبیعه تقدر على تلطیف المزج الذى على سبیل الخلط و تصغیر الأجزاء، و الصناعه تعجز عن ذلک الاستقصاء.

و الطبیعه لا تتناهى مذاهبها فى القسمه و النسبه قوه و فعلا، و الصناعه لا یمکن أن تخرج جمیع ما فى الضمیر منها إلى الفعل.

فقد بان من هذا أن البیاض بالحقیقه فى الأشیاء لیس بضوء.

ثم لسنا نمنع أن یکون للهواء تأثیر فى أمر التبییض، و لکن لیس على الوجه الذى یقولون‏ «۳»، بل بإحداث المزاج المبیض‏ «۴». و لذلک لیس لنا

______________________________
(۱)- اى اختلاط الاجسام الشفافه بالضوء.

(۲)- الضوء فاعل یصبغ، و جسما مفعوله، و لکان جواب لو کانت.

(۳)- قوله: «لیس على الوجه الذى یقولون» یعنى الوجه الذى هو بحسب المخالطه فقط کما سیصرح به بعد سطر.

و قوله: «او على سبیل الصبغ» لا یبعد ان یکون الصبغ فى الموضعین بالنون و العین المهمله بمعنى الصناعه.

و قوله: «مما یکذبهم الشباب و الشیب» کما قیل بالفارسیه:

گویند پس از سیاه رنگى نبود

پس ریش سیاه من چرا گشته سفید

– و قوله: «فذلک حال مجاوره» الضمیر راجع الى الاسود. و کذا الضمیر فى «کیفیته» راجع الى الاسود.

و قوله: «فلا یبعد ان یکون الشى‏ء المسود لا یکون مسوّدا» تعلیل لقوله: «فذلک حال مجاوره لا حال کیفیته». و کل واحد من المسوّدین على هیأه اسم الفاعل من التسوید.

یعنى انّ قولهم ان الاسود غیر قابل للبیاض او اللون الآخر غیر صحیح لانّ المجاور اى البیاض و غیره من الالوان غیر نافذ فى الاسود، لا أنّ الاسود غیر قابل لغیره من الالوان.

ثم قال: «على ان ذلک لیس ایضا مما لا یمکن» یعنى ان ارباب الحیل و اصحاب الاکسیر یعملون حیله فى تبییض الاسود فعملهم بالحیله یکذب القول بان الاسود غیر قابل للون آخر.

قال شارح المواقف: و مما استدل فى الشفاء على حصول البیاض من غیر اختلاط الهواء بالمشف امران: احدهما اختلاط طرق الاتجاه من البیاض الى السواد. و ثانیهما انعکاس الحمره و الخضره و نحو ذلک من الالوان فانه لو کان اختلاف الالوان لاختلاف الشفاف بغیره لوجب ان لا ینعکس من الأحمر و الاخضر الا البیاض لان السواد لا ینعکس بحکم التجربه (شرح المواقف ج ۵ ص ۲۳۹ و المباحث المشرقیه ج ۱ ص ۴۰۹).

(۴)- التبییض- خ.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۶۰

أن نقول: إن بیاض الناطف کله من الجهه التى یقولون، بل من المزاج، فإن الهواء یوجب لونا أبیض لا بحسب المخالطه فقط، بل بحسب الإحاله أیضا.

و لو کان مذهبهم صحیحا لکان یمکن أن یبلغ بالشى‏ء الأبیض و الملون بشده الترقیق حتى یذهب تراکمه إلى أن یشف أو إلى قریب منه، و هذا مما لا یکون.

و أما قولهم: إن الأسود غیر قابل للون آخر، فإما أن یعنوه على سبیل الاستحاله أو على سبیل الصبغ. فإن عنوا على سبیل الاستحاله، فقد کذبوا، و مما یکذبهم الشباب و الشیب. و إن عنوا على سبیل الصبغ،

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۶۱

فذلک حال مجاوره لا حال کیفیته. فلا یبعد أن یکون الشى‏ء المسود لا یکون مسودا إلا و فیه قوه نافذ متعلقه قباضه، فیخالط، و ینفذ و یلزم، و أن یکون ما هو موجود فى الأشیاء البیض بخلاف ذلک فى طبعه، فلا یمکنه أن یغشى الأسود و یداخله و یلزمه. على أن ذلک لیس أیضا مما لا یمکن، فإنه إذا احتیل بمثل الاسفیذاج‏ «۱» و غیره حیله مّا حتى یغوص و یتخلل السواد صبغه أبیض.

و أما المذهب الثانى‏ «۲» فإن ذلک المذهب لا یستقیم القول به إلا إذا فرض الخلأ موجودا، و ذلک لأن المسام التى یذکرونها لا یخلو إما أن تکون مملوءه من جسم أو تکون خالیه. فإن کانت مملوءه من جسم، فإما أن یکون ذلک الجسم یشف من غیر مسام، أو تکون له أیضا مسام، و ینتهى لا محاله: إما إلى مشف لا مسام له، و هذا خلاف قولهم. و إما إلى خلاء، فیکون مذهبهم یقتضى وجود الخلاء، و الخلاء غیر موجود.

ثم بعد ذلک فإنهم یقولون: إنه لیس کل مسام تصلح لتخییل الإشفاف، بل یجب أن تکون المسام مستقیمه الأوضاع من غیر تعریج‏ «۳» حتى تنفذ فیه الشعاعات على الاستقامه. فلنخرّط کره من جمد، بل من بلور، بل من یاقوت أبیض شفاف، فهذه المسام التى تکون فیها شفافه مستقیمه هبها «۴» تکون کذلک طولا، فهل تکون کذلک أیضا عرضا،

______________________________
(۱)- سفید آب.

(۲)- فى تعلیقه نسخه: اى الذین لا یقولون بالاشفاف و القائلون بالثقب و المنافذ فى الاجسام.

(۳)- اى من غیر میل و انعطاف.

(۴)- فى تعلیقه نسخه: هب لفظ یونانى بمعنى نعم ثم استعمل بمعنى سلّم. اى سلمناها.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۶۲

و هل تکون کذلک قطرا و من أى جهه أثبتّ، فکیف تکون مستقیمات تداخل مستقیمات فتکون من أى جهه تأملتها لا تنعرج. فمن الضروره أن یعرض من بعض الجهات خلاف الاستقامه و وقوف الأجزاء التى لا مسام لها فى سمت الخطوط التى تتوهم خارجه على الاستقامه من العین أو یکون الجسم خلأ کله، و هذا محال. فیجب أن تکون الکره إذا اختلف منک المقامات فى استشفافها یختلف علیک شفیفها ضروره.

ثم کیف یکون حال جسم فیه من المسام و المنافذ ما یخفى لونه حتى تراه کأنه لالون له، و له فى نفسه لون، و لا یستر لونه شیئا ملصقا مما وراءه، بل یؤدى ماوراءه بالحقیقه. فإن أحدث سترا فإنما یحدث شیئا، کأنه لیس، فتکون لا محاله الثقب التى فیه أکثر کثیرا من الملأ الذى فیه، فکیف یجوز أن یکون لها استمساک الیاقوت و هو کله فرج. و لو أن إنسانا أحدث فى الیاقوت منافذ ثلاثه أو أربعه، ثم حمل علیه بأضعف قوه لا نرضّ و لا نکسر؛ فهذا المذهب أیضا محال.

فالألوان إذن موجودات، و لیس وجودها أنها أضواء، و لا الأضواء ظهورات لها، و مع ذلک فلیست هى مما هى بالفعل بغیر الأضواء.

و المشف أیضا موجود، و هذا ما أردنا بیانه إلى هذه الغایه. و قد بقى علینا أن نخبر عن حال الإبصار أنه کیف یکون، و یتعلق بذلک تحقیق کیفیه تأدى الأضواء فى المشف.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۶۳

الفصل الخامس فى اختلاف المذاهب فى الرؤیه «۱» و إبطال المذاهب الفاسده بحسب الأمور أنفسها

فتقول: إن المذاهب المشهوره فى هذا الباب مذاهب ثلاثه، و إن کان‏

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: اعلم ان الابصار بخروج الشعاع لکن لا عن الرائى بل عن المرئى.

و ظنّى ان اعتقاد المتقدمین کان کذلک و لکن لما اطلقوا القول و قالوا ان الابصار بخروج الشعاع و لم یتقیدوا بخروجه عن المرئى توهم ان مرادهم خروج الشعاع عن الرائى. و لما کان کذلک فالاعتراضات التى اوردت على خروج الشعاع کلها مندفعه. و اعلم ایضا ان القائلین بالانطباع ایضا مذهبهم عین هذا المذهب لان الضوء الخارج عن المرئى الحامل لصوره المرئى اذا انطبع فى البصر یتحقق الابصار فالمذهبان یرجعان الى امر واحد. قال ابن هیثم فى المناظر و المرایا فى الفصل السادس من المقاله الاولى: قد تبین مما تقدم ان اضواء الاجسام المضیئه تصدر الى کل جهه یقابلها فاذا قابلت البصر وردت الاضواء الى سطح البصر و قد علم من خاصیه الضوء تاثیره فى البصر فاخلق ان یکون ادراکه للاضواء بما یرد منها الیه. و تبین ان صوره لون الاجسام یصحب الضوء دائما ممازجه له انتهى. و اعلم ان لابن هیثم فى تلک الرساله عبارات کثیره صریحه داله على ان الابصار بخروج الشعاع و الضوء عن المرئى و اصلا الى الرائى و من اراد الاطلاع علیه فلیراجع تلک الرساله.

و قال الرازى فى المباحث ص ۲۹۹ ج ۲: المذاهب المشهوره بین الحکماء فى الابصار ثلاثه: الاول قول من یقول انه یخرج من العین جسم شعاعى على هیئه مخروط رأسه‏

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۶۴

کل مذهب منها یتفرع:

أحدها مذهب من یرى أن شعاعات خطیه تخرج من البصر على هیئه مخروط یلى رأسه العین و قاعدته المبصر، و أن أصحها إدراکا هو السهم منها، و أن تبصّر الشى‏ء هو فعل‏ «۱» السهم فیه.

و منها مذهب من یرى أن الشعاع قد یخرج من البصر على هیئه، إلا أنه لا یبلغ کثرته‏ «۲» أن یلاقى نصف کره السماء إلا بانتشار یوجب انتشار الرؤیه. لکنه إذا خرج و اتصل بالهواء المضى‏ء، صار ذلک آله له و أدرک بها.

و منها مذهب من یرى أنه کما أن سائر المحسوسات لیس یکون إدراکها بأن یرد علیها شى‏ء من الحواس بادرا إلیها متصلا بها أو مرسلا رسولا إلیها، کذلک الإبصار لیس یکون بأن یخرج شعاع ألبته فیلقى المبصر، بل بأن تنتهى صوره المبصر إلى البصر بتأدیه الشفاف إیاها.

و قد استدل الفریقان الأولان و قالا: إنما جاز فى سائر الحواس أن تأتیها المحسوسات، لأنها یصح إدراکها بالملامسه کاللمس، و کالذوق،

______________________________
– فى العین و قاعدته یلى المبصر و الادراک التام انما یحصل من المواضع الذى هو موضع سهم هذا المخروط. المذهب الثانى من یقول الشعاع الذى فى العین یتکیف الهواء بکیفیته و یصیر الکل آله فى الادراک. المذهب الثالث ان الابصار انما یحصل بانطباع اشباح المرئیات بتوسط الهواء المشف فى الرطوبه الجلیدیه انتهى. و قال صدر المتألهین فى شرحه للهدایه ص ۱۸۸: و الاشراقیون قالوا لا شعاع و لا انطباع و انما الابصار بمقابله المستنیر للضوء الباصر الذى فیه رطوبه صقیله فاذا وجدت هذه الشروط مع زوال المانع یقع للنفس علم حضورى اشراقى على المبصر فتدرکه النفس مشاهده ظاهره جلیه.

(۱)- نقل، نسخه.

(۲)- الا انه لا یبلغ من کثرته، نسخه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۶۵

و کالشم الذى یستقرب الروائح بالتنشق لیلاقیه و ینفعل به، و کالصوت الذى ینتهى به التموج إلى السمع. ثم أن البصر لیس یمکن فیه ذلک لأن المرئى منفصل، و لذلک لا یرى المقرّب منه‏ «۱» و لا أیضا من الجائز أن ینتقل إلیه عرض موجود فى جسم مرئى أعنى لونه و شکله، فإن الأعراض لا تنتقل. فإذا کانت الصوره على هذا، فبالحرى أن تکون القوه الحاسه ترحل إلى موضع المحسوس لتلاقیه. و محال أن تنتقل القوه إلا بتوسط جسم یحملها فلا یکون هذا الجسم إلا لطیفا من جنس الشعاع و الروح، فلذلک سمیناه شعاعا.

و لوجود جسم مثل هذا فى العین ما یرى الإنسان فى حال الظلمه أن نورا قد انفصل من عینیه و أشرق على أنفه أو على شى‏ء قریب یقابله.

و أیضا فإن الإنسان إذا صیح و دعاه دهش الانتباه إلى حک عینیه فإنه یتراءى له شعاعات قدام عینیه.

و أیضا فإن الثقبه العنبیّه تمتلى‏ء من إحدى العینین إذا غمضت الأخرى، و فى التحدیق المفرط أیضا فلا محاله أن جسما بهذه الصفه ینصبّ إلیها «۲».

______________________________
(۱)- قال الرازى: و اما البصر فلیس کذلک لانه لا یرى ما یکون فى غایه القرب منه فضلا عما یکون مماسا له و لابد من الملاقاه فهى اما ان یکون لانه ینتقل من المحسوس عرض و الانتقال علیه محال فتعیّن الثانى. المباحث المشرقیه ج ۲ ص ۳۰۲.

(۲)- قال بهمنیار فى التحصیل: الابصار اما بان ینفذ من البصر شى‏ء الى المبصر او بان ینفعل عنه البصر و هذا الشى‏ء الذى یجوز ان یخرج عن البصر لا یصح الا ان یکون جسما اذا الاعراض لا یصح علیها الانتقال و محال ان یخرج عن البصر شى‏ء شعاعى یقع على المبصر لانه اما ان یکون الخارج یصل الى المبصر فیدرکه و اما ان یکون الشفاف آله فى ان یستحیل الى جنسه او فى ان یکون مؤدیا. اما القسم الاول فاستحالته ظاهره

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۶۶

ثم أن الفرقه الثانیه «۱» استنکرت أن یکون جسم مثل العین یسع من الشعاع ما یتصل خطا واحدا بین البصر و الکواکب الثابته فضلا عن خطوط تنتهى إلى ما یرى من العالم، و خصوصا و لا یرى ما یرى منها إلا متصلا مستوى الاتصال، فیجب أن یکون ما یرى به متصلا.

و استنکرت أیضا أن یتحرک هذا الشعاع الخارج فى زمان غیر محسوس حرکه من العین إلى الثوابت، و قالت یجب أن تکون نسبه زمان حرکتک نحو شى‏ء بینه و بینک ذراعان إلى زمان الحرکه إلى الکواکب الثابته نسبه المسافتین، فیجب أن یظهر بین الزمانین اختلاف.

و ربما احتج بهذا أصحاب المذهب الثالث‏ «۲» أیضا على أصحاب الشعاع الخطى.

و لم یعلموا أن هذا فاسد، و ذلک لأنه یمکن أن یفرض زمان غیر محسوس قصرا أو أکثر زمان غیر محسوس قصرا، فتجعل‏ «۳» فیه الحرکه

______________________________
– و ذلک لانه من المحال ان یخرج من البصر جسم متصل یملأ نصف العالم و ینتهى الى کره الکواکب الثابته ثم کما ینطبق الجفن یعود الیه ثم اذا فتح مره اخرى خرج مثله کانه واقف على نیه المغمض. و ان کان هذا الجسم الخارج منتشرا لم یدرک المبصر بکلیته بل انما یدرک ما یقع منه علیه و ایضا فلو کان ادراک الشى‏ء على الصفه المذکوره اعنى بشى‏ء یخرج من البصر لکان وجب ان یرى الشى‏ء البعید فى غایه البعد بشکله و عظمه و الرؤیه تتم بوصوله الیه. و ایضا فانه لو کان هذا الشعاع کخط جسمانى لکان وجب عند هبوب الریاح ان یصرفه عن المحاذات الى غیر المحاذات ثم کیف ینفذ هذا الجسم فى الافلاک و هى لا تقبل الخرق. و ایضا فان حرکه هذا الجسم یکون طبیعیه لا محاله فیجب ان تکون الى جهه واحده و لیس کذلک عندهم.

(۱)- فى تعلیقه نسخه: اى القائلون بتکیف الهواء بکیفیه الشعاع.

(۲)- اى الانطباع.

(۳)- فتحصل، نسخه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۶۷

التى للشعاع إلى الثوابت، ثم یمکن أن ینقسم هذا الزمان إلى غیر النهایه فیمکن أن یوجد فیه جزء أو بعض نسبته إلیه نسبه المسافه المستقصره إلى المسافه المستبعده، فیکون الزمانان اللذان بینهما البعد کلاهما غیر محسوسین قصرا.

لکن لأصحاب الشعاعات حجه فى حلها أدنى صعوبه و هو قولهم:

إن المرایا تشهد بوجود هذه الشعاعات و انعکاسها، و ذلک أنه لا یخلو: إما أن یکون البصر تتأدى إلیه صوره المرآه و قد تتأدى إلیها صوره المرئى متمثله متشبحه فیها، و إما أن یکون ما نقوله من أن الشعاع یخرج فیلقى المرآه و یصیر منها إلى أن یلقى ما ینعکس علیه على زاویه مخصوصه «۱».

و إذا بطل القول الأول، بقى القول الثانى.

و مما یتضح به بطلان القول الأول أنه لو کانت هذه الصوره متشبحه فى المرآه لکانت لا محاله تتشبّح فى شى‏ء بعینه من سطحها، کما إذا انعکس الضوء و اللون معا فتأدیا فى المشف إلى غیر الحامل الأول لهما فإنما یتمثّل المتأدى من ذلک فى بقعه واحده بعینها یرى فیها على اختلاف مقامات الناظرین. و لیس الشبح الذى فى المرآه بهذه الصفه، بل ینتقل فیها بانتقال الناظر، و لو کان إنما ینتقل بانتقال المرئى فقط لم یکن فى ذلک إشکال.

و أما انتقاله بانتقال الناظر فدلیل على أنه لیس هناک بالحقیقه موضع تتشبح فیه الصوره. و لکن الناظر إذا انتقل انتقل مسقط الخط الذى إذا انعکس إلى المرئى فعل الزاویه المخصوصه فرأى بذلک الخط بعینه المرئى و رأى جزءا من المرآه آخر، فتخیل أنه فى ذلک الجزء الأخر من المرآه، و کذلک‏

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: من ذلک الشى‏ء الذى وقع علیه خط الانعکاس.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۶۸

لا یزال ینتقل‏ «۱».

و قالوا: و مما یدل على صحه هذا أن الناظر «۲» الذى للإنسان قد ینطبع فیه شبح مرئى ینعکس عنه إلى بصر ناظر حتى یراه هذا الناظر الثانى، و لا یراه صاحب الحدقه التى تمثل فیها الشبح بحسب التخیل، و لو کان لذلک حقیقه انطباع فى ناظره لوجب على مذهب أصحاب الأشباح أن یتساوى کل منهما فى إدراکه، فإن عندهم أن حقیقه الإدراک تمثّل شبح فى الناظر فیکون کل من تمثّل فى ناظره شبح رآه.

قالوا: فمن هذا نحکم و نقول إن الناظر فى المرآه یتخیل له فى المرآه أنه یرى صورته و لیس کذلک، بل الشعاع إذا لاقى المرآه فأدرکها کر منعکسا فلاقى صوره الناظر فأدرکها، فإذا رأى المرآه و نفسه فى سمت واحد من مخرج الخط الشعاعى یتخیل أن أحدهما فى الآخر.

قالوا: و الدلیل على أن ذلک لیس منطبعا فى المرآه أنه یرى المرئى فى المرآه بحیث لا یشک أنه لیس فى سطح المرآه، و إنما هو کالغائر فیه و البعید عنه. و هذا البعد لا یخلو إما أن یکون بعدا فى غور المرآه، و لیس للمرآه ذلک البعد، و لا أیضا إن کان لها ذلک الغور کانت المرآه مما یرى ما یتشبح فى باطنها، فبقى أن یکون ذلک البعد بعدا فى خلاف جهه غوره فیکون بالحقیقه إنما أدرک الشى‏ء بذلک البعد من المرآه، فلا یکون قد انطبع شبحه فى المرآه.

فیلزمنا أول شى‏ء أن نبطل المذهبین الأولین، فنثبت صحه مذهبنا و هو الثالث، ثم نکّر على هذه الشبهه فنحلها.

______________________________
(۱)- اى الشبح بانتقال الناظر. (و لذلک لا یزال ینتقل، خ ل).

(۲)- مردمک چشم.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۶۹

فنقول: إن الشى‏ء الخارج من البصر «۱» لا یخلو إما أن یکون شیئا مّا قائم الذات ذا وضع، فیکون جوهرا جسمانیا؛ و إما أن یکون شیئا لا قوام له بذاته و إنما یقوم بالشى‏ء المشف الذى بین البصر و المبصر. و مثل هذا الشى‏ء فلا یجوز أن یقال له بالحقیقه: إنه خارج من البصر، و لکن یجب أن یقال: إنه انفعال للهواء من البصر، و یکون الهواء بذلک الانفعال معینا فى الإبصار. و ذلک على وجهین: إما على سبیل إعانه الواسطه، و إما على سبیل إعانه الآله.

و قبل الشروع فى التفصیل، فإنى أحکم حکما کلیا أن الإبصار لیس یکون باستحاله فى الهواء إلى حاله تعین البصر ألبته، و ذلک لأن تلک الحاله لا محاله تکون هیئه فى الهواء لیست معنى إضافیا بحسب ناظر دون ناظر. فإنا لا نمنع وجود هذا القسم، بل نقول لابد منه، و لابد من إضافه تحدث للهواء مع الناظر عند نظره بتلک الإضافه یکون الإبصار فانّا إنما نمنع‏ «۲» وجود حاله و هیئه قاره فى نفس الهواء و ذاته یصیر بها الهواء

______________________________
(۱)- قال صدر المتألهین فى تعلیقه على شرح حکمه الاشراق: و لقائل ان یقول اذا حصلت المقابله بین البصر الصحیح و المبصر یحدث بینهما جسم شعاعى دفعه و یکون به الرؤیه و هذا الجسم الشعاعى مجرد عن الماده فیداخل و ینفذ فى الاجسام اللطیفه و لا تفاوت فى مداخلته ایاها بین ان یکون لیّنه او صلبه بعد ان کانت صافیه غیر مکدره لان مداخلته ایاها لیست بالحرکه و الزمان و لا تفاوت ایضا بین القریب و البعید فى اصل مواصلته لها لان فیضانه دفعى بلا ماده و حرکه و زمان و لفظ الخروج و النفوذ و المداخله و الانبساط کلها مجازات اطلقها هذا القائل تسامحا و انما الفرض اصل حدوث الشعاع على شکل المخروط الذى راسه عند البصر و قاعدته عند سطح المرئى. (شرح حکمه الاشراق ص ۲۶۸).

(۲)- و انما نمنع، نسخه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۷۰

ذاکیفیه «۱» أو صفه فى نفسه و إن کانت لا تدوم له و لا توجد عند مفارقه الفاعل أو توجد لأن مثل هذه الهیئه لا یکون له بالقیاس إلى بصر دون بصر، بل یکون موجودا له عند کل شى‏ء، کما أن الابیض لیس أبیض بالقیاس إلى شى‏ء دون شى‏ء، بل هو أبیض بذاته و أبیض عند کل شى‏ء و إن کان لا یبقى أبیض مع زوال السبب المبیض.

ثم لا یخلو إما أن تکون تلک الهیئه تقبل الشده و الضعف فتکون أضعف و أقوى، أو تکون على قدر واحد. فإن کان على قدر واحد فلا یخلو: إما أن تکون العله الموجبه تقبل الأشد و الأنقص أو لا تقبل، فإن کانت طبیعه العله تقبل الأشد و الأنقص و تلک الطبیعه لذاتها تکون عله، فیجب أن یتبعها المعلول فى قبول الأشد و الأنقص. فإنه من المحال أن یفعل الضعیف الفعل الذى یفعل القوى نفسه إذا کانت قوته و ضعفه أمرا فى طبیعه الشى‏ء بما هى عله. فیجب من ذلک أن القوى المبصره الفاعله فى الهواء إذا کثرت و ازدحمت، کان حدوث هذه الحاله و الهیئه فى الهواء أقوى و أن یکون قوىّ البصر أشدّ فى إحاله الهواء إلى هذه الهیئه من ضعیف البصر، و خصوصا و لیس هذا من باب ما لا یقبل الأشد و الأضعف لأنه من باب القوى و الحالات فى القوى. و لا تکون قوتها کما ذکرنا بقیاس بصر دون بصر، بل بنفسها کما قلنا، فیجب أن یکون ضعفاء الإبصار إذا اجتمعوا رأوا أقوى و إذا تفرقوا رأوا أضعف، و أن ضعیف البصر إذا قعد بجنب قوىّ البصر رأى أشد، و ذلک لأن الهواء یستحیل إلى تلک الهیئه کیف کانت‏ «۲» باجتماع العلل الکثیره و القویه استحاله

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: مراده انه لیس الابصار لاجل حدوث کیفیه فى الهواء.

(۲)- اى واسطه کانت او آله.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۷۱

أشد، فیکون أداؤه لصوره و معونته فى الإبصار أقوى، و إن کان ضعف نفس البصر یزید خللا فى ذلک فاجتماع الضعفین معا لیس کحصول ضعف واحد، کما أن ضعیف البصر لا یستوى حال إبصاره فى الهواء الکدر و الهواء الصافى، لأن الضعیف إذا وجد معونه من خارج کان لا محاله أقوى فعلا. ثم نحن نشاهد ضعیف البصر لا یزیده اقتران أقویاء البصر به، أو اجتماع کثره ضعفاء البصر معه شیئا فى إبصاره. فبیّن أن المقدم باطل.

و لنعد إلى التفصیل الذى فارقناه فنقول: إنه لا یخلو الهواء حینئذ إما أن یکون آله، و إما أن یکون واسطه. فإن کان آله فإما أن تکون حساسه، و إما أن تکون مؤدیه. و محال أن یقول قائل: إن الهواء قد استحال حساسا حتى أنه یحس الکواکب و یؤدى ما أحسّه إلى البصر. ثم لیس کل ما نبصره یلامسه الهواء، فإنا قد نرى الکواکب الثابته و الهواء لا یلامسها.

و ما أقبح بنا أن نقول: إن الأفلاک التى فى الوسط أیضا تنفعل عن بصرنا و تصیر آله له کما یصیر الهواء آله، فإن هذا مما لا یقبله عاقل محصّل.

أو نقول: إن الضوء جسم مبثوث فى الهواء، و الفلک یتحد بأبصارنا و یصیر آله لها، فإن ساعدنا على هذا القبیح فیجب أن لا نرى کلیه جسم الکواکب بعد تسلیمنا باطلا آخر و هو أن فى الفلک مسامّ‏ «۱»، و ذلک لأنه لا تبلغ مسامهما «۲» أن تکون أکثر من نصف جرمهما، فیجب أن تکون الکواکب المنظور إلیها إنما ترى منها أجزاء و لا ترى أجزاء. ثم ما أشد قوه

______________________________
(۱)- مسام الجسد ثقبه.

(۲)- اى الهواء و الفلک.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۷۲

إبصارنا حتى تحیل الهواء کله و الضیاء المبثوث فى أجسام الأفلاک بزعمهم إلى قوه حساسه أو أیه قوه شئت.

ثم الهواء و الضوء لیسا متصلین ببصر دون بصر، فلم یؤدیان ما یحسّانه إلى بصر دون بصر. فإن کان من شرط البصر الذى یرى أن یقع فى مسامته المرئى حتى یؤدى حینئذ الهواء إلیه ما أحس، فلیس إحساس الهواء بعله لوصول المحسوسات إلى النفس، و لکن وقوع البصر من المبصر على نسبه و توسط الهواء بینهما. فإن کان الهواء یحس بنفسه و یؤدى أیضا فما علینا من إحساسه فى نفسه، بل إنما المنتفع به فى أن نحس نحن تأدیته المرئى إلینا. و لا نبالى أنه یحس فى نفسه أو لا یحس فى نفسه، اللهم إلا أن یجعل إحساسه لإحساسنا، فیکون الهواء و الفلک کله یحس لأجلنا.

و أما إذا لم یجعل ذلک آله، بل واسطه تنفعل أولا من البصر ثم یستتم کونها واسطه، فبالحرى أن نتأمل أنه أى انفعال ینفعل حتى یؤدى؟ أبأن تقبل من البصر قوه حیاه و هو أسطقس بسیط، هذا لا یمکن. أو یصیر بالبصر شافا بالفعل. فالشمس أقوى من البصر فى تصییره شافا بالفعل و أکفى، فلیت شعرى ماذا یفعل البصر بهذا الهواء. و إن کان البصر یسخنه، فیجب إذن برد الهواء أن یمنع الإبصار أو یبرّده، فیجب إذا سخّن أن یمنع الإبصار، و کذلک الحال فى باقى الأضداد. و لجمیع الأضداد التى یستحیل بها الهواء أسباب غیر البصر إن اتفقت کفت الحاجه إلى إحاله البصر و إن اتفق أضدادها لم تغن إحاله البصر أو عساه لا یحدث إشفافا و لا کیفیه ذات ضد من المعلومات، بل یحدث خاصیه غیر منطوق بها، فکیف عرفها أصحاب هذا المذهب، و من أین توصلوا إلیها.

أما نحن فقد قدمنا مقدمه کلیه تمنع هذه الاستحالات کلها سواء کانت‏

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۷۳

منسوبه إلى خاصیه أو طبیعه، منطوق بها أو غیر منطوق بها. و بعد ذلک فإنا نظن أن الهواء إذا کان شفافا بالفعل و کانت الألوان ألوانا بالفعل و کان البصر سلیما، لم یحتج إلى وجود شى‏ء آخر فى حصول الإبصار.

و لنضع الآن أن الخارج جوهر جسمانى شعاعى کما یمیل إلیه الأکثر منهم فنقول: حینئذ إن أحواله لا تخلو عن أربعه أقسام:

إما أن یکون متصلا بکل المبصر و غیر منفصل عن المبصر.

و إما أن یکون متصلا بکل المبصر و منفصلا عن المبصر.

و أما أن یکون متصلا ببعض المبصر دون بعض کیف کان‏ «۱» حاله مع المبصر.

و إما أن یکون خارجا عن المبصر و غیره متصل بالمبصر.

فأما القسم الأول فإنه محال جدا، أعنى أن یخرج من البصر جسم متصل یملأ نصف العالم و یلاقى الأجسام السماویه، ثم کما یطبق الجفن یعود إلیه، ثم یفتح فیخرج آخر مثله، أو کما یطبق تعود الجمله إلیه، ثم کما یفتح مره أخرى تخرج عنها «۲»، حتى کأنها واقفه على نیه المغمض.

ثم کیف لا یرى الشى‏ء البعید بشکله و عظمه إن کانت الرؤیه بوصوله إلیه و ملامسته إیاه. فإن العظم أولى بأن یدرک بالملامسه بتمامه من اللون، لأن الشعاع ربما یفرّق و یهلهل‏ «۳» فرؤى اللون کما یرى الخلط من اللون، و أما القدر فرآه حینئذ کما یرى الخلط من المقدار و الخلط من المقدار الجسمانى، و إن کان متخلخلا کأنه مرکب من مقدار جسمانى و من‏

______________________________
(۱)- اى سواء کان منفصلا عنه ام لا فهذا قسمان.

(۲)- تخرج عنه- ظ- اى تخرج الجمله عن الجفن.

(۳)- هلهل کجعفر جامه تنک بافته و موى تنک نرم و شعر رقیق، معرّب است.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۷۴

لا شى‏ء أو لا جسم لا ینقص من عظم کلیته و لا تنفعهم الزاویه التى عند البصر. إنما ینفع ذلک أصحاب الأشباح إذ یقولون: إن الشبح یقع على القطع‏ «۱» الواقع فى المخروط الموهوم عند سطح الجلیدیه الذى رأسه فى داخل. فإن کانت الزاویه أکبر لأن الشى‏ء أقرب کان القطع أعظم و الشبح الذى فیه أعظم، و إن کانت الزاویه أصغر لأن الشى‏ء أبعد کان القطع أصغر و الشبح الذى فیه أصغر. و أما على مذهب من یجعل المبصر ملموسا بآله البصر فما تغنى هذه الزاویه.

و أما القسم الثانى فهو أظهر بعدا و استحاله، و هو أن یکون ذلک الخارج یفارق المبصر و یمضى إلى الفرقدین و یلمسهما و لا وصله بینه و بین المبصر فیحسّ المبصر بما أحس هو «۲»، و یکون کمن یقول: إنّ لامسا یقدر أن یلمس بید مقطوعه و أن الحیه یتأدى إلى بدنها ما یلمسه ذنبها المقطوع المفصول عنها و قد بقى فیها الحس‏ «۳»، إلا أن یقال إنه‏ «۴» أحال المتوسط و حمله‏ «۵» رساله إلى المبصر فیکون الهواء مؤدیا مستحیلا معا، و قد قلنا على هذا بما فیه کفایه. و إن کان متصلا ببعض المبصر «۶» وجب أن لا یراه کله، بل ما یلاقیه منه فقط. فإن جعل مستحیلا «۷» إلى‏

______________________________
(۱)- فان المخروط حینئذ ناقص اذ رأسه فى داخل العین کما صوّروه.

(۲)- اى الخارج المفارق.

(۳)- و قد بقى فیه، نسخه. اى فى الذنب. و ارى انّ الصواب «فیهما» بتثنیه الضمیر اى و قد بقى فى الید المقطوعه و الذنب المقطوع الحس.

(۴)- اى ذلک الخارج المفارق للمبصر بالکسر.

(۵)- اى المرئى (المتوسط).

(۶)- فى تعلیقه نسخه: هذا هو القسم الثالث.

(۷)- فان جعل الهواء مستحیلا، نسخه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۷۵

طبیعته‏ «۱» و صار معه کشى‏ء واحد فما الذى یقال فى الفلک، إذا أبصرناه، أترى الفلک یستحیل أیضا إلى طبیعه ذلک الشعاع الخارج و یصیر حساسا معه کشى‏ء واحد حتى یلاقى کوکب زحل بکلیته فیراه و المشترى و سائر الکواکب العظام، و هذا ظاهر الفساد بعید جدا. ثم قد قلنا فى فساد هذه الاستحاله ما قلنا.

فإن قالوا: إن الهواء المشف لیس یتحد به کشى‏ء واحد و لکن یستحیل إلى طبیعه مؤدیه، فما یلاقیه الشعاع یدرکه الشعاع، و ما لا یلاقیه یؤدى إلیه الهواء صورته باستحاله عرضت له.

فأول جواب ذلک أن الهواء لم لا یستحیل عن الحدقه «۲» وحدها و یؤدى إلیها إن کان من شأنه الأداء فلا یحتاج إلى جسم خارج‏ «۳».

و أما ثانیا فقد فرغنا من بیان استحاله هذه الاستحالات.

و أما ثالثا فإن الهواء المتوسط بین خطین خارجین یجب أن یودى إلى کل خط منهما ما یؤدى إلى الآخر فیکون آخر الأمر قد تأدى إلى جمله الشعاع من جمله الهواء المتخلل للخطوط صوره المحسوس مرتین أو مرارا، فیجب أن یرى المحسوس مرتین أو مرارا و خصوصا «۴» إن کان على ما فى بعض مذاهب القوم من أن الخطوط لا تدرک بنفسها، بل بما یؤدى إلیها الهواء.

ثم إن کان الأداء إلى الحدقه من الجمیع أعنى الخطوط و الهواء معا

______________________________
(۱)- اى طبیعه الشعاع.

(۲)- فى تعلیقه نسخه: اى عن الشعاع الذى فى الحدقه من غیر ان یخرج الشعاع عنها.

(۳)- و هو الشعاع الخارج من البصر.

(۴)- مرارا خصوصا، نسخه مصحّحه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۷۶

فالهواء مؤد للأشباح‏ «۱» على مثل ما قال المعلم الأول. و من عرف أن لا خلاء و أن أجرام الأفلاک مصمته لا فرج فیها و لا فطور عرف أن ذلک مستحیل لا یمکن و أنه لا یمکن أن ینفذ فیها هذا الخارج، بل کیف ینفذ هذا الشعاع فى الماء إن لم یکن فیه خلاء حتى یلاقى جمیع الأرض تحته و یراه و هو متصل، و الماء لا یربو حجمه لما خالط منه. و إن کان هناک خلأ، فکم یکون مقدار تلک الفرج الخلائیه التى تکون فى الماء مع ثقل الماء و نزوله فى الفرج و ملئه إیاها. فیرى أن الماء فرج کله أو أکثره أو مناصفه حتى یمکن الخارج أن ینفذ إلى جمیع ما فى قعر الماء و یلاقیه و یماسه و هو غیر منقطع عن البصر، و إن انقطع فذلک أعجب.

فإن قال قائل: إنا نرى الشى‏ء القلیل ینفذ فى الماء الکثیر حتى یستولى على کلیته مثل الزعفران یصبغ قلیله کثیرا من الماء.

فنقول: إن انصباغ الماء الکثیر بالزعفران القلیل لا یخلو من وجهین:

إما أن یکون الصبغ الحادث فى الماء غیر موجود إلا فى الأجزاء الزعفرانیه و أجزاء الماء بحالها، و إما أن تکون أجزاء الماء استحالت أیضا فى نفسها إلى الصبغ کما تستحیل إلى الحر و البرد و الرائحه، لا أن جوهرا داخلها، إما استحاله إلى صبغ حقیقى و إما استحاله إلى صبغ خیالى، أعنى بالخیالى کما ترى على سطح الماء شبح شى‏ء ملقى فیه غیر محاذ للبصر، و کما یتخیل من الماء أنه على لون إنائه، و ذلک مما إذا کثر و عم أرى جمیع وجه الماء بذلک الصبغ و هو فیه قلیل.

فإن کان هذا الانصباغ على مقتضى القسم الآخر «۲» فلا منفعه لهذا

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: فهذا فى الحقیقه قول بالشبح و الانطباع لا غیر.

(۲)- القسم الاخیر، نسخه. اى القسم الثانى.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۷۷

الاعتراض فى الغرض، لأن الماء یکون قد استحال أو تشبح لا أن الصبغ القلیل نفذ فى کله، و قد یستحیل کثیر المقدار من کثیر القوه قلیل المقدار. و بالجمله إن کان حال الهواء فى استحالته عن الأشعه هذه الحال، عرض ما سلف منا منعه، و وجب أن تکون الأشعه إذا کثرت جدا ازداد الهواء استحاله نافعه فى الإبصار. و إن کان على سبیل التأدیه دون الاستحاله فطبیعه الهواء «۱» مؤدیه للأشباح إلى القوابل فلیؤد أیضا إلى الإبصار.

و إن لم یکن على مقتضى القسم الثانى، بل على سبیل القسم الأول، فإنا لا یمکننا أن نشک فى أن الماء متجز بین أجزاء الزعفران و الزعفران متجز بین أجزاء الماء، و أن أجزاء الماء لا محاله أعظم حجما من أجزاء الزعفران، و أن بین کل جزئین من أجزاء الزعفران متوالیین ماء صرفا «۲»، و أن هذه المیاه الصرفه فى أکثر المواضع التى بین جزئى الزعفران أعظم کثیرا من أجزاء الزعفران، حتى تکون نسبه الأجزاء إلى الأجزاء إذا أخذت واحدا إلى الآخر کنسبه الکل إلى الکل. فإذا کانت کذلک کانت مقادیر أجزاء الزعفران صغارا و لم یجز أن تستولى على الماء کله، فما کان ینبغى أن ینصبغ الماء بالکلیه، بل هذا الوجه باطل.

و إنما یرى الماء مصبوغا کله لأحد الأمرین:

إما لأن کل واحد من أجزاء الماء و أجزاء الزعفران من الصغر بحیث لا یدرکه الحس متمیزا، و ذلک لا یمنع أن یکون أحدهما أکثر کثیرا جدا من‏

______________________________
(۱)- و طبیعه الهواء، نسخه.

(۲)- میاها صرفه، و ان هذه المیاه الصرفه، عده نسخ.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۷۸

الآخر لأن الجسم ینقسم إلى غیر النهایه فیمکن أن یکون جزء من الماء هو ألف ضعف جزء من الزعفران و هو مع ذلک فى الصغر بحیث لا یحسّ مفردا. فإذا کان کذلک، لم یکد البصر یفرّق بین أجزاء الزعفران و بین أجزاء الماء فیرى منهما صبغا واحدا شائعا بین الأحمر و الشاف، فهذا وجه.

و إما أن تکون الأجزاء المحسوسه من الزعفران لیست على أوضاع متسامته متوازیه «۱»، بل إذا حصل بین جزئین من ترتیب بحال جزء من الماء محسوس القدر، فإن أجزاء أخرى من تحت تقع مواقع لو رفعت لغطّت سطحا مع الأول‏ «۲»، فیکون بعضها یرى لأنه فى السطح الأعلى، و بعضها یرسل شبحها إلى السطح الأعلى، فتتوافى الأشباح بصبغ واحد إذا الماء یؤدّى لون کل واحد منها لإشفافه، فیرى الجمیع متصلا فى سطح واحد، و یتخیل مستولیا على الماء و لا یکون‏ «۳». و یصحح هذا القول قله ما یرى من الصبغ فى الرقیق الذى لا ثحن له، و کثره ما یرى فى الکثیف العمیق.

و إن کانت النسبه متشابهه، و کانت‏ «۴» نسبه الزعفران الذى فى الرقیق إلى الرقیق کنسبه الزعفران الذى فى العمیق إلى العمیق فعلى هذین الوجهین‏ «۵» یمکن أن یستولى القلیل على الکثیر. و أما فى الحقیقه فإن‏

______________________________
(۱)- کما فى النسخ التى عندنا، و لکن فى المطبوعه الحجریه: «على اوضاع متشابهه متسامته متوازیه».

(۲)- مع الاولى، ظاهرا.

(۳)- اى مستولیا.

(۴)- فى تعلیقه نسخه: بیان التشابه.

(۵)- جواب ان کانت.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۷۹

القلیل لا یستولى على الکثیر بالکمیه، بل عسى بالکیفیه المحیله هذا.

و أما إن جعلوا «۱» الخارج ینفذ قلیل نفوذ فى الهواء و لا یتصل بالمبصر، ثم الهواء البعید یؤدى إلیه و یؤدى هو إلى المبصر فإما أن یؤدى إلیه الهواء لإشفافه فقط من غیر استحاله، فلم لا یؤدى إلى الحدقه فیکفى ذلک مؤنه خروج الروح إلى الهواء و تعرّضه للآفات، و إن کان بالاستحاله فقد قیل فى ذلک ما قد قیل ثم لم لا یستحیل من الحدقه من غیر حاجه إلى الروح‏ «۲».

______________________________
(۱)- هذا هو القسم الرابع.

(۲)- اى خروج الروح.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۸۰

الفصل السادس فى إبطال مذاهبهم من الأشیاء المقوله فى مذاهبهم‏

و لنقبل الآن على عد بعض المحالات التى تلزمهم بحسب أوضاعهم:

فمن ذلک وضعهم أن أجزاء الخارج عن البصر تنعکس من الأجسام إلى أجسام أخرى، فإذا رأت جسما انعکست عنه إلى جسم آخر فرأته و رأت ذلک الجسم الآخر المنعکس إلیه، مثلا لما وصلت إلى المرآه رأت المرآه، ثم لما انعکست عن المرآه إلى جسم آخر رأته أیضا معا، فیکون شى‏ء واحد رأى شیئین معا، فیتخیل أن أحد الشیئین تراه فى الآخر و تلزم وضعهم هذا مباحث علیهم.

من ذلک أن انعکاس هذا الشعاع هو عن الصلب أو عن الأملس أو عن مجتمعهما، لکن هذا العکس مما قد یرونه یقع عن أملس غیر صلب مثل الماء فلیست الصلابه هى الشرط، بل بقى أن یکون السبب فیه هو الملاسه. فإذا کان السبب فیه هو الملاسه، فلا یخلو إما أن یکفى لذلک أىّ سطح أملس اتفق، أو یحتاج إلى سطح متصل الأجزاء أملس. فإن کان الشرط هو القسم الثانى لم یجز أن ینعکس عن الماء، لأنه لا اتصال لسطحه عندهم لکثره المسام التى یضعونها فیه التى بسببها یمکن أن یرى‏

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۸۱

ماوراءه بالتمام، و إن کان لیس من شرطه الاتصال فیجب أن یوجد هذا العکس عن جمیع الأجرام و إن کانت خشنه، لأن سبب الخشونه الزاویه «۱» أو ما یشبه الزاویه مما یتقعر عن الحدبه. و لا بد فى کل ذى زاویه من سطح لیست فیه زاویه فیکون أملس، و إلا لذهبت الزوایا إلى غیر النهایه أو انتهت قسمه من السطح إلى أجزاء لیست بسطوح، و کلاهما محال. فإذن کل جرم فمؤلف السطح من سطوح ملس، فیجب أن یکون عن کل سطح منها عکس.

أو یقال‏ «۲» أمران: أحدهما أن السطوح الصغار لا ینعکس عنها الشعاع، و الثانى أن السطوح المختلفه الوضع ینعکس عنها الشعاع إلى جهات شى‏ء فیتشذب‏ «۳» المنعکس. و لا ینال شیئا لعدم الاجتماع.

فأما القسم الأول فباطل، فإن من المعلوم أنه إن کان یخرج من البصر جسم حتى ینتشر فى نصف کره العالم دفعه أنّه یکون عند الخروج فى غایه تصغر الأجزاء و تشتتها، و أنه إذا انعکس فإنما یلاقى کل جزء صغیر منه، و کل طرف خط دقیق منه لا محاله جزءا مساویا له و ینعکس عنه و لا ینفع و لا یضر فى ذلک ماوراءه، عسى أن اتفق أن کان السطح الأملس الذى یلاقیه أصغر منه لم ینعکس عنه.

لکنا إذا تأملنا لم نجد هذا المعنى هو السبب و الشرط فى منع الانعکاس‏

______________________________
(۱)- تحقیق ماهیه الزاویه و بیان انها من اى مقوله من الاعراض ص ۸۲ من الهیات الشفاء و ص ۵۹ ج ۲ ط ۱ من الاسفار- ج ۴ ص ۱۷۶ ط ۲.

(۲)- قوله: «او یقال» اى الا ان یقال فى الجواب امران.

(۳)- اى یتفرق.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۸۲

فى الأشیاء الموجوده عندنا «۱» لأنه قد یتفق أن یکون شى‏ء خشن نعلم یقینا أن لأجزائه التى لها سطوح ملس‏ «۲» مقدارا مّا لا نشک فى أنه أعظم من مقدار أطراف الشعاعات الخارجه و مع ذلک لا تنعکس عنها. و هذا مثل الزجاج المدقوق و الملح الجریش و البلور الجریش الذى نعلم أن سطوح أجزائه ملس و لیس بغایه الصغر حتى تکون أصغر من أجزاء الشعاع الخارج، و إذا اجتمعت لم ینعکس عنها الشعاع، بل و لا من أشیاء أکبر من ذلک أیضا.

ثم من البعید أن تقبل الأجرام الکثیفه الأرضیه تجزیئا إلى أجزاء أصغر من الأجزاء التى یقبل إلیها الجسم الشعاعى التجزى، حتى یوجد جزء للکثیف أصغر مما ینقسم اللطیف إلى مثله.

ثم إن کان عله العکس عن الأملس عدم‏ «۳» المنفذ و هناک حفز «۴» من‏

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: اعلم ان الابصار لیس بخروج الشعاع و لا بالتکیف و لا بالانطباع بل اذا اجتمع شرایط الابصار یحصل للنفس علم جزئى بالمبصر على سبیل الحضور و المشاهده من طریق البصر کما ذهب الیه جماعه من حکماء الاسلام و لیس مقصد افلاطون و ارسطو و اشباههما ایضا من القدماء الا هذا المعنى کما قاله المعلم الثانى الا ان هذا العلم لما کان حصوله بتعلق نور النفس و شعاعها من طریق البصر لشى‏ء خارج منه بتوسط الهواء عبّر عنه قوم بخروج الشعاع من البصر و بتکیّف الهواء و لما کان انما یحصل للنفس و ینکشف بهذا الوجه من طریق البصر شبح المرئى و ظاهره دون باطنه و کنهه عبّر عنه آخرون بحصول الشبح کما هو رأیهم و دأبهم فى التعبیر عن اکثر مقاصدهم و تفسیر معاظم مطالبهم لکنه خفى على اکثر الناس ذلک لقصور بصائرهم فضلّوا انفسهم و اضلوا کثیرا و نسبوا الى العلماء منکرا من القول و زورا. نقل من ازهار الحکم.

(۲)- ملس جمع املس مثل صفر و حمر جمع اصفر و احمر.

(۳)- عدمه المنفذ، نسخه.

(۴)- حفزه یحفزه دفعه من خلفه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۸۳

ورائه، فذلک موجود للخشن‏ «۱». و إن کان لا حافز من ورائه و لا عدم منفذ فلیس یجب أن ینعکس عن شى‏ء، فإن الجسم لا تکون له بالطبع حرکات مختلفه، بل بالقسر. و أنت تعلم أنه إذا کان المضى‏ء قد أماله بالطبع‏ «۲» فلا ینعطف الا بالقسر.

ثم الملاسه لیست من الهیئات الفاعله فى الأجسام فتغیر طبیعه ما یلاقیها، و لا هى من القوى الدافعه عن أجسامها شیئا حتى تقسر الأجسام إلى التبعید عنها، و لو کانت الملاسه عله لتبعید الجسم عن الجسم لکان تبعّد ما بینهما و إن تماست على أىّ وضع کان، و لکان یجب أن ینعکس البصر عن المرآه التى یلامسها الشعاع الخارج مخطوطا علیها لا إذا لا قاها بالطرف فقط.

و إن کان السبب فى الانعکاس هو الحفز من خلف أو النتوّ کما یعرض للکره، وجب أن ینعکس عن کل صلب لا منفذ فیه و إن لم یکن أملس.

و أما على مذهب أصحاب الأشباح فلذلک‏ «۳» وجه، و هو أنهم یجعلون الملاسه عله لتأدیه الشبح، و کل ملاسه عظمت أو صغرت فهى عله لتأدیه

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: یعنى ان الانعکاس عن الاملس اما ان یکون لعدم المنافذ و الحفز من خلف او لا بل بمجرد الملاسه. فعلى الاول یلزم ان یعمّ الخشن لعموم علته. و الثانى باطل لان الملاسه لیست من الهیئات الفاعله حتى یغیّر ما یلاقیها و لا هى من القوى الدافعه عن اجسامها حتى دفع الشعاع عن اجسامها و لا یمکن ان ینعکس الشعاع بطبعه فان الجسم بطبعه لا یقتضى الحرکه الى جهات مختلفه و ان فرضت الملاسه دافعه لزم ان یدفع الشعاع على اىّ وضع یلاقى الاملس لان الشعاع اذا وقع على المرآه بخط من السطح لا کخط على السطح لم ینعکس ألبته. کذا فى التلخیص.

(۲)- قوله: «قد اماله» و فى نسخه مصحّحه قد ناله (من النیل) کباعه.

(۳)- اى منع الصغر.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۸۴

شبح ما. لکن الأشباح التى تؤدیها السطوح الصغار تکون أصغر من أن یمیّزها البصر، فلا تحس. فإن الجرم الخشن تختلط فیه الظلمه بالنور فیظلم کل غور، و یکون کلّ نتوّ أصغر من أن یؤدّى شبحا یمیز بالحس و لو کان متصلا لم یعرض ذلک. فأما أصحاب العکس فهذا الصغر لیس بعذر لهم فى عدم العکس عنه.

و أما إن لم یجعلوا العله الصغر «۱»، بل التشذّب فإن هذا التشذّب موجود أیضا عن المرایا المشکله أشکالا ینعکس عنها الشعاع إلى نصف کره العالم بالتمام مما یعلم فى علم المرایا. و عسى أن لا یکون العکس عن الخشن یبلغ فى تشذّبه للشعاع ما یبلغه تلک المرایا، بل تراکمت خطوط منه على نقطه واحده، فهذا أحد المباحث.

و البحث الثانى أنه ینعکس عن الماء وقتا و ینفذ تحته وقتا و کذلک عن البلور، فیجب إذن أن یدخل أحد الأمرین نقصان عن الآخر إما أن یکون المبصر تحت الماء لا یرى صحیحا، بل ترى منه نقط عند الحس متفرقه لا صوره کامله، أو المنعکس إلیه لا یرى بالتمام، بل ترى منه نقط عند الحس متفرقه لا صوره کامله و إن رؤى أحدهما أتم رؤى الاخرى بحسبه أنقص، و لیس الأمر کذلک.

و البحث الثالث هو أن المنعکس عن الشى‏ء الذى قد فارقه و واصل غیره ثم ترى به صورتهما معا لا یخلو إما أن تکون مفارقه الشعاع المنعکس لا توجب انسلاخ صوره المحسوس عن الشعاع أو توجب. فإن کانت لا توجب فکیف لا نرى ما أعرضنا عنه و فارقه الشعاع، فإنا لا نعرف هناک‏

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: اشاره الى الجواب عن الامر الثانى.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۸۵

عله إلا أن الشعاع استبدل به موقعا غیره. و إن کانت المفارقه توجب انسلاخ تلک الصوره عنه ففى الوقت الواحد کیف ترى المرآه و الصوره معا، فإن کان القائم‏ «۱» على المرآه من الشعاع یرى صوره المرآه و الزائل عنه إلى شى‏ء آخر یرى صوره ذلک الشى‏ء، فقد اختص بکل واحد من المبصرین جزء من الشعاع فیجب أن لا یریا معا، کما أن الشعاع الواقع على زید و الشعاع الواقع على عمرو فى فتح واحد من العین‏ «۲» معا لا یوجب أن یتخیل المرئى من زید مخالطا للمرئى من عمرو.

فإن قیل: إن السبب‏ «۳» فیه أن ذلک الشعاع یؤدى الصوره من طریق ذلک الخط إلى النفس فیکون خط واحد یؤدیهما معا و ما یؤدّى من خط واحد یرى واحدا فى الوضع‏ «۴».

قیل: أما أولا فقد أبطلت مذهبک و منعت أن یکون الخط الخارج مبصرا من خارج، بل مؤدیا؛ و أما ثانیا فإنه لیس یمتنع أن یخرج‏ «۵» خط ثان یلاقى الخط المنعکس و یتصل به، فإن کان إنما یؤدى بما یتصل به من الخطوط ثم تحس القوه التى فى العین لا الخارجه، فحینئذ کان یجب أن یرى الشى‏ء من الخطین معا فترى الصوره مع صوره المرآه و مع غیر تلک الصوره، و کان یجب أن یتفق مرارا أن یرى الشى‏ء متضاعفا لا بسبب فى‏

______________________________
(۱)- اى الشعاع القائم. و قوله: «من الشعاع» بیان للقائم.

(۲)- «من العینین» نسخه کما فى المباحث للفخر ایضا ص ۳۱۱ ج ۲.

(۳)- أى إن قیل: إن السبب فى ذلک أنّ الشعاع یؤدّى صورتى المرآه و ما یرى فیها الى النفس من طریق خط واحد هو الذى على المرآه لا تصاله بخط الانعکاس فیریان متحدین فى الوضع.

(۴)- و ما تأدى من خط واحد رؤى واحدا فى الوضع. نسخه مصحّحه.

(۵)- اى من العین.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۸۶

البصر و لکن لاتصال خطوط شتّى بصریّه بخط واحد، و هذا مما لا یکون و لا یتفق، فإنا إنما یمکننا أن نرى الشى‏ء فى المرآه و نراه وحده إذا کان مقابلا للبصر، و أما إذا لم یکن مقابلا فإنا نراه فى المرآه فقط.

فلیکن على أصلهم «ا» نقطه البصر «۱» و «ب» موضع المرآه و لیکن خط «ا- ب» خرج من البصر ثم انعکس إلى جسم عند «ج». و لیخرج خط آخر و هو «ا- د» و یقطع خط «ب- ج» على «ه» و یتصل به هناک. فأقول یجب على أصولهم أن یکون شبح «د» یرى مع شبح «ج» و «ب» و یرى شبح «ج» من طرفى «ه» و «ب» من خطى «ه ا» و «ب ا».

و ذلک لأن أجزاء هذه الخطوط «۲» الخارجه من الأبصار إما أن تکون متصله و إما أن تکون متماسه، فإن کانت متصله و کان من شأن بعضها کما فرضناه أن یقبل الأثر مع بعض إذا اتصلت حتى یؤدّى‏ «۳» إلى الحدقه، و کان الأثر فى کلیه الجرم الشعاعى نفسه لا فى سطح منه مختص بجهه، و لیس ذلک من التأدیه اختیاریا و لا صناعیا، بل طبیعیا، فإذا حصل المنفعل‏ «۴»

______________________________
(۱)

(۲)- اى الخطوط الشعاعیه.

(۳)- حتى یؤدّیا کما فى ثلاث نسخ. حتى تؤدّیه کما فى نسخه.

(۴)- و هو الخط الثانى هیهنا.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۸۷

ملاقیا للفاعل‏ «۱» الذى یفعل بالملاقاه وجب أن ینفعل عنه. فإن الحکم فى خروج التهیّآت الطبیعیه التى فى جواهر الأشیاء إلى الفعل هو أن تکون طبیعه التهیؤ موجوده فى ذات المنفعل و إن لم تکن بسبب شى‏ء من طبیعه الفاعل، و الأمر الذى عنه الفعل موجودا فى ذات الفاعل، و إن لم یوجد مثلا فى المنفعل. و إذا حصل ذلک لم یتوقف الخروج إلى الفعل إلا على وصول أحدهما إلى الآخر. فإذا وصل الفاعل إلى المنفعل و ارتفعت الوسائط، و هذا فیه قوه الفعل و ذاک فیه الانفعال، وجب الفعل و الانفعال الکائن بینهما بالطبع على أى نحو کان الاتصال، و لم یکن للزاویه الکائنه بحال معنى، و لا لفقدان المنفذ و فناء المشف عند المرآه أثر.

فإنه سواء فنى المنفذ و اتصل به خطوط أو کان غیر فان و اتصل به خطوط، فإن الفاعل یجب أن یفعل و المنفعل یجب أن ینفعل.

فإن کان الشبح و الأثر «۲» مثلا لیس فى الجرم الشعاعى الممتد

______________________________
(۱)- و هو الخط الاول هیهنا.

(۲)- قوله: «فان کان الشبح و الاثر …» اقول: عباره الفخر الرازى فى المباحث المشرقیه هکذا: «و ان کان الاثر فى طرف الجسم الشعاعى فقط فیجب ان لا ینفعل ما بین اول الخط و آخره بل یقع الشبح من الطرف الملامس الى الطرف الآخر من غیر انفعال الاجزاء فى الوسط، و کان یجب ان یکون الاداء على الخط المستقیم و لا یؤدى على زاویه العکس و هذا مما لا یقال» انتهى (ص ۳۱۲ ج ۲). و لا یخفى علیک ان الفخر بیّن المراد ملخّصا و رأینا نقل کلامه مفیدا لفهم کلام الشیخ- قدس سره.

ثم انّ الشیخ اکثر التدقیق فى المقام حیث قال: «و لیس فى جهه» الخ. یعنى و لیس ذلک الجرم الشعاعى فى جهه ذلک الخط اى خط «ا ه» بحیث یتصل به اى بذلک الجرم الشعاعى. و ان شئت قلت بخط «ا ه» و المآل واحد. ذلک الخط فى تلک الجهه اى خط «ا ب ج» فیتصل به فى «ه». فعلى هذه الدقه یخرج هذا الجرم الشعاعى من «ا» و هى نقطه البصر و ینتهى الى «ج» و یماسه بنقطه منه او بسطح منه. ثم یقال بعد هذا فیجب ان‏

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۸۸

نفسه‏ «۱» و لکن فى سطح منه أو نقطه‏ «۲» هى فناؤه و نهایته، و لیس فى جهه ذلک الخط «۳» بحیث یتصل به ذلک الخط من تلک الجهه فینفعل عنه، بل على غیر امتداد ذلک الخط، فیجب أن لا ینفعل‏ «۴» ما بین أول الخط و آخره، بل یقع الشبح من السطح الملامس إلى السطح الثانى دفعه «۵» من غیر انفعال الأجزاء فى الوسط. و ذلک لأن المتصل لا مقطع له‏

______________________________
– لا ینفعل الخ.

و قوله: «بل على غیر امتداد ذلک الخط» یمکن ان یکون اضرابا عن لیس الثانى. اى بل یکون ذلک الجرم الشعاعى على غیر امتداد ذلک الخط و هو خط «ا ه». او یکون اضرابا عن لیس الاول، اى یکون الاثر و الشبح على غیر امتداد ذلک الجرم الشعاعى بل فى طرف منه. فتبصّر.

قال بهمنیار فى التحصیل: نقطه فان کان الشبح و الاثر لیس فى الجرم الشعاعى الممتد نفسه و لکن فى سطح منه او نقطه هى فناؤه و نهایته و لیست الى جهه ذلک الخط فیجب ان لا ینفصل ما بین اول الخط و آخره بل یقع الشبح من السطح الملامس الى السطح الثانى دفعه من غیر انفعال لاجزاء الوسط و ذلک محال لان المتصل لا مقطع له بالفعل او وجب ان یکون الاداء على الخط المستقیم و لا یؤدى على زاویه ألبته لان لنقظ الزاویه اعراضا عن الاستقامه و هذا مما لا یقال. و بیّن ان انفعال خط «ه ا» من خط «ج ه» کانفعال. خط «ا ب» من «ه ب» بل هو اقرب و اولى لانه على خط الاستقامه.

و قال الرازى: و ان کان الاثر فى طرف الجسم الشعاعى فقط فیجب ان لا ینفعل ما بین اول الخط و آخره بل یقع الشبح من الطرف الملامس الى الطرف الاخر من غیر انفعال للاجزاء فى الوسط او کان یجب ان یکون الاداء على الخط المستقیم و لا یؤدى على زاویه العکس و هذا مما لا یقال.

(۱)- تأکید للجرم.

(۲)- اى الشبح و الاثر فى نهایته فقط.

(۳)- اى خط: «ه».

(۴)- اى على تقدیر ان الاثر فى طرف الجسم الشعاعى فقط.

(۵)- فى تعلیقه نسخه: اى على سبیل الطفره و هى محال.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۸۹

بالفعل‏ «۱»، أو وجب أن یکون الأداء «۲» على الخط المستقیم و لا یؤدى على زاویه ألبته، لأن لنقطه الزاویه إعراضا عن الاستقامه و هذا مما لا یقال.

فبین من هذا أن انفعال خط «ه ا» من خط «ج ه» کانفعال خط «ب ا» من خط «ه ب» بل هو أولى و أقرب. فیجب أن یتأدى شبح «ج» من کلا خطى «ه ا، ب ا» فیجب أن یرى «ج» حینئذ لا شیئا واحدا بل شیئین اثنین. و أیضا یجب أن یتأدى شبح «د» مع شبح «ج» و یضعون أن شبح «ب» متأد مع شبح «ج»، فیجب أن ترى الأشباح الثلاثه معا، و جمیع هذا غیر کائن.

و على هذا القیاس إن کانت‏ «۳» متماسه فإنها إن کان کل جزء منها یقبل الأثر بجمیع جرمه وجب بمماسته الفعل و التأثیر فى الذى یلیه، و إن کان لا إلا فى السطوح التى تقابل المبصر «۴» لم یجز فى شى‏ء من الزوایا التى‏

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: قوله: «لا مقطع له بالفعل» حتى یقال لا یقع الشبح من السطح الملامس الى السطح الثانى لانقطاع الخط و عدم اتصال الخط بالبصر و هذا الوقوع محال لان الشبح لا یجوز ان یطفى بل یجب ان یعبر عن الوسط و اذ عبر عن الوسط فالوسط لا محاله ینفصل عن الشبح اذ المراد انه لما لم یکن بین السطح الملامس و السطح التالى انقطاع و فرض ان الشبح یقع من الملامس الى الثانى فلا محاله عبر عن الوسط من غیر انفعال الوسط عنه و ذلک محال.

(۲)- فى تعلیقه نسخه: هذا على تقدیر فرض الشبح فى نهایه الخط الشعاعى التى یقع على سطح المرآه اى فى السطح الذى مقابل للبصر و لا یکون للشبح اثر فى الخط الانعکاسى اصلا.

(۳)- اى الخطوط الشعاعیه.

(۴)- قوله: «و ان کان لا الّا فى السطوح التى تقابل المبصر». اقول هکذا کانت العباره فى النسخ المصحّحه التى عندنا. و کلمه «یؤثر» زائده. و الصواب بدونها. و معنى العباره هو هکذا: اى و ان کان کل جزء منها لا یقبل الاثر بجمیع جرمه الا فى السطوح التى الخ.

ثم، السائل فى قوله: «فان سئلنا نحن» اصحاب الشعاع، و المسئول اصحاب الانطباع، و هم یقولون ان الهواء مؤد على الاستقامه او على هیئه ما شبح المرئى الى البصر.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۹۰

تقع حائده عن ذلک السطح أن یتأدى منها المبصر إلى البصر.

فإن سئلنا نحن: أنکم ما بالکم توجبون أن تقع تأدیه هذا الشبح على الاستقامه أو على هیئه مّا و قوعا إلى بعض الأبصار المماسه له دون بعض.

فنقول: أما نحن بالحقیقه فلا نقول: إن الهواء مؤدّ على أنه قابل شى‏ء ألبته من الرسوم و الأشباح من شى‏ء لیحمله إلى شى‏ء، بل نقول: إن من شأن النیّر أن یتأدى شبحه إلى المقابل له إن لم یکن بینهما عائق هو الملون، بل کانت الواسطه بینهما مشفه. و لو کانت الواسطه قابله أو لا ثم مؤدیه «۱» لأدّت إلى الأبصار کلها کیف کان وضعها «۲» کما تؤدّى الحراره إلى الملامس کلها کیف کان وضعها.

ثم من الأمور التى یجب أن یبحث عنها فى هذا الموضع هو أنّ کثیرا ما نرى الشبح و ذا الشبح معا دفعه واحده و نراهما متمیزین، أعنى أنا نرى فى المرآه شبح شى‏ء و نراه أیضا بنفسه من جانب و ذلک معا، و عسى أن ذلک إنما یقع بسبب خطى شعاع أحدهما یصیر إلیه بالاستقامه، و الآخر على زاویه عکس. و لأن الواقعین على الشى‏ء اثنان‏ «۳»، فمن جهه ذلک‏

______________________________
– ثم، اعلم ان عبارات التحصیل فى المقام مطابقه للشفاء و هو نقل العباره المذکوره ایضا هکذا: «و ان کان لا الّا فى السطوح التى …» ص ۷۷۵- ط ۱.

(۱)- یکون المشف مؤدّیا بمعنى انه شرط لحصول الابصار (ص ۲۹۴ ج ۲ من المباحث المشرقیه).

(۲)- فى تعلیقه نسخه: و لکن لیس کذلک و الواسطه لا تکون قابله بل تکون مؤدیه.

(۳)- قال الرازى فى المباحث المشرقیه ج ۲ ص ۳۱۲: «اما ان یکون ذلک بسبب انه وقع شعاعان على المرئى او لان احدهما اتصل به على الاستقامه و الاخر اتصل به منعکسا عن المرآه و الاول باطل لوجهین:

اما اولا فلان وقوع الشعاعین على المرئى لا یوجب ان یرى الواحد اثنین فان الاشعه عندهم کلما تراکمت و اجتمعت کان الادراک اشد تحقیقا و ابعد عن الغلط فى العدد و الخصوم معترفون بذلک. و اما ثانیا فلانه لا یمکن ان یلمس شعاعان شیئا واحدا لان‏

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۹۱

نراه اثنین فنحصّل الآن هذا هل هو ممکن أو لیس بممکن.

فنقول: إن وقوع جزئین على المبصر لا یوجب أن یرى الشى‏ء الواحد اثنین، فإن الشعاع عندهم کلما اجتمعت أجزائه على المبصر و تراکمت کان إدراکها إیاه أشد تحقیقا و أبعد عن الغلط فى العدد. و الخصوم معترفون بهذا و لا یوجبون أن شعاعا واحدا إذا رأى الشى‏ء وحده کان واحدا، فإن وقع علیه شعاع آخر و اتصل به صار فى الرؤیه بسببه غلط.

على أنه لا یمکن أن یلمس شیئا واحدا شعاعان معا لا شعاعا أصل و لا شعاعا أصل و عکس. و الشعاع جسم على ما یرونه، لأن الجسم لا ینفذ فى الجسم، بل یجوز أن یقع شعاع على شعاع.

فإن سلکنا هذه السبیل لم یکن الإبصار بکلیهما على سبیل اللمس؛ بل یکون أحدهما یلمس و الآخر یقبل منه، و سواء کان الشعاعان طرفى خطین خرجا على الاستقامه أو أحدهما و الآخر من جانب العکس.

فإذن إن کان هاهنا فلیس وقوع شعاعین على واحد مطلقا، بل بالشرط «۱» و هو أن أحد الشعاعین وقع علیه وحده‏ «۲»، و الشعاع الثانى أیضا وقع معه على غیره.

______________________________
– الشعاع جسم و الجسم لا ینفذ فى الجسم.

و القسم الثانى باطل بمرآتین توضعان متقابلتین فان کل شعبه شعاع فهى واقعه على الاثنین جمیعا فلا یمکن ان یجعل احد الشعاعین مؤدیا للشبح و الاخر لذى الشبح فان کل واحد منهما ادرک ما ادرک الآخر و المدرک واحد فکان یجب ان یکون الادراک منهما واحدا و لیس کذلک». و راجع ایضا ص ۷۷۶ من التحصیل لبهمنیار.

(۱)- بل بشرط، نسخه.

(۲)- فى تعلیقه نسخه: و هذا هو الشق الذى اشار الیه سابقا بقوله: «و عسى ان ذلک انما یقع بسبب خطى شعاع احدهما یصیر الیه بالاستقامه و الاخرى على زاویه عکس».

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۹۲

و هذا القسم یبطل بمرآتین توضعان متقابلتین، فإن الأشعه لا تفترق فیهما «۱» من هذه الجهه، بل کل شعوب شعاع فهو واقع على الاثنین جمیعا. و مع ذلک فإن البصر یرى کل مرآه و شبحها دفعه. و الشعاعان هاهنا لا یفترقان، و لا یجوز «۲» أن یؤدّى شعاع شبحا و الآخر غیر ذلک الشبح، فإن کل واحد منهما أدرک ما أدرک الآخر و المدرک واحد فیجب أن لا یکون الإدراک و الأداء اثنین، بل یجب أن یأتى البصر صوره کل مرآه مره غیر مکرره. و إن تکررت بسبب العکس‏ «۳» و کان لذلک وجه و عذر

______________________________
(۱)- اى لا تفترق فى الادراک و التأدیه. و فى نسخه: لا تفترق بینهما.

(۲)- فلا یجوز ان یؤدى، کما فى عده نسخ.

(۳)- قال الرازى فى المباحث المشرقیه ج ۲ ص ۳۲۴: «فان قیل اذا اتصل بالمرآتین شعاعان على الاستقامه وجب ان ترى ذات کل واحد منهما ثم انه ینعکس الشعاع من کل واحده الى الاخرى فیجب ان نرى شبح کل واحده منهما فى الاخرى. فنقول و ان سلّمنا ما ذکر تموه لکنه یبقى الاشکال من وجوه اربعه:

الاول ما السبب فى ان کل واحده من المرآتین تتأدّى عنها اشباح کثیره حتى نرى مرارا کثیره فانه اذا انعکس الشعاع عن مرآه «ا» الى مراه «ب».

رأینا «ب» فى «ا». ثم اذا انعکس من «ب» الى «ا» رأینا «ا» فى «ب» ثم اذا انعکس مره اخرى من «ا» الى «ب» رأینا «ب» فى «ا» مره اخرى فحینئذ قد راینا شبح «ب» مرتین و کان یجب ان یمتنع ذلک لان الشعاع اتصل به فى المرآتین على وجه واحد و هو الانعکاس.

و الثانى ما بال المرآتین یرى شبح کل واحده منهما مرارا کثیره کل مره اصغر مما قبلها و ما السبب لذلک التصغر فان قالوا الشعاع اذا تردد طالت مسافته فیستدقّ و کلما ازداد التردد ازداد الاستدقاق فازداد صغر المرئى فنقول ذلک باطل من وجوه ثلاثه:

اما الاول فان کل ما ذکر تموه یقتضى ان تکون تلک الخطوط الشعاعیه اذا تراکمت ان لا تصیر

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۹۳

متکلف لنسامح فى تسلیمه، فلا یجب أن یقع تکرار بعد تکرار فما بال کل واحده من المرآتین تتأدى عنها أشباح کثیره حتى ترى المرآه الواحده مرارا کثیره، مره واحده ترى نفسها کما هى و مرارا کثیره جدا شبحها.

فإن قلنا: إن الشعاع لما انعکس من هذه المرآه إلى الأخرى رأى الاخرى فى هذه المرآه، ثم لما انعکس مره أخرى إلى الأولى رأى الأولى فى هذه الأخرى، فإذا «۱» انعکس مره أخرى فلم لا یرى کما رآه مره

______________________________
– کخط واحد بل تبقى خطوطا معطوفه موضوعه بعضها تحت بعض محفوظه التمیز.

و اما الثانى فلان الموجب لان یرى الکبیر صغیرا تصغّر زاویه الشعاع و معلوم ان البعد المنعرج لا یؤثر فى تصغر الزاویه کما یؤثر فیه البعد المستقیم.

و اما الثالث فلان ما قالوه یبطل بما اذا بعّدنا المراه اضعاف ما تقتضیه الانعکاسات فانه لا یرى ذلک الشى‏ء بذلک الصغر مثلا اذا انعکس الشعاع من «ا» الى «ب» ثم من «ب» الى «ا» هکذا اربع مرات و البعد بینهما شبران فالذى قطعه الشعاع من مسافته المنفرجه ثمانیه اشبار فلو انا بعدنا المرآه عن مرکزها عشره اشبار لم نکن نراه بذلک الصغر فبطل ما قالوه.

و الوجه الثالث فى الجواب عن السؤال الاول ان الصوره الماخوذه عن الشى‏ء بذاته و المأخوذه بعکسین کل ذلک یختلف عند البصر و ذلک الاختلاف اما بالماهیه او بالعوارض العارضه لها بسبب الماده. اما الاول فباطل لان الصورتین هاهنا واحده فى الماهیه. و الثانى ایضا باطل لان قابلهما و هو العین واحد فاذا یمتنع ان تکون الصورتان اثنتین فضلا عن ان تکونا مختلفتین. و اما عند اصحاب الاشباح فالشناعه غیر لازمه لانه الصورتین ماخوذتان عن شیئین احدهما حاملها الاول و الثانى الجسم الصقیل القابل لشبحها نوعا من القبول و الفاعل لها نوعا من الفعل.

و الرابع انه اذا اتصل بالمرئى شعاع على الاستقامه و آخر بالانعکاس فالثانى لا ینفذ فى الاول لامتناع تداخل الاجسام فاما ان یلامس شیئا من اجزاء المرئى غیر مالمسه الاول فلا یکون ادراک الشعاعین بشى‏ء واحد بل احدهما یدرک بعض اجزاء المرئى و الثانى یدرک شبح الباقى و اما ان یکون الثانى یلمس اللامس السابق فحینئذ یجب ان یرى ما یرى بحسب الانفعال منه بسبب الاتصال به و بطلت شریطه زاویه العکس».

(۱)- جواب ان قلنا.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۹۴

أولى، إلا أن یقولوا إن الأول رآه بجزء «۱» و الآخر رآه بجزء آخر. فإن کانت الأجزاء مؤدیه لا رائیه فلیس تؤدى أشیاء أخرى، بل ذلک الشبح بعینه و اختلاف وقوعها علیه بعد کونه واحدا بعینه لا یوجب اختلافا فى الرؤیه. فقد بینا ذلک أیضا، فإن عندهم أن أجزاء المنعکس تجتاز على المبصر «۲» المنعکس عنه اجتیازا، فیجب أن تتبدل صورته فى تلک الأجزاء. و مع ذلک فلیس یجب من تبدلهما علیه أن تزید فى عدد ما یدرک أولا و ثانیا إذ کان ما یؤدّى من الصوره واحده «۳»، و إن کانت الأجزاء بأنفسها رائیه وجب ما قلنا فى امتناع رؤیه شبح المنعکس إلیه‏ «۴» فى شبح المنعکس عنه. ثم لم یجب أن یرى الأشباح عن قلیل‏ «۵» و قد صغرت‏ «۶».

فعسى أن یقولوا: إن الشعاع إذا تردد طالت مسافته فرأى کل مره أصغر ففارق الأول الثانى بالصغر، فیجب أن یکون أولا الخطوط الشعاعیه إذا تراکمت لا تکون کخط واحد أغلظ و أقوى من الأول، بل تبقى خطوطا معطوفه موضوعه بعضها بجنب بعض محفوظه القوام لا تتحد. و هذا «۷» الحکم عجیب. و بعد ذلک‏ «۸» فإنهم لا یجدون للصغر «۹»

______________________________
(۱)- من الشعاع.

(۲)- فى تعلیقه نسخه: اى غیر لابثین علیه.

(۳)- واحدا، نسخه.

(۴)- فى تعلیقه نسخه: اى بالتمام بل یتبدل صوره المنعکس الیه کما ان اجزاء شعاع المنعکس تجتاز على المبصر المنعکس عنه و لم یر المنعکس الیه بالتمام.

(۵)- اى عن بعد قلیل.

(۶)- فى تعلیقه نسخه: کما یرى فى المرایا المتقابله کذلک.

(۷)- اى عدم الاتحاد.

(۸)- اى ثانیا.

(۹)- للتصغّر، نسخه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۹۵

بالبعد المنعرج من عند عدد «۱» الزاویه ما یوجد للبعد المستقیم.

ثم ما یقولون فى ذلک المرئى بعینه؟، فإنه إذا بوعد به أضعاف ما تقتضیه المساحه بین الانعکاسات لم یر بذلک الصغر. مثلا إذا انعکس البصر «۲» من مرآه «ا» إلى مرآه «ب» فرأى صوره «ب» فى مرآه «ا» ثم انعکس البصر من مرآه «ب» إلى مراه «ا» فرأى صوره «ا» فى مرآه «ب»، ثم انعکس البصر من مرآه «ا» إلى مرآه «ب» فرأى صوره مرآه «ا». ثم کذلک رأى صوره «ب» فى مرآه «ا» و البعد بینهما شبران فیجب أن یکون ما قطعه الشعاع من مسافه المنعرجه ما بین العین و إحدى المرآتین ثمانیه أشبار. و لو أنّا بعّدنا مرآه ب من مرکزها عشره أشبار فما فوقها لم یکن نراه بذلک الصغر. على أن العجب فیما ذکرناه هو من افتراق الصوره المأخوذه عن الشى‏ء بذاته، و المأخوذه عنه بالعکس، أو المأخوذه عنه بعکسین، فإن جمیع ذلک متفرق عند البصر. و الصورتان المأخوذتان هما عن ماده واحده فى قابل واحد فبماذا تفترقان. لأن افتراق الصور إما بالحدود و المعانى و إما فى القوابل؛ و الصورتان معنیاهما واحد و حاملهما

______________________________
(۱)- المنعرج من تحدد الزاویه، نسخه. و فى تعلیقه نسخه: و معلوم ان البعد المنعرج لا یؤثر فى تصغر الزاویه کما یؤثر فیه البعد المستقیم.

(۲)-

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۹۶

الأول واحد «۱»، و قابلهما الثانى واحد، فیجب أن لا تکونا اثنین.

أما على مذهبنا، فإن هذه الشناعه غیر لازمه، لأن الصورتین عندنا مأخوذتان عن قابلین: أحدهما حاملهما الأول‏ «۲»، و الثانى الجسم الصقیل القابل لشبحهما نوعا من القبول و الفاعل‏ «۳» بصورهما فى العین نوعا من الفعل.

ثم العجب‏ «۴» فى أمر الشعاع بعد الشعاع، فإنه إن کان الأمر على ما قلنا من أن الشعاع الثانى لا یجب أن ینفذ فى الأول، بل یماسه من خارج فکیف یلامس الشعاع المنعکس المرئى‏ «۵» فرآه‏ «۶»، و إنما یلامس ما غطّاه من لامسه السابق.

فإن کان یرى ما رآه ذلک بحسب الانفعال منه و قبول ما قبله بسبب الاتصال به، بطلت شریطه الانفعال على الزاویه المعینه، و کان أیضا إنما أدرک ما أدرک الأول لا شیئا غیره‏ «۷» بالعدد بوجه من الوجوه، و إن کان کل یلامس شیئا من أجزاء الشى‏ء غیر ما یلامسه الآخر، فلیس و لا واحد منهما بمستقصى الإدراک و لا إدراکهما لشى‏ء واحد «۸».

______________________________
(۱)- الحامل الاول هو الماده الخارجیه، و الحامل الثانى هو الذهن. فراجع ص ۵۷ ج ۴ ط ۱- ج ۸ ص ۲۳۴ ط ۲ من الاسفار.

(۲)- فى تعلیقه نسخه: الحامل الاول هو الشعاع الذى یقع على المرئى مستقیما و الحامل الثانى هو الشعاع الذى یقع على المرئى منعکسا.

(۳)- اى ذلک الجسم الصقیل.

(۴)- فى تعلیقه نسخه: هذا الایراد ایضا على تقدیر رؤیه الاشباح فى المرایا المتقابله.

(۵)- مفعول یلامس.

(۶)- فیراه، نسخه.

(۷)- فى تعلیقه نسخه: و الحال انه لیس کذلک.

(۸)- بل جزء من شى‏ء واحد.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۹۷

الفصل السابع فى حلّ الشبه التى اوردوها و فى اتمام القول فى المبصرات التى لها أوضاع مختلفه من مشفّات و من صقیلات‏

فلنحلّ الآن الشبه المذکوره «۱». فأما ما تعلّقوا به من أن القرب یمنع الإبصار و أن انتقال الألوان و الأشکال عن موادها مستحیل، فهذا إنما کان یصح لهم لو قیل: إن الإبصار أو شیئا من الإحساسات إنما هو بنزع الصوره عن الماده على أنه أخذ نفس الصوره من الماده و نقلها إلى القوه الحاسه. و هذا شى‏ء لم یقل به أحد، بل قالوا إن ذلک على سبیل‏

______________________________
(۱)- تعرض الرازى للرد على القائلین بان الابصار لاجل خروج الشعاع فى المباحث المشرقیه ج ۲ ص ۲۹۶: «انا ما نقول انه تنتقل الصوره من المحسوس الى الحس بل نقول ان البصر یقبل فى نفسه صوره من المبصر مشاکله للصوره التى له و المحسوسات التى لا تحس الا مع المماسه کاللمس و الذوق فلیس یسلب الحاس صورها بل یوجد فیها مثل صورها و لیس بمستبعد ان یکون من الاشیاء ما لا ینفعل الا عن الملاقى و منها ما لا ینفعل الا عن المحاذى مثل الابصار فانه لاحتیاجه الى توسط شفاف و هو الهواء و الى کون المرئى مضیئا و کلاهما لا یوجدان عند ملاقاه الحاس و المحسوس فلا جرم یمتنع ان ینفعل عن الملاقى بل لا ینفعل الا عن المحاذى و لما لم یکن على فساده حجّه لم یجب انکاره».

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۹۸

الانفعال. و الانفعال لیس أن یسلخ المنفعل قوه الفاعل أو کیفیته، بل أن یقبل منه مثلها أو جنسا غیرها.

و نحن نقول: إن البصر یقبل فى نفسه صوره من المبصر مشاکله للصوره التى فیه لا عین صورته، و هذا الذى یحسّ أیضا بالتقریب کالمشموم و الملموس فلیس یسلب الحاس بذلک صورته، بل إنما یوجد فیه مثل صورته.

لکن من الأشیاء ما إلى الانفعال منه سبیل بالملاقاه، و منها ما إذا لوقى انقطع عنه شى‏ء یحتاج إلیه حتى یؤثر أثره، و هو فى هذا الموضع هو الشعاع المحتاج إلى اتصاله بالصوره المرئیه فى أن یلقى ذو الصوره شبحا من صورته فى غیره مناسبا لما نراه إلقائه شبحه المؤکد إذا اشتد علیه الضوء، حتى أنه یصبغ ما یقابله بصبغه قارّا فیه‏ «۱» متحققا إذا کان ما یقابله قابلا لذلک و لو بتوسط مرآه أیضا، و مع الاحتیاج إلى استضاءه المرئى فإنه یحتاج أیضا إلى متوسط کالآله تعینه علیه و هو الإشفاف، و أن یکون للمقدار منه حد محدود لا یقع الأصغر منه فیه.

و من الدلیل على أن المدرک یأخذ شبحا من المدرک ما یبقى فى الخیال من صوره المرئى حتى یتخیله متى شاء، افترى أن ذلک المتخیل هو صوره الشى‏ء فى نفسه، و قد انتقل إلى الخیال و تجرّد تجرّد الشى‏ء عن صورته، کلّا بل هو شى‏ء غیره مناسب له.

و أیضا فإن بقاء صوره الشمس فى العین مده طویله إذا نظرت إلیها ثم أعرضت عنها یدلّک على قبول العین للشبح، و کذلک تخیل‏

______________________________
(۱)- کما فى نسخنا کلّها. و فى المطبوعه بمصر: «فادّاه».

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۱۹۹

القطره النازله خطا و النقطه المتحرکه على الاستداره بالعجله دائره، و لا یمکنک أن تتخیل ذلک و تراه إلا أن ترى امتدادا مّا، و لا یمکن أن ترى امتدادا من نقطه متحرکه فى غیر زمان و لا من غیر أن تتخیل الشى‏ء فى مکانین.

فیجب أن یکون لکون‏ «۱» القطره فوق ثم تحت و امتدادها ما بین ذلک، و کون النقطه على طرف من المسافه التى تستدیر فیها و على طرف آخر، و امتدادها فیما بین ذلک، متصور الشبح‏ «۲» عندک. و لیس ذلک بحسب آن واحد، فیجب إذن أن یکون شبح ما تقدم مستحفظا بعده باقیا عقیبه، ثم یلحقه الإحساس بما تأخر و یجتمعان امتدادا کأنه محسوس. و ذلک لأن صورته راسخه و إن کانت القطره أو النقطه قد زالت عن أىّ حدّ فرضت و لم تبق فیه زمانا.

و أما ما ذکروه من أمر النور الذى یتخیّل بین یدى العین، فالسبب فى غلطهم به أن ذلک عندهم لیس یکون إلا على وجه واحد «۳»، حتى ظنوا أنه لا یجوز أن تکون العین شیئا له فى جوهره ضوء کالأشیاء اللوامع التى ذکرناها فیما سلف. فإذا کانت ظلمه لمع و أضاء ما قدّامه بکیفیه تؤثرها لالشى‏ء ینفصل عنه و کأنّه لا یجوز أیضا أن یکون الحک و اللمس قد یحدث شعاعات ناریه لطیفه فى الظلمه، کما یتفق من مس ظهر السنور

______________________________
(۱)- کما فى جمیع النسخ المخطوطه التى عندنا. و فى المطبوعه بمصر: «یکون تکوّن القطره».

(۲)- خبر یکون.

(۳)- راجع ص ۲۹۰ ج ۲ من المباحث المشرقیه. و فى تعلیقه نسخه: و هو انفصال النور عن العین فقط.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۲۰۰

و إمرار الید على المخدّه و اللحیه فى الظلمه.

و قد یظهر لک أنه لا یبعد أن تکون الحدقه نفسها مما یلمع لیلا و یضى‏ء و یلقى شعاعها على ما یقابلها، فإن عیون کثیر من الحیوان بهذه الصفه کعین الأسد و الحیه. فإذا کانت کذلک جاز أن ینیر المظلم. و لهذا ما کان کثیر من الحیوانات ترى الظلمه لإنارتها الشى‏ء بنور یفیض من عینیها و لقوه عینها.

و أما حدیث امتلاء الحدقه عند تغمیض الأخرى فمن الذى ینکر أن یکون فى العصبه المجوّفه جسم لطیف هو مرکب القوه الباصره، و هو الذى یسمى الروح الباصر «۱» أنه یتحرک تاره مستبطنا هاربا و تاره مستظهرا محدقا. فإذا غمضت إحدى العینین هربت من التعطل و من الظلمه طبعا، فمالت‏ «۲» إلى العین الأخرى، لأن المنفذ فیهما مشترک على ما یعرفه أصحاب التشریح. و لیس إذا امتلأ شى‏ء من شى‏ء، یجب أن یکون فى طبع المالئ بروز و خروج و ذهاب فى الأرض و مسافره إلى أقطار العالم.

و أما حدیث المرآه «۳» فیلزم سؤالهم جمیع من عنده أن المرآه تنطبع فیها صوره المحسوس. لکن الأجوبه التى یمکن أن یجاب بها عن ذلک ثلاثه:

جواب کأنّه مبنى على مذهب مشهور، و هو أن الصوره لا تنطبع فى‏

______________________________
(۱)- فى بعض النسخ: الروح الباصره. (و الروح یذکر و تؤنث).

(۲)- هرب- فمال. نسخه.

(۳)- راجع ص ۲۸۸ و ۲۹۴ من المباحث المشرقیه. و فى تعلیقه نسخه: و هو انکار انطباع الصوره فى المرآه.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۲۰۱

المرآه على الهیئه التى تنطبع الصوره المادیه فى موادها و بحیث لا تجتمع فیه الأضداد، بل هذه الصوره تنطبع کلیتها فى کلیه المرآه، و لا بأس أن یجتمع فیها شبح بیاض و سواد معا لأنهما فیها لا على سبیل التکیف بهما، بل کما یکون فى المعقول. و العقول تعقل السواد و البیاض من غیر تعاند و لا انقسام. ثم إنما یتأدى إلى البصر ما یکون على نسبه ما بین الثلاث أعنى البصر و المرآه و المبصر. و لا تتفق نسبه الجمیع من کل جزء من المرآه، بل یکون جزء منها «۱» یؤدى البیاض بعینه و جزء آخر یؤدّى السواد بعینه و یتحدد بینهما حدّ فى الرؤیه، فتکون جمله الأداء و التحدد محصله لصوره مثل المبصر فى البصر.

و هذا الجواب مما لا أقول به و لا أعرفه، و لا أفهم کیف تکون الصوره تنطبع فى جسم مادى من غیر أن تکون موجوده فیه، و قد یخلو الجسم عنها و هى منطبعه فیه، و کیف یکون غیر خال عنها و هو «۲» لا یرى فیه، بل ترى صورته التى له، مع أن من شأن ذلک أیضا أن یرى. أو کیف یکون خالیا بالقیاس إلى واقف دون واقف و هذا اشتطاط «۳» و تکلف بعید.

و مما فیه من التکلّف أنهم لا یجعلون للشکل انطباعا فیه. فإن جعلوا جعلوا الشکل غیر محدود، و مما فیه من التکلف أن یجعلوا صوره السواد فى جسم من غیر أن یکون ذلک سوادا للجسم، و أن یجوّزوا أیضا اجتماع البیاض فیه فى وقت واحد و یجعلوا صوره السواد غیر السواد و صوره

______________________________
(۱)- قوله: «بل یکون جزء منه یؤدى» هکذا کانت النسخ المخطوطه التى عندنا. و فى مطبوعه مصر: «بل یکون جزء منها یؤدى» و هو الصواب، لارجاع الضمیر الى المرآه.

(۲)- و هى. نسخه. و فى تعلیقه نسخه: اى المرئى و المبصر الذى یتراى فى المرآه.

(۳)- الشطط: الجور و الظلم و البعد عن الحق.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۲۰۲

البیاض غیر البیاض.

و أما حدیث العقل و المعقول فدعه إلى وقته.

و أما الجوابان الآخران اللذان یمکن أن یجیب بهما مجیب: أحدهما متشدّد فیه و الآخر مقارب فیه‏ «۱».

فأما المتشدد فیه فأن یقال: أما أولا فلیس یجب إذا کان شى‏ء یحتاج إلیه أن یفعل شى‏ء فى شى‏ء أن یکون المحتاج إلیه مثل المرآه او المشف هاهنا ینفعل من المبدأ مثل الانفعال الذى ینفعل به الثالث، فیرى أن السیف إذا أولم به الم، و الهدیه إذا سر بها سرّت.

و أما ثانیا فلیس بیّنا بنفسه و لا ظاهرا لا شک فیه أن کل جسم فاعل یجب أن یکون ملاقیا للملموس، فإن هذا و إن کان موجودا بالاستقراء فى أکثر الأجسام فلیس واجبا ضروره أن یکون کل فعل و انفعال باللقاء و التماس، بل یجوز أن تکون أفعال أشیاء فى أشیاء من غیر ملاقاه. فکما یجوز أن یفعل ما لیس بجسم فى الجسم من غیر ملاقاه کالبارى و العقل و النفس، فلیس ببدع أن یکون جسم یفعل فى جسم بغیر الملاقاه، فتکون أجسام تفعل بالملاقاه و أجسام تفعل لا بالملاقاه.

و لیس یمکن أحدا أن یقیم برهانا على استحاله هذا. و لا على أنه لا یمکن أن یکون بین الجسمین نصبه «۲» و وضع یجوز أن یؤثر أحدهما فى الآخر من غیر ملاقاه، إنما یبقى هاهنا ضرب من التعجب کما لو کان انفق أن کانت الأجسام کلها إنما یفعل بعضها فى بعض بمثل تلک النصبه «۳» المباینه، فکان إذا اتفق أن شوهد فاعل یفعل بالملاقاه یعجب منه کما

______________________________
(۱)- متقارب فیه. نسخه. اى مساهل فیه کما سیصرح به.

(۲ و ۳)- علم و نشانه. نسبه، النسبه- خ ل.

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: یعنى اذا نفذ فى الماء لزم ان یمتد منتظما بل انتظامه فى الضیق اولى من انتظامه حیث انتشاره فى سعه العالم کذا فى التلخیص.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۲۰۷

فإن کان وضع السطح فى المحاذاه التى بین الرائى و المضى‏ء الفاعل للاستناره لم یر ذلک السطح کسطح الفلک و الهواء.

و إن کان السطح خارجا عن ذلک کسطح الماء و نحن فى الهواء، و المضى‏ء لیس فى هذه المحاذاه، فإن ذلک السطح ینعکس عنه الضوء الآتى من المضى‏ء إلى البصر، فیرى متمیزا، فقد علمت ما نعنى بالعکس. و إن کان فى داخل السطح المنعکس عنه مرئى أراه ما هو فیه على أنه مشف و أراه على أنه مرآه، و کانت المرآه التى هناک مطابقه لما یحاذى المرئى إن کان مکشوفا للرائى.

و إن کان مستورا و کانت المرآه ملتقى الخط الخارج من البصر و العمود الخارج من المرئى الذى فى الماء، فإن شبحه یتأدى عنه على استقامه.

فإنک إن ألقیت خاتما فى الطشت بحیث لا تراه ثم ملأته ماء رأیته.

و إن کان المرئى خارجا عن شفاف متوسط غیر الشفاف الذى فیه الرائى و المضى‏ء، فإن المشف المتوسط یریه و إن کان لیس کذلک‏ «۱»، بل هو من جهه الرائى، فإن سطح ذلک المشف لا یریه إلا أن یجعل له لون غریب بشى‏ء یوضع من ذلک الجانب حتى یرى ککره البلور الملون أحد جانبیها.

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: قوله و ان کان لیس کذلک: یعنى ان کان ذلک المشف وقع خلف المرئى بالنسبه الى الرائى فان کان المرئى متوسطا بین البصر و ذلک المشف لم یؤده المشف کذا فى التلخیص.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۲۰۸

الفصل الثامن فى سبب رؤیه الشى‏ء الواحد کشیئین‏

لنقل فى سبب رؤیه الشى‏ء الواحد کشیئین فإنه موضع نظر، و ذلک لأنه أحد ما یتعلق به أصحاب الشعاعات أیضا. و یقولون: إنه إذا کان الإبصار بشى‏ء خارج من البصر یلقى المبصر ثم یتفق أن ینکسر وضعه عند البصر «۱»، وجب أن یرى الشى‏ء الواحد لا محاله کشیئین متباینین فیرى اثنین. و لیسوا یعلمون أن هذا یلزمهم الشناعه بالحقیقه، و ذلک لأن الإبصار إن کان بمماسه أطراف الشعاعات و قد اجتمعت علیه، فیجب أن یرى على کل حال واحدا. و لا یضر فى ذلک انکسار أطراف الشعاعات المنکسره.

بل الحق هو أن شبح المبصر یتأدى بتوسط الشفاف إلى العضو القابل المتهیئ الأملس النیّر من غیر أن یقبله جوهر الشفاف أصلا من حیث هو

______________________________
(۱)- فى تعلیقه نسخه: انکسار النور هو انحراف النور عن جهه مسیره اذا اجتاز الى ماده شفافه اکثف او الطف من التى کان مسیره فیها فاذا اجتاز الى ماده اکثف صار الى نحو خط عمودى فرض فى تلک الماده من ملتقى النور مع سطح تلک الماده على ذلک السطح، و اذا اجتاز الى الطف صار عن العمودى المذکور.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۲۰۹

تلک الصوره، بل یقع‏ «۱» بحسب المقابله لا فى زمان، و أن شبح المبصر أوّل ما ینطبع إنما ینطبع فى الرطوبه الجلیدیه، و أن الإبصار بالحقیقه لا یکون عندها، و إلا لکان الشى‏ء الواحد یرى شیئین لأن له فى الجلیدتین شبحین کما إذا لمس بالیدین کان لمسین. و لکن هذا الشبح یتأدى فى العصبتین المجوّفتین إلى ملتقاهما على هیئه الصلیب، و هما عصبتان نبیّن لک حالهما حین نتکلم فى التشریح.

و کما أن الصوره الخارجه یمتد منها فى الوهم مخروط یستدق إلى أن توقع زاویته وراء سطح الجلیدیه، کذلک الشبح الذى فى الجلیدیه یتأدى بوساطه الروح المؤدیه التى فى العصبتین إلى ملتقاهما على هیئه مخروط فیلتقى المخروطان و یتقاطعان هناک‏ «۲» فتتّخذ منهما صوره شبحیه واحده عند الجزء من الروح الحامل للقوه الباصره.

ثم أن ما وراء ذلک روحا مؤدّیه للمبصر لا مدرکه مره أخرى، و إلا لافترق الإدراک مره أخرى لافتراق العصبتین. و هذه المؤدّیه هى من‏

______________________________
(۱)- اى هذا التأدى.

(۲)- قوله قدّس سره: «و یتقاطعان هناک» یعنى یتقاطعان ثم ینعطفان کما هو مختاره فى ذلک. و القول الآخر: انهما یتقاطعان على التقاطع الصلیبى من غیر انعطاف. فقد قال الشیخ فى الفصل الثانى من الجمله الثانیه من کلیات القانون فى تشریح العصب الدماغى و مسالکه ما هذا لفظه: «قد تنبت من الدماغ ازواج من العصب سبعه فالزوج الاول مبدأه من غور البطنین المقدمین من الدماغ عند جواز الزائدتین الشبیهتین بحلمتى الثدى اللتین بهما الشمّ و هو صغیر مجوّف یتیا من النابت منهما یسارا و یتیاسر النابت منهما یمینا ثم یلتقیان على تقاطع صلیبى ثم ینعطفان و ینفذ النابت یمینا الى الحدقه الیمنى و النابت یسارا الى الحدقه الیسرى و یتسع فوهاتهما حتى یشتمل على الرطوبه التى تسمّى زجاجیه. و قد ذکر غیر جالینوس انهما ینفذان على التقاطع الصلیبى من غیر انعطاف». ص ۱۱۴.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۲۱۰

جوهر المبصر و تنفذ إلى الروح المصبوبه فى الفضاء المقدم من الدماغ فتنطبع الصوره المبصره مره أخرى فى تلک الروح الحامله لقوه الحس المشترک فیقبل الحس المشترک تلک الصوره و هو کمال الإبصار «۱».

و القوه المبصره غیر الحس المشترک، و إن کانت فائضه منه مدبّرا لها.

لأن القوه الباصره تبصر و لا تسمع و لا تشم و لا تلمس و لا تذوق، و القوه التى هى الحاسه المشترکه تبصر و تسمع و تشم و تلمس و تذوق على ماستعلم.

ثم إن القوه التى هى الحاس المشترک تؤدى الصوره إلى جزء من الروح یتصل بجزء من الروح الحامل لها فتنطبع فیها تلک الصوره و تخزنها هناک‏

______________________________
(۱)- قال الشیخ فى التعلیقات: المبصر اما ان یکون المؤدّى له الهواء او الماء فان کان المؤدى له الهواء لا یکون الهواء مرئیا معه فیجب ان یکون قدر ما یحصل منه فى البصر لا یکون زایدا على حقیقته و ذلک یختلف بحسب القرب و البعد فان القریب یجعله اکبر و البعید یجعله اصغر لان القاعده یکون فى المبصر و الزاویه فى البصر و اذا بعد المبصر یکون الزاویه احدّ. و ان کان المؤدى له الماء فیجب ان یکون القدر الحاصل منه فى البصر اکبر لان البصر ینتشر فى الماء، و یکون الماء مرئیا فیکون القاعده جزء من الماء الذى ینتشر فیه البصر ثم یمتد الى البصر على خطین من جرم الماء فیکون الزاویه اعظم و المرئى فى المرایا انما یحصل فیها صوره المبصر بقدر جرم المرآه ثم ینعکس منها الى البصر فیکون على زوایا مختلفه. التعلیقات ص ۶۹.

و قال صاحب الشوارق: «قال اصحاب الشعاع یجب ان یلتف المخروطان عند الخروج من العینین بحیث یتحد سهماهما حتى یرى الشى‏ء الواحد واحدا فان عارض عارض یمنع عن التفافهما کذلک بل تعدد السهمان رؤى الشى‏ء الواحد شیئین لان قوه النور فى سهم المخروط و من توهم ان اتحاد سهمى المخروطین غیر ممکن بل الصواب ان یقال باتحاد موقعى السهمین و تعددهما فقد غفل عن قید الالتفات و ما زعمه صوابا فهو خطأ لان اتحاد الموقعین مع تعدد السهمین انما یکفى فى رؤیه الشى‏ء واحدا لو کان المرئى نقطه منه و اما اذا کان المرئى ذلک الشى‏ء کله فلا یکفى ذلک». شوارق الالهام ج ۲ ص ۳۸۲.

النفس من کتاب الشفاء، ص: ۲۱۱

عند القوه المصوره و هى الخیالیه- کما ستعلمها- فتقبل‏ «۱» تلک الصوره و تحفظها «۲». فإن الحس المشترک قابل للصوره لا حافظ، و القوه الخیالیه حافظه لما قبلت تلک.

و السبب فى ذلک أن الروح التى فیها الحس المشترک إنما تثبت فیها الصوره المأخوذه من خارج منطبعه مادامت النسبه المذکوره بینها و بین المبصر محفوظه أو قریبه العهد. فإذا غاب المبصر انمحت الصوره عنها و لم تثبت زمانا یعتد به.

و أما الروح التى فیها الخیال فإن الصوره تثبت فیها، و لو بعد حین کثیر، على ما سیتضح لک عن قریب.

و الصوره إذا کانت فى الحس المشترک کانت محسوسه بالحقیقه فیه‏ «۳»، حتى إذا انطبع فیه‏ «۴» صوره کاذبه فى الوجود أحسها کما یعرض للممرورین، و إذا کانت فى الخیال کانت متخیله لا محسوسه.

ثم إن تلک الصوره التى فى الخیال تنفذ إلى التجویف المؤخر إذا شاءت القوه «۵» الوهمیه ففتحت الدوده بتبعید ما بین العضوین المسمیین‏

______________________________
(۱)- اى قوه الحس المشترک.

(۲)- اى قوه الخیال.

(۳ و ۴)- فیها. نسخه. فالتذکیر باعتبار الحس المشترک، و التأنیث باعتبار الروح.

(۵)- قوله: «اذا شاءت القوه الوهمیه»، اعلم ان القوه المسماه بالوهم هى الرئیسه الحاکمه فى الحیوان و معنى هذا الکلام ان جمیع القوى التى دونها من الحس المشترک و الخیال و المتصرفه و الحافظه من شئونها و افعال تلک القوى کلها فى الحقیقه هى فعل هذه القوه الرئیسه. إلا أن لها فى موطن کل واحده من تلک القوى اسما خاصا، ففى موطن تسمى الحس المشترک، و فى آخر الخیال و هکذا. فوزان الوهم مع تلک القوى وزان النفس الناطقه مع قواها.

ثم لما کان ادراک المعانى الجزئیه بین سائر افعال القوى الحیوانیه اشرف من غیرها

 

مقالات مرتبط

پاسخ‌ها

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *